إهداء إلى عقل عبد العزيز قاسم

إهداء إلى عقل عبد العزيز قاسم
بندر الشويقي

أخي أبا أسامة ،،،

هذا الإهداء ليس لك ،،،

بل لعقلك الذي زعم (أكاي) أنك فقدته ،،،

– – – – – – – – – – – – – – – – –

الأحلام الوردية –يا أبا أسامة- شيءٌ جميلٌ يجد فيه الحالم متنفَّساً من ضغوط الواقع ،،،

لكن يجب أن تنتهي هذه الأحلام عند مغادرة الفراش ،،،

فاحذر – أبا أسامة- أن تجاوز بأحلامك باب غرفة نومك ،،،

لك أن تحلمَ بقصرٍ فخمٍ، يمتلئ بالخدم والحشم، وتقف عند بوابته سيارة (رولز رويس) بيضاء بسائقها الأنيق المهندم، يبتسم في وجهك كلَّ صباحٍ، وينحني لك، قبل أن يفتح لك باب السيارة، ليأخذك –بعد هذا- إلى مقر عملك رئيساً لتحرير جريدة يومية عالمية اسمها (قاسم بوست)، أو (عزيز تايمز)، تطبع بسبع وسبعين لغةً، و يوزع منها مليار نسخة على الأرض، ونصف مليار آخر على مثقفي المريخ و زحل، وتتسابق للكتابة فيها أقلام عالمية عملاقة، من أمثال (وليام بفاف)، و(روبرت فيسك)، و (فوكوياما)، و (بوكانان)، و (تشومسكي) ،،،،،،،،،،،،،، و(عبدالله بن بخيت!).

لك أن تحلم بهذا كله –يا أبا أسامة-، لكن متى استيقظت من نومك، فاغسل وجهك جيداً، وباشر حياتك الواقعية، و اركب سيارتك العتيقة، وأوصل أطفالك إلى المدرسة ذات المبنى المستأجر، ثم توقف عند (الفوال) وتمتع بوجبتك الصباحية، حتى تستعد لمواجهة نكدك اليومي بجريدة عكاظ.

إذا ظللت تنتظر (الرولز رويس) وسائقها، فسوف تبقى واقفاً عند باب بيتك وقتاً طويلاً، بطول وعرض العفن الخلقي المتراكم الذي تكرم به علينا أبطال السينما العربية والأجنبية ومنتجوها الأشاوس.

أبا أسامة أيها الحالم!

هل كنتَ جاداً بالفعلِ حين حدثتنا عن ضرورة فتح دور سينما في السعودية من أجل تشجيع إنتاج مواد سينمائية نظيفة؟!

لعلك أكثرت عشاءك البارحة، فرأيت في منامك طوابير من المخرجين الأتقياء، بصحبتهم حشودٌ من الفنانين والفنانات البررة، و مندوبين للعشرات من مؤسسات الإنتاج الفني النظيف، بصحبتهم ممولين من الأثرياء العرب أصحاب الهم الرسالي، وقد أعدوا خططاً لإنتاج أفلام سينمائية نظيفة هادفة، ولم يبقَ بينهم وبين تنفيذ خططهم التقية الطموحة إلا أن يسمح بفتح دور سينما في السعودية بالذات!

لعلك رأيت هذا في نومك البارحة.

ولعلك في قيلولة الظهر رأيتَ أفواجاً من السعوديين والسعوديات الذين يسافرون للخارج ليتمتعوا بمشاهدة فيلم (عمر المختار) وفيلم (الرسالة)!

اسيتقظ – يا أبا أسامة – من أحلامك وعش واقعك الحقيقي.

عش واقعك الذي يقول لك: إن أول عرض سينمائي في السعودية، تم برعاية ودعم من أشهر رواد الإنتاج الإعلامي النظيف من القيم والأخلاق : (الوليد بن طلال!) –رضي الله عن غيره-.

فهل تستطيع من خلال هذه الحقيقة استشراف مستقبل السينما السعودية؟!

دور السينما -يا أبا أسامة- تُفتح لتعرض أفلاماً، لا لتنتجها.

فأنتج لنا مادةً سينمائيةً نظيفة –أولاً- ثم تعال لنتحدث عن فتح دور للسينما النظيفة. أما إذا عكست الصورة، فلك أن تتخيل دور السينما في الرياض وجدة ومكة والدمام وأبها والشمال والجنوب، وهي تبيع التذاكر للناس، لتمتعهم كل يوم بمشاهدة فيلم (الرسالة)، و (عمر المختار)! ..

(إذا افترضنا أن هذه مواد نظيفة بالفعل).

لكن حدثني يا أبا أسامة عن تفاصيل رؤياك.

فهل رأيتَ في منامك أن دورَ السينما التي ستفتح عندنا ستكون تحت رعاية و إشراف دار الإفتاء؟! أو أنها ستكون تحت رعاية الجهة نفسها التي ترحب بمجموعة الإم بي سي وتدعمها، ثم تمنع (المجد) من بث أناشيد أطفال عبر (الإف إم).

لعلك يا أبا أسامة كنتَ تقرأ –قبل نومك- في أخبار الأتقياء، فرأيت نفسك في المنام تعيش في دولة يتولى وزارة الثقافة والإعلام فيها الحسن البصري، يساعده وكيل وزارة اسمه محمد بن سيرين!

قصة اقتلاعك -يا أبا أسامة- من جريدة المدينة بسبب ملحق ديني أسبوعي صغير لم ينس الناس خبرها بعدُ. و أنت الآن تحدثنا عن أحلام بريئة بسينما نظيفة للغاية يقودها ويشرف عليها من اقتلعك.

أيها الحالم الكبير!

حدثتني آنفاً -قبل أن تغسل عينيك- عن ضرورة الكف عن فتاوى تحريم فتح دور السينما، والتوجه بدل ذلك إلى حث الأثرياء من أصحاب الهم الرسالي لإنتاج مواد إعلامية هادفة نظيفة!

يا أبا أسامة!

فتاوى التحريم، فتاوى واقعية، لا علاقة لها بالأحلام.

هي فتاوى موجهة لواقعٍ يراه الجميع، فإذا تبدل الواقع، فطالب بتبديلها.

فهلا استيقظت من نومتك، وشرحت لي: كيف يكون إنتاج مادة إعلامية نظيفة، متوقفاً على الفتيا بفتح دور سينما في السعودية بالذات؟!

ها هم الأثرياء يسمعون صيحتك.

وهاهم المنتجون يملأون دبي والقاهرة.

و دور السينما تغص بها أرجاء المعمورة.

وأما الفنانون والفنانات فقد أصبح عددهم مليون إلا ثلاثة، بعد مقتل (سوزان تميم)، وانتحار (سعاد حسني)، و اعتزال ثالثة لا أذكر اسمها.

فاستعن بالله، و وجه صرختك لهؤلاء، فملف القضية متوقف عندهم، وليس عند الشرعيين الذين لا يملكون تحليل ما حرم الله.

و إذا استيقظت من نومتك–يا أبا أسامة-، فدعني أسألك:

مصر قلعة السينما العربية: ألا يوجد فيها رجالٌ أشرافٌ وأصحاب هم رسالي؟!

بلى يوجد، وبكثرة … فلماذا –إذن- طيلة أكثر من نصف قرنٍ من الزمان، ظلت السينما المصرية وأخواتها تقتلع بناء الأمة الأخلاقي بمهنية واحترافٍ؟!

هل ستقول لي: إن السبب يرجع لفتاوى التحريم؟!

أو ستقول لي: إن السبب يرجع لكون عادل إمام، و بوسي، وفيفي عبده ، لم يجدوا من يحتضنهم(*) ويوجههم نحو العمل السينمائي المحافظ!

– – – – – – — — – — – — – — – — –

(*) حاشية : جميع الفنانات يجدون من يحتضنهم ،،، و بحرارة.

—- – – – – – – – – – – – – – – – – – –

صاحب الأحلام الوردية حين يتحدث –يا أبا أسامة- فليس لحديثه إلا فائدة واحدة، وهي نقل الناس معه إلى عالم الأحلام الخداعة، حتى إذا استيقظوا، و عاشوا واقعهم، و رأوا دور السينما تملأ بلدهم، فسوف يدركون عند ذلك أن السعودية ليست مدينة أفلاطون، وأن السعوديين ليسوا شعب الله المختار الذي تتحول الرذائل على أيديهم إلى فضائل بضغطة زرٍ واحدةٍ.

أبا أسامة ،،،

أنت –بالتأكيد- لم تفقد عقلك كما زعم أكاي.

لكنك من الواضح أنك لم تغسل وجهك جيداً، فانتقلت أحلامك معك خارج غرفة نومك.

السينما السعودية، ستكون مثل الفضائيات السعودية.

والوليدان (ابن إبراهيم، وابن طلال) لهم أشباه كثر من إخوان الشياطين.

فلست أفهم سبب تفاؤلك المفرط بسينما متدينة تخاف الله وتتقيه، مع معرفتك بواقعنا.

نحن الآن بحاجة أن نعتذر للمسلمين في أرجاء الأرض من خطايانا الفضائية.

فهل تريد أن نوطن هذه الخطايا فوق أرض الحرمين، كي يكتمل فضلنا!

ولقد حدثتنا في أحلامك -أيها العزيز- عن (خطأ الشرعيين المتكرر برفع عقائر التحريم و البكاء على الفضيلة و إشهار كروت التحريم، وذكرتَ أن السينما ستكتسح مجتمعنا قريباً).

هذا ما قلته يا صاحب القلب الطيب!

فدعني أخبرك أنه كثيراً ما يحاول المرء أن يتذاكى، فيرفع بصره هناك ليستشرف المستقبل البعيد، و يغفل عن حفرةٍ واسعةٍ بين يديه يوشك أن يتردى فيها.

في عالم الأحلام الوردية -يا أبا أسامة-، يكون توزيع كروت التحريم جريمة لا تغتفر. وأما في عالم اليقظة، فإن توزيع هذه الكروت كثيراً ما يكون واجباً شرعياً لا تبرأ ذمة العالم دونه. فبدل أن تلوم من لا يملك إلا تحريم ما حرم الله. وجه لومك للسينمائيين الذين لم ينتجوا ما يستحق وقف هذه الكروت.

ولئن كان هناك شيء اسمه (سينما نظيفة)، فلن تخرج هذه السينما إلا تحت ضغط فتاوى التحريم التي نغصت عليك أحلامك الوردية.

فتاوى تحريم الربا هي التي أخرجت لك بنوكاً إسلامية (أو شبه إسلامية).

وفتاوى تحريم الفضائيات المنحطة، هي التي أخرجت لك المجد وأخواتها.

هكذا تسير الأمور، وليس العكس.

وإني لأعجب ممن يجعل ظاهرة (القنوات الإسلامية) سبةً في وجه من أفتى بحرمة الفضائيات المنحلة، و أستغرب من اجترار حديث مغالط حول انقلاب الفتيا من التحريم إلى التحليل بعد وجود فضائيات محافظة.

فهل كان المطلوب من أهل العلم أن يفتوا باستحباب قناة إل بي سي، لأن هناك قناة فضائية ستخرج بعد عشر سنوات اسمها قناة المجد؟!

و هل كان واجبُ الشرعيين أن يصدروا فتاوى غبية تبيح الفضائيات المنحلة، وأن يكفوا عن تحريمها، ويحثوا الناس على الترحيب بها في بيوتهم، و يقولوا لهم: أدخلوها دون حرجٍ، وسوف نسعى لكم في قناة محافظة؟!

هذا ما رآه أبو أسامة في نومته الثقيلة، فصار بعد ذلك يطالب الشرعيين ألا يكرروا خطأهم حين حرموا قنوات الهشك بشك!!

إن كنت – يا أبا أسامة – رأيت في منامك أحلاماً وردية، فقد رأيت أنا البارحة حلماً فوشياً لرجل يقتلع قواعد الدين باسم تغير الفتيا بتغير الزمان، ثم يستنكر على الشرعيين أن تتغير فتيا تحريم الفضائيات بعد وجود البديل الأنظف.

أبا أسامة أيها الفاضل.

إن كنت ناديتَ الشرعيين ألا يكرروا خطأهم، فدعني أناديك وأصرخ في أذنك كي لا تكرر خطأ غيرك، فتجعل نفسك –من حيث لم تشعر- جسراً يمر فوقه من لا تحب سيرتهم.

دعني أقول لك مقولة محب:

لا تنجرف رجلك في هذا الطريق…

فليست السينما أكبر مشاكلنا…

أنت رجلٌ إعلاميٌّ تعرف أصول الصنعة، فمن المفترض ألا تنساق وراء الضَّخ الإعلامي الموجه.

كنت سأفهم حديث غيرك و مطالبته بسينما نظيفة ، لو أني رأيته استفرغ طاقته وجهده في مكافحة السينما القذرة، و محاربة العهر الفضائي. لكن المشكلة أن كثيرين ممن يتحدثون عن سينما نظيفة، هم في أحسن الأحوال من جماهير السينما غير النظيفة إن لم يكونوا من رعاتها!

* الموضوع نشر قبل هذا التاريخ 

لا تعليقات حتى الآن

  1. مقال في الصميم,,حقا استفزتني حلقة السينما الاسلاميه التي طالب بها المذيع وكأنه لم يرى واقع قنواتنا وصحافتنا الصفراء

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 + 9 =