الساعة الخامسة و السابعة صباحا – ابراهيم السكران

ibrahim alsakran 3
الساعة الخامسة و السابعة صباحا – ابراهيم السكران, مقالات ابراهيم السكران, المقالات,
الساعة الخامسة و السابعة صباحا – ابراهيم السكران

ثمة مشهد لا أمل من التأمل فيه ، و لا أمل من حكايته لأصحابي وإخواني ،
هو ليس مشهداً طريفاً ، بل والله إنه يصيبني بالذعر حين أتذكره ، جوهر هذا المشهد هو
بكل اختصار ” المقارنة بين الساعتين الخامسة و السابعة صباحاً ” في مدينتي الرياض
التي أعيش فيها ، أقارن تفاوت الحالة الشعبية بين هاتين اللحظتين اللتين لايفصل بينهما
إلا زهاء مائة دقيقة فقط ..

في الساعة الخامسة صباحاً ، و التي تسبق تقريباً خروج صلاة الفجر عن وقتها
تجد طائفة موفقة من الناس توضأت و استقبلت بيوت الله تتهادى بسكينه لأداء صلاة الفجر ،
إما تسبح و إما تستاك في طريقها ريثما تكبر ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ) ..
بينما أمم من المسلمين أضعاف هؤلاء لايزالون في فرشهم ، بل و بعض البيوت تجد
الأم و الأب يصلون و يدعون فتيان المنزل و فتياته في سباتهم ..

حسناً .. انتهينا الآن من مشهد الساعة الخامسة .. ضعها في ذهنك
و لننتقل لمشهد الساعة السابعة .. ما إن تأتي الساعة السابعة – و التي يكون
وقت صلاة الفجر قد خرج – و بدأ وقت الدراسة و الدوام .. إلا و تتحول الرياض
و كأنما أطلقت في البيوت صافرات الإنذار .. حركة موارة .. و طرقات تتدافع ..
و متاجر يرتطم الناس فيها داخلين خارجين يستدركون حاجيات فاتتهم من البارحة ..
و مقاهي تغص بطابور المنتظرين يريدون قهوة الصباح قبل العمل ..

أعرف كثيراً من الآباء و الأمهات يودون أن أولادهم لو صلوا الفجر في وقتها ، يودون فقط ،
بمعنى لو لم يؤدها أبناؤهم فلن يتغير شئ ، لكن لو تأخر الابن ” دقائق ” فقط ،
نعم أنا صادق دقائق فقط عن موعد الذهاب لمدرسته فإن شوطاً من التوتر و الانفعال
يصيب رأس والديه ..
و ربما وجدت أنفاسهم الثائرة و هم واقفون على فراشه يصرخون فيه بكل ما أوتو
من الألفاظ المؤثرة لينهض لمدرسته ..

هل هناك عيب أن يهتم الناس بأرزاقهم ؟ هل هناك عيب بأن يهتم الناس بحصول أبنائهم
على شهادات يتوظفون على أساسها ؟ لا .. طبعاً ، بل هذا شئ محمود ، و من العيب
أن يبقى الإنسان عالة على غيره ..

لكن هل يمكن أن يكون الدوام و الشهادات أعظم في قلب الإنسان من الصلاة ؟
لاحظ معي أرجوك : أنا لا أتكلم الآن عن ” صلاة الجماعة ” و التي هناك خلاف في وجوبها
( مع أن الراجح هو الوجوب قطعاً ) ، لا.. أنا أتكلم عن مسألة لا خلاف فيها عند أمة محمد
طوال خمسة عشر قرناً ، لايوجد عالم واحد من علماء المسلمين يجيز إخراج الصلاة عن وقتها ،
بل كل علماء المسلمين يعدون إخراج الصلاة عن وقتها من أعظم الكبائر ..
بالله عليك .. أعد التأمل في حال أولئك الوالدين اللذين يلقون كلمة عابرة على ولدهم
وقت صلاة الفجر ” فلان قم صل الله يهديك ” و يمضون لحال شأنهم ، لكن حين يأتي
وقت ” المدرسة و الدوام ” تتحول العبارات إلى غضب مزمجر و قلق منفعل
لو حصل و تأخر عن مدرسته و دوامه ..

بل هل تعلم يا أخي الكريم أن أحد الموظفين – و هو طبيب و مثقف –
قال لي مرة : إنه منذ أكثر من عشر سنوات لم يصل الفجر إلا مع وقت الدوام ..
يقولها بكل استرخاء .. مطبِق على إخراج صلاة الفجر عن وقتها منذ مايزيد عن
عشر سنوات ..

و قال لي مرة أحد الأقارب إنهم في استراحتهم التي يجتمعون فيها ،
و فيها ثلة من الأصدقاء من الموظفين من طبقة متعلمة ، قال لي : إننا قمنا مرة
بمكاشفة من فينا الذي يصلي الفجر في وقتها ؟
فلم نجد بيننا إلا واحداً من الأصدقاء قال لهم إن زوجته كانت تقف وارءه بالمرصاد
( هل تصدق أنني لازلت أدعوا لزوجته تلك ) ..
يا الله .. هل صارت المدرسة – التي هي طريق الشهادة – أعظم في قلوبنا
من عمود الإسلام ؟!

هل صار وقت الدوام – الذي سيؤثر على نظرة رئيسنا لنا – أعظم في نفوسنا
من ركن يترتب عليه الخروج من الإسلام ؟

هذه المقارنة الأليمة بين الساعة الخامسة و السابعة صباحاً هي أكثر صورة محرجة
تكشف لنا كيف صارت الدنيا في نفوسنا أعظم من ديننا ..

بل و انظر إلى ماهو أعجب من ذلك .. فكثير من الناس الذي يخرج صلاة الفجر
عن وقتها إذا تأخر في دوامه بما يؤثر على وضعه المادي يحصل له من الحسرة في قلبه
بما يفوق مايجده من تأنيب الضمير إذا أخرج الصلاة عن وقتها ..

كلما تذكرت كارثة الساعة الخامسة و السابعة صباحاً ، و أحسست بشغفنا بالدنيا
و انهماكنا بها بما يفوق حرصنا على الله ورسوله والدار الآخرة ؛ شعرت و كأن تالياً يتلوا
علي من بعيد قوله تعالى في سورة التوبة :

( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا
وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ
فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ )

ماذا بقي من شأن الدنيا لم تشمله هذه الآية العظيمة ؟!

هل بلغنا هذه الحال التي تصفها هذه الآية ؟! ألم تصبح الأموال التي نقترفها
والتجارة التي نخشى كسادها أعظم في نفوسنا من الله و رسوله و الدار الآخرة ؟!
كيف لم يعد يشوقنا وعد ربنا لنا في سورة النحل إذ يقول ( مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ )
أخي الغالي .. حين تتذكر شخير الساعة الخامسة صباحاً ، في مقابل هدير السابعة صباحاً ،
فأخبرني هل تستطيع أن تمنع ذهنك من أن يتذكر قوله تعالى في سورة الأعلى
( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) ..

قال لي أحد أهل الأهواء مرة ” المشايخ يمارسون التهويل في تصوير الخلل الديني
في مجتمعنا ، و لو ركزوا على الكبائر لعلموا أن أمورنا الدينية جيدة ،
و المشكلة عندنا في دنيا المسلمين فقط “

يا الله .. كلما وضعت عبارته هذه على كفة ، و وضعت الساعتين الخامسة و السابعة
صباحاً على كفة ، طاشت السجلات ، و صارت عبارته من أتفه الدعاوى ..
المقارنة بين مشهدي الساعة الخامسة و السابعة صباحاً هي أهم مفتاح لمن يريد
أن يعرف منزلة الدنيا في قلوبنا مقارنة بدين الله .. لا أتحدث عن إسبال و لا لحية
و لا غناء ( برغم أنها مسائل مهمة ) أتحدث الآن عن رأس شعائر الإسلام ..
إنها ” الصلاة ” .. التي قبضت روح رسول الله و هو يوصي بها أمته و يكرر
” الصلاة .. الصلاة ” وكان ذلك آخر كلام رسول الله كما يقول الصحابي راوي الحديث..

بل هل تدري أين ماهو أطم من ذلك كله ، أن كثيراً من أهل الأهواء الفكرية
يرون الحديث عن الصلاة هو شغلة الوعاظ و الدراويش و البسطاء !
أما المرتبة الرفيعة عندهم فهي مايسمونه ” السجال الفكري ، و الحراك الفكري “
و هي ترهات آراء يتداولونها مع أكواب اللاتيه .. يسمون الشبهات و تحريف
النصوص الشرعية و التطاول على أئمة أهل السنة ” حراك فكري ” !
الصلاة التي عظمها الله في كتابه و ذكرها في بضعة و تسعين موضعاً تصبح
شيئاً هامشياً ثانوياً في الخطاب النهضوي و الإصلاحي ..
ألا لا أنجح الله نهضة و إصلاحاً تجعل الصلاة في ذيل الأولويات ..

المهم .. لنعد لموضوعنا .. فمن أراد أن يعرف منزلة الدنيا في القلوب مقارنة بدين الله
فلا عليه أن يقرأ النظريات و الكتابات و الأطروحات ..
عليه فقط أن يقارن بين الساعتين ” الخامسة و السابعة صباحاً ” و سيفهم بالضبط كيف
صارت الدنيا أعظم في نفوسنا من الله جل جلاله ..
و تأمل يا أخي الكريم في قوله تعالى ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ
وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) ..

بل تأمل في العقوبة التي ذكرها جماهير فقهاء المسلمين لمن أخرج الصلاة
عن وقتها حيث يصور هذا المذهب الإمام ابن تيمية فيقول :
( وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أقوام يؤخرون صلاة الليل إلى النهار ،
لأشغال لهم من زرع أو حرث أو جنابة أو خدمة أستاذ ، أو غير ذلك ،
فهل يجوز لهم ذلك ؟ فأجاب : لا يجوز لأحد أن يؤخر صلاة النهار إلى الليل ،
و لا يؤخر صلاة الليل إلى النهار لشغل من الأشغال ، لا لحصد ،
و لا لحرث ، و لا لصناعة ، و لا لجنابة ، و لا لخدمة أستاذ , و لا غير ذلك ؛
و من أخرها لصناعة أو صيد أو خدمة أستاذ أو غير ذلك حتى تغيب الشمس
وجبت عقوبته ، بل يجب قتله عند جمهور العلماء بعد أن يستتاب ،
فإن تاب و التزم أن يصلي في الوقت ألزم بذلك ، وإن قال : لا أصلي
إلا بعد غروب الشمس لاشتغاله بالصناعة و الصيد أو غير ذلك ، فإنه يقتل )
[ الفتاوى ، 22/28]

عزيزي القارئ .. هل لا زال هناك من يقول أن ” مشكلتنا هي أننا عظمنا الدين
و أهملنا دنيا المسلمين ” .. بل هل قائل هذا الكلام جاد ؟! و أي دين بعد عمود الإسلام ؟!
حين تجد شخصاً من المنتسبين للتيارات الفكرية الحديثة يقول لك
( مشكلة المسلمين في دنياهم لا في دينهم ) فقل له فقط : قارن بين الساعة الخامسة
و السابعة صباحاً و ستعرف الحقيقة ..

أبو عمر – إبراهيم السكران
صفر 1431هـ

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 + إحدى عشر =