صورة ابراهيم السكران
صورة ابراهيم السكران


بقلم : إبراهيم السكران

الحمدلله وبعد،،

مدارس آيلة للسقوط في أنحاء الممكلة .. تفاقم مزري لظاهرة المدرس الخصوصي .. تدهور فلكي في أخلاقيات الطلاب .. مخرجات تعليمية لاتتعلم حب القراءة والبحث ومهارات التحليل العلمي.. ازدياد حالات العدوان على المعلمين .. تنامي حالات الهروب من المدرسة .. وضع صحي بائس لمطاعم المدارس .. نقص فادح في المرافق التربوية كتجهيزات المختبرات والمكتبات والصالات الرياضية التي تجعل المدرسة شعلة من النشاط .. ومع ذلك كله .. مع كل هذه الاخفاقات الهائلة لوزارة التربية والتعليم في أسس التعليم ذاتها .. إلا أنها أهملت ذلك كله وذهبت توقد المعارك المجتمعية عبر (إدخال النساء في مدارس البنين)!

صارت وزارة التربية والتعليم كطبيب شعبي رأى يداً كسيرة فبدلاً من أن يعالجها جعلها كسراً مضاعفاً ! ياللسخرية .. وزارة المدارس المستأجرة تبدأ حلولها بإدخال النساء في مدارس البنين!

كنت أسمع بعض المهتمين يقولون “الوزارة نايمة” .. وصرت أقول الآن ياليتها كانت نائمة.. ولكن العين التي تنفع الناس نائمة .. وعين الاختلاط مستيقظة مرابِطة!

قدِّم لوزارة التربية والتعليم أي مشروع خدمي ينفع المدارس أو العملية التعليمية وستجد مشروعك راقداً بين أكوام المشروعات المماثلة في أدراج مسؤوليها .. وقدم بالمقابل أي مشروع يدفع باتجاه نهش شئ من جسد الفضيلة وستجدك غداً مدعوا لاجتماع وقور مع معالي الوزير!

وزارة أهملت أزمات تمس أسس العملية التعليمية ذاتها .. هل تريدنا أن نصدق أنها انطلقت في قضية لاتمثل أزمة من “دراساااات علمية” حرصاً على التعليم؟! هل وصل المجتمع إلى هذا المستوى من السذاجة ليصدق فكرة الانطلاق من دراسات حرصاً على التعليم؟ حين ترى مقاولاً يهمل أعمدة المبنى ويحرص على وضع صوتيات الموسيقى داخل الغرف .. فهل تريدنا أن نصدق أنه حريص فعلاً على راحة الساكنين وسلامتهم؟!

منذ عدة عقود مضت أخذت تتزايد أعداد المعلمات في الصفوف الدنيا في بريطانيا، حتى أصبحت الصورة النمطية أن الصفوف الدنيا تناسب المعلمات، وكان هذا التوجه متوازياً تاريخياً مع أوج ضغوط الحركات النسوية، وخصوصاً بعد الستينات وهي النقطة التاريخية التي يرى المؤرخون الغربيون أنها المفصل الزمني الحاسم في أكثر التغيرات الاجتماعية الغربية وخصوصاً مايتعلق بوضع المرأة من لباس وعمل وعلاقات الاقتران.

وفي السنوات الأخيرة ظهرت عدة أبحاث تدرس (آثار غياب المعلم الرجل على شخصية الطالب في الصفوف الدنيا في بريطانيا) وكانت المسألة محل جدل، لكن كثيراً من هذه الأبحاث أظهرت خطر هذه الظاهرة، وحاجة الطالب الذكر إلى المعلم الرجل، وكانت هذه الأبحاث تدور حول بناء الثقة لدى الطالب، وحتى تستطيع البيئة التعليمية أن تقدم قدوة (Role model) تتناسب مع شخصية الطالب الذكر، وأشارت الدراسات إلى مفهوم ثقافة الرجل (Lad culture) وعلاقة مثل هذه الأجواء النسوية بها.

المهم في القضية أن المؤسسة الرسمية المعنية في بريطانيا وهي وكالة التطوير والتدريب للمدارس (TDA) استندت إلى هذه الأبحاث واتخذت قراراً بزيادة أعداد المدرسين الرجال لاستنقاذ التكوين التربوي للصبيان في الصفوف الدنيا (نقلت الوكالة خلاصة هذه الدراسات في موقعها الرسمي على الشبكة (www.tda.gov.uk) فيمكن مراجعتها من هناك).

وفي أواسط العام الماضي 2009 أطلقت الوكالة ذاتها (TDA) حملة فعاليات في المدارس البريطانية لتشجيع وإقناع المدرسين الذكور للتعليم في الصفوف الدنيا، وفي شهر يوليو تحديداً من العام 2009 تصور الكاتبة “آسثانا” هذه الحملة التي تقودها وكالة (TDA) الرسمية بقولها: (الدفع الأضخم لزيادة أعداد المعلمين الذكور في الصفوف الأولية تم إطلاقه هذا الأسبوع في محاولة للتغلب على الشح الحاد في المعلمين الذكور الذي يقول الخبراء أنه يؤثر على الصبيان. المئات من الرجال سيحضرون الفعاليات في المدارس حيث يتواجد المدراء والوكلاء والمدرسون لإقناعهم بالعمل في هذه المهنة) [Guardian,12Jul2009]

ومن شدة عناية وكالة التطوير والتدريب البريطانية (TDA) بهذه القضية صارت تهاجم من قبل الناشطين في الحركات النسوية والمعارضين لهذه التوجهات، حتى أن الرئيس التنفيذي للوكالة المشار إليها وهو “جراهام هولي” أظهر انزعاجه من ذلك وقال (كلما تحدثت عن حاجتنا لزيادة أعداد المدرسين الذكور في الصفوف الأولية تقول الاتحادات عني أنني أصبحت ضد المرأة!) [Guardian,12Jul2009]

وتنقل الكاتبة المهتمة بشؤون التعليم “ليبست” عن البعض قولهم (إن نقص المعلمين الذكور في الصفوف الأولية يعني أنه لن يكون لديهم تواصل منتظم بالرجال حتى سن الحادية عشرة!) [Guardian,23Mar2009]

وهذا بدهي أصلاً لايحتاج لكبير دراسات، فإن المدرس الذكر يملك خبرات يحتاجها الطالب الذكر لاتملكها المعلمة المرأة ولاتستطيع إيصالها، والاستهتار بخبرات الرجال وتربية الأجيال عليها يعكس سطحية خطيرة.

وبعيداً عن إدراك كثير من الغربيين –وإن كان إدراكاً متأخراً- لخطورة فصل الفتيان عن الرجال، فإن فقهاءنا رحمهم الله حين كتبوا عن التعليم وآدابه نبهوا على كثير من المسائل ذات الصلة، وتكلموا عن أهمية تربية الفتى بين الرجال ليكتسب من شخصياتهم، بل ونبهوا على أهمية فصل الفتيان عن الفتيات في التعليم حتى وهم صغار مراعاة لذلك، فهذا الإمام المشهور سحنون (ت256هـ) كتب رسالة تربوية عن أحكام التعليم وقال فيها (وأكره للمعلم أن يعلم الجواري ويخلطهن مع الغلمان، لأن ذلك فساد لهم) [آداب المعلمين، الإمام سحنون، ت.أحمد الأهواني، دار المعارف، ص263]

وهذا العلامة القابسي(ت403هـ) فقيه القيروان كتب رسالة تربوية –أيضاً- حول التعليم ونبّه على هذه القضية فقال في طريقة تعليم الصبيان: (ومن صلاحهم، ومن حسن النظر لهم؛ أن لايخلط بين الذكران ولإناث) [الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلِّمين، لأبي الحسن القابسي، ت أحمد خالد، الشركة التونسية للتوزيع، ص131]

والحقيقة أنني حين أتذكر مصيبة كثير من المعلمين العاطلين الذين لم يجدوا وظيفة، ثم أقارنها بهذا القرار التعيس الذي سيزيد حرمانهم فإنني أتحسر على أن تخطط أمورنا المدنية بهذا الشكل .. آلاف من الشباب الآن -وهم أرباب الأسر- المتخرجين بشهادات معلمين لايجدون وظائف.. ثم يأتينا هذا القرار!

هذا التوجه لوزارة التربية والتعليم لايصب في مصلحة تخفيف البطالة بل يصب الكيروسين على نيران البطالة .. بدلاً من أن يفتح للشاب وظيفة جديدة راح يغلق وظائف موجودة!

بدلاً من أن يوظف رب الأسرة ذهب يوظف زوجته ويحرم زوجها من وظيفته!

ومن شبهاتهم التي يتذرعون بها قولهم (إن هذا فيه توظيف للمرأة)، والحقيقة أن توظيف المراة يكون بخلق فرص وظيفية مناسبة لها، وليس باجتياح وظائف الشباب المسكين الذي يعاني هو الآخر من البطالة! هذا كمن رأى رجلاً فقيراً فراح يتصدق عليه بالأخذ من رصيد مفلس أسوأ منه حالاً!

ومن شبهاتهم التي يتذرعون بها قولهم (نريد رقة في تعليم الصبيان) وكأننا نعاني من ازدياد الرجولة في صبياننا؟! وكأن الجيل الجديد يتفجر فروسية وفتوة! بالله عليك خذ جولة في المجلات الشعرية المصورة، وكثيراً من ضيوف الفضائيات، واشمئز بقدر ماتستطيع من ظاهرة التأنث في الحديث، والتمايل والأصوات الناعسة، والصور المستلقية على أحد جانبيها، بل وخصلات الشعر التي صار يلقيها بعض الرجال على أحد عينيه!

نحن في عصر استنوق فيه الجمل وهؤلاء يقولون نريد رقة نسائية في تعليم أبنائنا .. نحن لانريد رقة، فقد أصيب أبناؤنا بأمراضها .. بل نريد ثقافة رجولية يفهم فيها الفتى معنى المسؤولية والصمود والغيرة والحمية بمعناها اللائق به..

بدلاً من أن يكون الفتى في ذروة سنوات التربية يرى اللحية والشماغ والثوب ويردد قال الأستاذ وحكى لنا الأستاذ، ويقف أمام أستاذه رجلاً لرجل .. يأتيك طفلك غداً لايرى إلا تنورة وأسورة وقلائد وقروط وروجاً وقصات شعر نسوية ويردد قالت الأبلة وحكت لنا الأبلة، ويقف أمام أبلته بكيان مختلف عن كيانها، لايدري وهو يشعر بغربته بينهن أين مساره؟!

ومن شبهاتهم التي يتذرعون بها قولهم (حتى نحمي طلاب الصفوف الدنيا من التحرش من طلاب الصفوف العليا)! والحقيقة أنني حين أسمع مثل هذا الاحتجاج لا أستطيع كظم استيائي من حجم التمثيل البارد .. فهؤلاء الذين يسعون ليل نهار لاقرار الاختلاط في التعليم والعمل هل يمكن أن يكونوا مهجوسين أصلاً بقضية التحرش؟! لكن دعنا نفترض أن هذه حجة يعتقد بعض المحايدين صحتها –لنفترض ذلك جدلاً- فالحل هو فصل المرحلتين عن بعضهما، مع بقاء الرجال في تدريس المراحل الدنيا، هل يمكن لعاقل يحترم عقله أن يصدق أن تأنيث معلمي الصفوف الدنيا مقصوده حماية الطلاب من تحرش الصفوف العليا، ماصلة الحل بالمشكلة بالله عليكم؟! هذا كمن رأى طفلين يتشاجران في غرفة فوضع أحدهما في بيت الجيران! هذا نموذج للحل الذي لاصلة له بالمشكلة!

ثم افترض أن أحد الطلاب رسب في بعض سنواته الأولى لأي ظرف مرّ به، ثم صار في الصف الرابع وقد صار كبيراً، فهل سيقى بين المعلمات؟ أم سيكون له وضع خاص؟ هذه مشكلة القرارات التي تبحث عن استعراض أمام الأمريكان أكثر من مراعاة مصلحة البلد.

ما أعظم جريرة الوزارة في هذا القرار الغاشم.. أما الإعلاميين الذين شاركو معكم في هذا القرار البشع فوالله لن يفلتو من ضمير الأمة.. وستبقى سبة وعاراً في جبينكم الى يوم الدين.. قناة استبشرنا بإسلاميتها فإذا بها تبرم العقود الخلفية المتعفنة لترويج القرارات الفاشلة.. وتسعى لتطبيع الموقف الاجتماعي من شخصيات تصف أحاديث رسول الله بالوحشية.. وتروج لبعض المعتوهين الذين يسبون صراحة مفهوم (القتال) في القرآن ويرونه تخلفاً وبدائية، مفهوم (القتال) القطعي في القرآن يسب جهاراً نهاراً في أرض الحرمين فهل بعد هذا زندقة؟ بل ويسمونه في الحلقة مفكر اسلامي! أي تدليس أكثر من ذلك؟ كنا نظنها دليلاً الى الحق فإذا بها دليلٌ إلى الشبهات ..

على أية حال .. سيسهم في إنجاح المشروع فريقان من الناس: فريق (الترويج الليبرالي) وهو الذي ينشط فيه الاعلاميون الليبراليون.. والفريق الثاني هو فريق (التخذيل الإسلامي) وهم مجموعة من المنتسبين للعلوم الشرعية دأبوا في كل منكر أو ذريعة للمنكر أن يخرجو على الناس ويرددو مقطوعتهم المستهلكة: لماذا تضخمون الأمور، القضية أبسط من ذلك، يجب أن نعالج الأمور بالحوار والهدوء، ولاداعي للصراخ، ويجب أن نعتني بحاجات الناس الفعلية..الخ وكأن النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا خطب لم يكن يغضب حتى كأنه منذر جيش كما في صحيح مسلم (كان رسول الله إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم) [صحيح مسلم2042] فأين هذا من برود فريق التخذيل الإسلامي؟!

وأما قولهم (يجب أن نعتني بحاجات الناس) فهل الفضيلة وسد ذرائع انتهاكها والتفطن لمخططات الليبراليين ليست من احتياجات المسلمين الماسة!

وأما قولهم (لاداعي لتضخيم الأمور) فالحقيقة أن من تأمل ثناء الصحافة الأمريكية على الإدارة الحالية لوزارة التربية والتعليم، ومن تأمل عدداً من القرارات التي غدر بها الفقهاء فلما أجازوها إذا بها مطية لغيرها؛ علم أن هذا الشك والارتياب هو مقتضى العقل والفطنة، وأن ضده ماهو إلا دس للرأس في الرمال..

والله ليسألنكم الله عن فتيان أنثتمو تربيتهم .. والله ليسألن الله كل من بارك هذه الخطوة وهو يعلم أنها خطوة لغيرها، خصوصاً وهو يعلم أن الله تعالى قال في أربعة مواضع من كتابه في البقرة مرتين وفي الأنعام والنور (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ).. والله ليسألنكم الله عن شاب تخرج بشهادة معلم ينتظر الفرج فإذا بكم تغدرون به ذات صباح وزدتم حرمانه وحرمان أسرته لأنكم أردتم أن تقول الصحافة الأمريكية عنكم إنكم أناس راقون متقدمون!

والله أعلم،،

ابوعمر

جمادى الثانية 1431هـ

من مجموعة عبد العزيز قاسم

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية − ثلاثة =