أنس حسن يكتب عن المصالحة الخليجية .

لم يكن الحديث عن غزو عسكري لقطر أمرا عارضا أو من قبيل المبالغة، فقد كانت الخطة محكمة تماما إعلان حصار وشروط تعجيزية تصل ل ١٣ شرطا، تشبه كثيرا تلك التي كانت تفرضها الدول المنتصرة في الحربين العالميتين على الدول المنهزمة بعد أن تدفع كلا الدولتين ملايين القتلى على الجبهات وبعد شهور أو سنوات من القتال المر، هذا الغزو الذي أكده أمير الكويت في مؤتمره الصحفي وقتها مع الرئيس الأميركي بقوله “منعنا حدوث غزو عسكري”، وما عززه وزير الخارجية الألماني السابق “زيغمار غابرييل” والذي قال بالنص “إن قطر كانت على وشك التعرض لغزو عسكري في 2017” موكدا ما تداولته التقارير الاستخباراتية المسربة وكذلك تغريدات الذباب الالكتروني الذي لا ينطق عن هوى نفسه بل عن هوى مشغليه.

المصالحة الخليجية :

آثرت أن أبدأ من هذه الزاوية لأنها الوحيدة التي بإمكانها أن تشرح لنا ما الذي يعنيه الحديث عن مصالحة خليجية، فما كانت تعد له الدول المحاصرة لم يكن مسألة خصومة سياسية يمكن أن تُحل عبر شروط وتفاوض، وهذا التفاوض لم يكن مرغوبا به لديهم، بل كانت الشروط استهلاكا للوقت واستنطاقا لرفض قطري متوقع سيعزز موقفهم السياسي في أثناء الغزو العسكري، كان الغزو يستهدف على وجه التحديد مجموعة كنوز استراتيجية يخطط لها منفذوه ويستغل كذلك عدة فرص تاريخية وفرتها لهم الظروف العالمية وقت التخطيط له بشكل محكم، ومن خلال فهم العلاقة جيدا بين الظروف والأهداف سنفهم كيف تشكل مشهد المصالحة الحالي، ومناخه الغريب بالنسبة للبعض.

كبير جائع.. وصغير متخم!

الجغرافيا السياسية لا تكذب أبدا ولها حتمياتها -في نظري- والتي لا يمكن تجاوزها، ومن أبجدياتها أن الكبير الجائع يأكل الصغير المتخم إذا جاع، لم يكن مشهده الأول في اجتياح الكويت والتي كان صدام قد أعد لها ما يشبه ذات خطة الغزو الفاشلة لقطر، لكنه كان أمضى من أقرانه، وكان المناخ السياسي وقتها يسمح.

فالعراق الجائع الخارج من حرب عبثية مع إيران امتدت لسنوات طويلة، خرج جائعا متخما بالأزمات وفقدان الثقة، ويرغب في وجبة سمينة ودسمة يملكها جاره المتخم “الكويت” يعالج بها نزيفه الداخلي ويعيد بها بناء جيشه، كانت الوصفة بسيطة وسهلة، تسكين الجبهات الكبرى مع الإيرانيين، واستمالة ظاهرة للأمريكان تبينت مكامن “الفخ” فيها لاحقا، مرورا بمعاهدات عدم اعتداء ومحاولة تسكين مخاوف بقية العرب لتبقى الكويت منفردة في مواجهة مخطط الغزو الذي أعد بدقة.

وبغض النظر عما آلت إليه الأمور وعما دفعه صدام من حجاج وأسباب لغزو الكويت، إلا أن الجغرافيا السياسية تدرك شيئا واحدا، أن النفط الكويتي وصغر حجم الكويت، وإمكانية الضم الجغرافي لها سيحل كل المشكلات التي تلوح في أفق العراق الجريح، ولذا كان لابد للكبير أن يأكل الصغير.المصالحة الخليجية

قطر كحل سحري

كانت الخلطة هي ذاتها في أزمة الخليج مع متغيرات بسيطة، فالسعودية الأكثر اعتمادا على صادرات النفط الخام في العالم تواجه خطرا حقيقيا عنوانه “النفط الصخري” وانهيار أسعار النفط، مع اندلاع حرب شكلت نزيفا ماليا لا ينقطع في اليمن، وطموح سياسي ضخم لصاعد جديد داخل الأسرة وهو “محمد بن سلمان” يأمل من خلاله بتغيير واقع بلاده بضربة واحدة وسريعة وفورية.

ولا يختلف الأمر كثيرا عند الإمارات والتي رصدت تقارير كثيرة تراجعها المالي والاقتصادي، في ظل تراجع أسعار النفط وكذلك تباطؤ حركة التجارة الدولية ما أثر على منبعيها الأساسيين في النمو، كمركز تجاري وكدولة نفطية، وبالتالي تواجه هي كذلك خطرا لا يمكن النفاذ منه.

والأمر ليس ببعيد عن البحرين؛ الجارة الصغيرة جدا، فمستقبل الاقتصاد البحريني أكثر ضبابية من السعودية والإمارات مجتمعتين، وبالتالي كان لهذا الثلاثي المتأزم اقتصاديا والمشحون سياسيا كذلك من مواقف قطر السياسية في دعم الربيع العربي فرصة كبيرة للتحرك لمعالجة مشاكلهم العميقة.

نجاح مضاد .. فلماذا الغزو؟

إذا كانت الأسباب السياسية التي تقدم دوما في إطار الأزمة الخليجية وتبريرها مثل “الموقف من الإخوان أو تركيا أو إيران” حقيقية، فقد انتفت على الحقيقة منذ يوم الثالث من يوليو لعام ٢٠١٣، حيث أنهى الانقلاب العسكري المدعوم اماراتيا وسعوديا، نفوذ الإخوان في مصر وتبعتها انقلابات ناعمة أو خشنة قوضت على الحقيقة خطر الربيع العربي.

كما عزز احتواء قطر خليجيا اتفاقية الأزمة الخليجية الأولى عام ٢٠١٤ والتي انتهت بتفاهمات (قطرية – خليجية) حدت من المخاوف السياسية الكبرى التي كان يروج لها في الأوساط الخليجية السعودية والإماراتية، وبالتالي لا يوجد سبب حقيقي يدفع الدولتين الخليجيتين الأبرز للتخطيط لغزو عسكري للدوحة التي لطالما استطاعوا احتواء طموحاتها السياسية أو على الأقل التعايش معها في إطار التوافقات.

كان الغزو المطروح إذن في ٢٠١٧ غير مبرر بالكامل في إطار أن القمة (الإسلامية – الأميركية) بالرياض كانت بحضور قطري رسمي، وتوافق ظاهر بين مكونات المنظومة الإقليمية، لكن بالعودة لمسار الغزو، فحضور أمير قطر للقمة كان من المؤكد أنه جاء تاليا على التخطيط للغزو، أي أن خطة الغزو والحصار كانت قد طبخت ونضجت ولم يبق إلا وقت أوان تنفيذها، فلماذا الآن؟

كان يمكن لمن يدرك أبسط أبجديات السياسة أن يتأكد أنه كان من الممكن بعد وصول الرئيس دونالد ترمب للسلطة بالولايات المتحدة وحصول حلف عميق بين ثلاثي إقليمي كالرياض وأبوظبي وتل أبيب، الضغط على قطر سياسيا من خلال انتهاج استراتيجية تضييق إقليمي هادئة يمكن أن يستدر معها القوم تنازلات مفيدة، إذا كان الخلاف على الحقيقة “سياسي” فقط، وكان لدى القيادة القطرية من المرونة ما يجعلها تخفض رأسها قليلا للموجة، لكن قرار الغزو لم يكن أبدا ومن لحظته الأولى سياسيا!.المصالحة الخليجية

“إنه الاقتصاد يا غبي!”

هذه الجملة التي اكتسبت شعبيتها الواسعة أثناء حملة بيل كلينتون الرئاسية عام ١٩٩٢ أثناء مواجهته مع بوش الأب، حيث كان ينظر لبوش على أنه السياسي القدير الأكثر خبرة، ورجل الحرب الذي يمثل وجه أميركا الخشن والمتفوق عسكريا، لكن كلينتون وحملته وجهوا الصراع إلى حقيقة أخرى لا تقل أهمية عن السياسة بل تفوقها وتحركها أحيانا كثيرة “إنه الاقتصاد يا غبي!” .

على نفس النسق لا يمكن القفز على جملة “إنه الاقتصاد ياغبي!” في سياق الأزمة الخليجية ومحاولة غزو قطر الفاشلة، فدول الخليج الريعية بها من الاقتصاد أكثر ما بها من السياسة، بل نستطيع أن نقول أن الدولة الخليجية الحديثة هي منتج اقتصادي لا سياسي، وأن الوجود السياسي الحديث للخليج، هو نابع من الاقتصاد ومرهون به، حيت تفقد معادلات التأثير “كالسكان والقوة العسكرية والتأثير الثقافي والأيديولوجي” قيمتها بشكل ملحوظ في معادلات القوة الخليجية، بل وحتى الوجود التاريخي للخليج الحديث في ال١٠٠ سنة الماضية كان على حقيقته اقتصاديا مرتبطا باللؤلؤ والصيد والقوافل التجارية وبالتالي كان مدخل الاقتصاد مهما ومركزيا.

وبالاقتراب من مشهد الأزمة الخليجية فإن قطر تعد الدولة الخليجية الوحيدة التي لديها معاملات أمان اقتصادي عالية جدا، فالنفط في قطر ليس هو السلعة المحورية التي يعتمد عليها الاقتصاد، وبالتالي لن تتأثر بشكل عميق بتحولات عصر النفط، ولا هي دولة تم بناؤها كمركز تجاري فتتأثر بشكل عميق بتباطؤ الحركة التجارية العالمية فما المغري في قطر إذن؟

الغاز .. النعمة واللعنة

كان الغاز من البداية هو محور الخلاف الدي سيدب بين الإمارة الصغيرة وجيرانها المستنفرين، فقطر الدولة النفطية المحدودة ستقرر وعلى نحو مفاجئ بعد تغيير سياسي مفاجئ كذلك قام به الأمير حمد بن خليفة عام ١٩٩٦، أن يتجه نحو الغاز والاستثمار فيه، وهو الملف الذي لطالما ضغطت السعودية على قطر أن لا يفتح أو يستثمر فيه بشكل واسع وكبير.

والإدارة السعودية لاقتصاديات الدول الخليجية أمر حقيقي ومعروف في أوساط السياسة في هذه المنطقة، فالسعودية كان يمكنها أن تضغط لإغلاق مصنع في البحرين أو تغيير مشروع اقتصادي في الكويت أو حتى السطو على آبار نفط إماراتية، أو الاستحواذ على مناطق تنقيب كويتية، كان هذا معمولا به ومقبولا على مضض من قبل الإمارات الخليجية الضعيفة، إلى أن أتى حمد بن خليفة والذي قرر أن يقلب للرياض ظهر المجن.

اتجه الأمير الشاب وقتها إلى الاستثمار الواسع والتعويل الكامل على الغاز، ونقل قطر من الاعتماد النفطي إلى الاستثمار المستقبلي في الغاز، يأتي هذا في الوقت الذي كانت السعودية ومنذ اكتشاف النفط فيها، تتخلص من كميات الغاز المكتشفة في الحقول للوصول للنفط كما أقر بذلك الوزير “علي النعيمي” في كتابه من البادية إلى النفط.

هذا التحول لم يترك ليحدث في قطر، فمنذ تولي “حمد بن خليفة” الحكم وعزل والده، أدركت السعودية والإمارات والبحرين ما تفكر به قطر، وأن التحول الاقتصادي القادم في البلاد سيكون عنوان صعود هذه الدولة الصغيرة لتصبح فاعلا إقليميا.

تحركت السعودية والإمارات والبحرين في محاولة غزو قطر الأولى عام ١٩٩٦ والتي أفردها برنامج التحقيقات الشهير بالجزيرة “ماخفي أعظم” بحلقتين أثارتها جدلا كبيرا، ولم يكن يقف خلف هذا الغزو سوى هدف واحد، منع قطر من الوصول لثروتها من الغاز والاستفادة الكاملة منها، كون ذلك سيخل في نظر دول الخليج بالميزان الاقتصادي وليس مجرد المروق السياسي عن الخط الخليجي.

بعد فشل محاولة الغزو الخليجية لقطر والتي كانت مصر طرفا بها أيضا، قامت السعودية بمنع قطر من حق مد خطوط تصدير الغاز عبر أراضيها للكوت أو عمان أو حتى باتجاه سوريا والبحر المتوسط نحو أوروبا، ما عنى أن تضطر قطر للاستثمار في الغاز المسال وفي تسيير خطوط تصديرها عبر البحر وأساطيل الناقلات باتجاه اليابان، والأنابيب البحرية نحو الإمارات وعمان.

وبقيت النقمة السعودية على قطر من هذه الزاوية قائمة ولا يمكن تجاوزها سواء في حالات الصلح والتقارب وبالطبع حالات التجافي والتباعد، ولم تستطع قطر حتى يومنا هذا مد أنبوب واحد باتجاه الأراضي السعودية.

يبقى السؤال إذا.. ما الذي استجد في ٢٠١٧ لتبدأ محاولة غزو جديدة؟

فرصة العمر.. الشجرة بدلا من عصافيرها

لم تغب فكرة الغزو أبدا عن رأس الساسة الخليجيين في الرياض وأبوظبي تحديدا، وبدعم مصري منذ مبارك، فمحاولة ١٩٩٦ كانت شاهدا أن الفكرة مطروحة على الطاولة من ٢٤ عاما، وصغر حجم الدولة (١١ الف كيلو متر مربع تقريبا) و صغر حجم السكان (حوالي ٣٠٠ ألف مواطن)، يغري دوما بفكرة السطو السريع والمباغت.

إلا أنه منذ عام ١٩٩٦ ومحاولة الغزو الفاشلة تحول ميزان القوة الاستراتيجي لصالح قطر في مجموعة ملفات، أولها أن قطر أنشأت قناة الجزيرة والتي ظلت منذ ١٩٩٦ وحتى ٢٠٠٣ القناة العربية السياسية الوحيدة التي تشكل الرأي العام العربي، واستمرت من ٢٠٠٣ وحتى ٢٠١١ مستيدة مشهد الإعلام الإخباري العربي، والتي لعبت دورا رئيسيا في الربيع العربي وتفجيره، فكانت عصا قطر الناعمة والخشنة في ذات الوقت.

كما أن تجربة غزو العراق والوجود الأمريكي في المنطقة، والتوافق القطري الأمريكي في كثير من الملفات، فرض مجموعة من التوازنات غير القابلة للخرق خاصة مع فتح قطر لقاعدتي العديد والسيلية، والتي استقبلت القوات التي خرجت من السعودية إبان فترة الصحوة.

لكن كل هذه القواعد ستبدأ في التراجع بعد انقلاب السيسي في مصر وتراجع مؤشرات الربيع العربي وظهور داعش، وتتويج كل ذلك بصعود ترمب للسلطة في الولايات المتحدة والذي جاء على خلاف رغبة المؤسسات الأميركية التقليدية، والذي بدوره أيضا بدأ في مواجهتها داخليا وخارجيا، عبر التحالفات غير التقليدية، والانسحابات من مناطق الصراعات، وإدارة السياسة الأميركية من زاوية التاجر والمطور العقاري.

وقد التقط أمراء الخليج الجدد طرف الخيط وبدأوا في مغازلة ترمب وفريقه وتمويله مشاريعهم وحملاتهم، وهذا ما تتكشف عنه حاليا تحقيقات الكونجرس والبيت الأبيض وتسريبات النيويورك تايمز وفضائح جورج نادر وعلاقاته بابن زايد وابن سلمان.

وكانت قطر أول طلب على الطاولة، طلب من ترمب غض الطرف عن التصعيد الذي سيشهده الخليج ضد قطر، مع وعد ضمني بانهاء المسألة في غضون أيام، وبالتأكيد تغطية نفقات الوعود المالية كاملة والتي تجاوزت ٤٠٠ مليار دولار من السعودية وحدها لترمب، وكانت ثقة المغامرين الجدد مطلقة في أن مخططهم سينتهي سريعا بإخضاع الدوحة وتبديل نظام الحكم فيها، ثم توزيع الأرباح بالتساوي على أطراف الغزو، وساكن البيت الأبيض الجديد.

لكن قطر نجحت في إدارة الأزمة بذكاء وبخلاف المتوقع أعلنت قطر أنها ستقبل التفاوض وأي طلبات ستقدمها دول الحصار بشرط تقديم طلب رسمي بها، والذي أربك مخطط الغزو قليلا بعد الضغط الدولي والوساطة الكويتية التي دفعت رباعي الحصار لتقديم مطالب تعجيزية أشبه باتفاقيات الاستسلام الشامل في الحرب العالمية، مع مطالبة قطر بتعويضات مليارية عن لمصر والخليج بسبب سياساتها.

التفاوض حول المطالب وتسريبها منح قطر والمجتمع الدولي والمؤسسات الأميركية بعض الوقت لاستيعاب ما يحدث والتحرك لاحتواءه، وتدريجيا ومع تزايد مشاكل ترمب الداخلية، وانكشاف مسلسل الغزو وتحرك قطر دوليا لاحتواءه، تراجعت فكرة الغزو تماما وأصبحت غير مواتية، وحديث أمير الكويت عنها وتسريبها في الصحف الغربية أفقدها المباغتة وبالتالي دخلت الأدراج من جديد.

من طرق باب من ؟

استطاعت قطر تجاوز أزمة الحصار سريعا عبر تطوير سياسات اقتصادية جديدة تجعلها أكثر اعتمادا على نفسها وكذلك اعتماد سياسة ديبلوماسية جديدة قائمة على خلق أحلاف جديدة، وتفاهمات مع تركيا وإيران والولايات المتحدة بشكل منفرد، مع الحفاظ على علاقات خليجية جيدة مع الكويت وعمان، وتحسين العلاقات مع العراق والأردن، بخلاف تطوير علاقة أكثر فاعلية مع دول أوروبا الغربية، ما فتح لقطر فاعلية سياسية جديدة بعد انزواء الحصار.

ومع بدء اجراءات محاكمات العزل البرلماني لترمب وتراجع نتنياهو والفشل الذي منيت به صفقة القرن، وانكشاف أوراق المحور الخليجي في البيت الأبيض، وانتظار قادم جديد غير معلوم في السياسة الأميركية سيكون بالتأكيد مختلفا تماما عن ترمب وسياساته، في حال خسر ترمب، استشعرت دول الحصار الخطر.

لم يكن هذا الخطر الذي دق ناقوسه موجها تجاه ما يحدث في البيت الأبيض فقط!، فقصف المنشئات النفطية السعودية، والتراجع الحاصل في حرب اليمن، والانقسام الإماراتي السعودي في الجنوب، وكذلك الفشل الجزئي لطرح أرامكو في سوق الأسهم الدولية، وحاجة الرياض لاستثمارات قطر الضخمة خاصة في أرامكو، كل ذلك جعل السعودية منهكة خاصة بعد أزمة مقتل خاشقجي.

على الجانب الآخر تستمر قطر في استثماراتها الاقتصادية وتوسعاتها مبتعدة تماما عن الإخفاق الاقتصادي الذي تعيشه بقية دول الخليج، ما يعني في السياسة “خطر النموذج الجيد”، ويمكنك بجولة صغيرة على تويتر أن تستشف حجم الحسد والغبطة الخليجية للرفاه القطري، والتطور العمراني والحضاري والمادي في البلاد، وهو ما يسبق بمراحل دولا كانت متقدمة على قطر سابقا في ذات البقعة الجغرافية.

ومع توسع كشوفات الغاز، تتحول قطر لفاعل دولي لا يمكن كبحه، فلماذا لا نطرح مصالحة تضع لقطر شيئا من “الفرامل”، وتعيدها ولو قليلا للمحور السعودي ولو على خجل؟، فالخسارة من استمرار الحصار سعوديا أكبر من استمراره قطريا!

“إنه الاقتصاد يا غبي!”.. ستظل إذن تلك الجملة هي محور الحديث وأساسه، فالغيرة الخليجية من قطر اقتصادية، وستظل موجودة ومتصاعدة ولا يمكن كبحها، والفرق بين فعل الغزو والمصالحة هو “الاستطاعة” و “المواتاه” بمعنى أن ما يمنعهم من تنفيذه هو الفشل في تنفيذه لا عدم وجود الرغبة، إذ أن جذر الرغبة سيظل موجودا ما دام في قطر بئر غاز لا ينضب!

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة عشر + 15 =