أيهما أحفظ للشريعة : أن تكون مرهونة بالحاكم الفرد أم بإرادة الشعب ؟

  • بندر الشويقي

    بسم الله ،،، والحمدلله.
    وخير الكلام ما بدئ بذكر الله.

    أخي عبدالله ،،، أعدت فجر هذا اليوم قراءة هذه المباحثة من أولها … فوجدت منحى الجدل يتصاعد بصورة سوف تفسده ، إن لم تكن أفسدته بالفعل. ولن أبرئ نفسي من الإسهام في ذلك. ولعل من الخير لي ولك التوقف عند هذا الحد وتأجيل البحث إلى وقت آخر. وإن كنت أتمنى لو أتيح المجال لتحرير المسألة بطريقة أفضل، من أجل الانتقال إلى التنزيل على الواقع.

    ولتعلم –أخي- أني أفكر جدياً منذ أشهر في المرور بك وزيارتك ببيتك. ولن أجاملك حين أقول: إني بعد لقائنا العابر، لمست معدنك الطيب الذي يغري ويشجع على المزيد من التواصل. ولولا عارض بات يحبسني عن كثرة السفر والتنقل، لأمضيت هذه العزيمة ،،، ولعل الله ييسر ذلك قريباً.

    وفي خاتمة هذه المجاذبات ، دعني ألخص لك وجهة نظري في نقاط، آمل أن تقرأها بروية في هذا اليوم المبارك، أو في أي وقت آخر بعد زوال الضغط النفسي لأجواء الجدل.

    – – – – – – – – – – – – –

    أولاً أخي الكريم:

    -مسألة حق المسلمين في اختيار من يحكمهم ليست محل خلافنا. بل لا أعرف أحداً يجادل في هذا أو ينكره من حيث الأصل. وأخوك يؤمن أن تلك المسألة من مسائل الإجماع الظاهر التي لا يجادل فيها إلا جاهل أو معاند أو (حاكم مستبد)، أو ذيل حاكم.

    -ثانياً: حق المسلمين لا ينتهي عند اختيار من يحكمهم، بل من المفترض أنه يمتد لممارسة الرقابة عليه في تطبيقه لشرع الله، ولهم –إن قدروا- حق خلعه عن منصبه، بل وخلعه عن الحياة الدنيا متى نبذ شريعة الإسلام وراء ظهره واختار الكفر الصراح.

    -ثالثاً: هذا كله من حيث الأصل. بعيداً عن تعقيدات الواقع الذي فرض وضعاً آخر يتعامل معه وفق حسابات المصالح الشرعية لأهل الإسلام.

    -رابعاً: إن كنت تعني بسؤالك حق التولية والعزل إجمالاً، وكان هذا معنى قولك: (إن الشعب هو الحافظ للشريعة، وهو الذي يملك حق تطبيقها)، فخذ توقيع أخيك على ذلك…فليس هذا مما يختلف فيه الناس اليوم. بل السؤال عنه بمنزلة السؤال عن حكم الصلاة والصيام.

    -خامساً: إن كان هذا معنى سؤالك، فمن الخطأ البالغ التعبير عن تلك المفاهيم بأن الشعب هو (من يختار الشريعة مرجعية عليا للدولة المسلمة). ففي الدولة المسلمة يفترض أن الحاكم يمارس دوراً تنفيذياً في الحكم بالشريعة، والناس يمارسون دوراً رقابياً عليه. والذي يمارس دوراً رقابياً لا يصلح أن يقال: إنه هو من يختار الشريعة مرجعية للدولة. فالناس في الدولة المسلمة يمارسون دوراً رقابياً على تطبيق خيار مفروغ منه يفترض ألا يخرج عنه حاكمهم.

    يتبع…..

  • بندر الشويقي

    -سادساً: حين تسأل (من الذي يملك الصلاحية)، و(من الذي يملك الحق) في اختيار الشريعة مرجعية للدولة المسلمة (الشعب/ أو الحاكم)؟ فأنت في سؤالك هذا تقرر ضمنياً مقدمة تقول: إن ثمة معادلة لها طرفان (شعب)، و(حاكم). وأن أحد هذين الطرفين له صلاحية ملزمة للطرف الآخر. فمتى اختار صاحب الصلاحية الحكم بالشريعة، فعلى الطرف الآخر أن يذعن وينفذ. ومتى اختار نبذ الشريعة فعلى الطرف الآخر –أيضاً- أن يذعن وينفذ. إذ من البدهي أن الذي يملك صلاحية الاختيار يفترض أن بيده صلاحية الرفض والقبول. وإلا لم يكن هناك معنى للحديث عن (الاختيار).

    -سابعاً: حين تقول (إن مرجعية الشريعة للدولة مسلَّمة إيمانية مفروغ منها)، ثم ترجع لتسأل: (من الذي يملك حق اختيار الشريعة مرجعية للدولة المسلمة)، فأنت هنا تقع في تناقض ظاهر. فهذه المسلمة الإيمانية مادة دستورية لها صفة الإلزام القانوني، وليست قناعة إيمانية قلبية مجردة. فلا يسوغ القولُ بأن جهة ما تملك صلاحية اختيار الشريعة مرجعية عليا للدولة، إلا إذا كانت تلك الجهة نفسها تملك حق اختيار شريعة أخرى.

    -ثامناً: نعم يسوغ لك السؤال: عمن يملك حق القضاء بالشريعة بين الناس، ومن الذي يملك تنفيذ الأحكام القضائية بين الناس، فهذا هو معنى تطبيق الشريعة. ففي هذا المقام يصلح أن يقال: إن الشريعة ليست كائنات حية، وأنها تحتاج إلى بشر يطبقونها على الأرض. أما عند الحديث عن اختيار مرجعية عليا ومهيمنة، فشريعة الإسلام ليست بحاجة لأن تكون كائناً حياً كي تصبح مرجعية ملزمة للدولة المسلمة. فالذي يختار هنا ليس الشعب، ولا الحاكم، ولا كائنات فضائية. وإنما هو الواحد القهار الذي اختار لنا فقال: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).

    يتبع ….

  • بندر الشويقي

    تاسعاً: حتى تتضح الصورة أكثر: تفكر في هذا السؤال:

    فأنت تقرر أن الشعب هو من يملك حق اختيار الشريعة مرجعية للدولة. فلو سألتك: هل يملك الشعب (حق رفض مرجعية الشريعة)؟…

    لا تقل لي: لن يرفض الشعب المسلم ذلك. فأنا أحدثك نظرياً وقانونياً…هل يملك…… الشعب الحق في رفض مرجعية الشرع؟؟ فإن كان لا يملك حق الرفض، فمعنى هذا أنه لا يملك حق الاختيار أصلاً.

    وحتى يسهل عليك تصور ذلك:
    انقل نفسك للقرن الأول، وتخيل نفسك تعيش بداية عصر أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)، حين ارتدت العرب ولم يثبت على الإسلام إلا الأقلية (المدينة، مكة، بعض البحرين).

    فسواء قلنا: إن الصديق قاتلهم لردتهم، أو لتمردهم على الدولة. فلو خضعوا لسلطان دولة أبي بكر، لكن رفضوا أن يحكمهم الصديق بشريعة الإسلامِ…هل لهم الحق في المطالبة بذلك؟

    وهل يملكون مثل هذه الصلاحية باعتبارهم أكثرية؟

    وهل على الصديق أن يطيعهم باعتباره صار ممثلاً للأقلية، فيترك حكمهم بالشريعة، ويتوجه لدعوتهم وتثقيفهم حتى يتحصل على أكثرية مؤيدةٍ، أو أن واجبه مادام قادراً أن يلزمهم بالخضوع لحكم شريعة الإسلام؟

    …………………….

    -عاشراً: بالنسبة لقصة اتهامك بالعلمانية، فكلامي -عافاك الله- لم يكن مطلقاً، بل كان عن خصوص مسلكك في التعامل مع القوانين والتشريعات. فالذي قلته إن سؤالك: لا يصدر إلا عن عقل وقلب تشرب المسلك العلماني في التعامل مع التشريعات والقوانين.

    فإن كانت هذه العبارة آذتك وجرحتك –ولا بد أن تكون كذلك-، فالتمس لأخيك عذره، فهو إنما يعبر عن قناعة علمية لا بد من ذكرها، وليس المقام هنا مقام سباب أو شتائم مجردة. واعتبر هذا من جنس قول المصطفى (صلى الله عليه وسلم) لأبي ذر: (إنك امرؤ فيك جاهلية).

    النهج العلماني –أيها الحبيب- يفترض أن القوانين والتشريعات لا يجوز أن تكتسب صفة اللزوم لمجرد استنادها إلى مصدر إلهي مهيمن. بل لا بد قبل ذلك أن يقرها بشرٌ (فرداً كان أو جماعةً). فالقانون والتشريع في الدولة العلمانية يكتسب شرعيته من إقرار الدولة له. أما في الدولة المسلمة، فشرعية الدولة معلقة بالتزامها بشريعة الإسلام، وليس العكس.

    فارجع الآن لسؤالك: (من الذي يملك الحق في تحديد الشريعة الإسلامية مرجعية للدولة؟).

    انظر لسؤالك هذا، ثم أخبرني من أي القاعدتين ينطلق، وعلي أي التصورين بني. عندها ستفهم معنى كونه سؤالاً لا يصدر إلا من عقل وقلب تشرب المسلك العلماني في التعاطي مع التشريعات.

    أما قصة العبرة والعظة، فلكي تعلم ويعلم طالبو الحق أن القصة ليس قصة (إصلاحيين) و(محافظين)…بل القصة قصة مفاهيم وانحرافات تسربت للعقول والقلوب على غفلة من أهلها. فصارت تلك المفاهيم المنحرفة تحمل شعار (إصلاح!).

    وفي الختام ، أسأل الله أن يبصرنا جميعاً بمواقع رضاه ، وأن يجنبنا مواضع سخطه ، وأن يكفينا شر أنفسنا ، ويهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه.

    وآمل من أخي عبدالله المعذرة إن كان في أي من تعليقاتي تجاوزاً في حقه.

    وأستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

19 − 18 =