المقررات الدراسية الدينية أين الخلل ؟

(تلك بعض آثار الإيمان بالغيب، ولا تتخلف إلا بضعف الإيمان، وإذا تخلفت أصبح المجتمع حيوانيًّا..) [6].

ويقول أيضاً مؤكداً هذه الصورة:

(صارت القوة المادية وسيلة دمار وانحدار، كما هو المشاهد اليوم في الدول الكافرة، التي تملك مادة ولا تملك عقيدة صحيحة) [7].

وهذه المبالغة تربك الطالب أكثر مما تسهم في تعميق إيمانه، ذلك أن ما يشاهده في الواقع هو أن الإمكانيات التي تمتلكها القوى الكبرى تمنحها المزيد من الاستقرار وفرص بسط النفوذ لا العكس كما يوهم المقرر.

ومن أخطر مراحل التوتر أن يصل التصعيد الديني إلى مستوى التحريض والاستعداء على المسالمين الذين عاملونا على أساس الثقة، وذلك لما تعرض المقرر لقضية السفر للبلاد غير الإسلامية ذكر من أنواع السفر: السفر للدارسة أو التجارة أو العلاج أو الدعوة، ولكنه للأسف جعل من شروط الإقامة كما يقول:

(ويشترط لجواز الإقامة شرطان.. وأن يكون مضمراً لعداوة الكافرين وبغضهم) [8].

ويقول: (أن يقيم للدراسة، وهو أخطر، لكون الطالب يشعر بدنو منزلته، فقد يحصل من تعظيمه للكفار والاقتناع بآرائهم، ويشعر بحاجته إليهم، ولا سيما إلى معلمه، فقد يتودد إليه ويداهنه في ضلاله وانحرافه، وكذلك اتخاذهم أصدقاء يحبهم ويتولاهم) [9].

فأي أخلاق إسلامية يقدمها المقرر للطالب في هذا المقام؟!

نذهب إلى الناس لنتعلم منهم، أو نتطبب لديهم، أو نبرم معهم العقود، أو ندعوهم لديننا، بشرط أن نضمر لهم العداوة!

بالرغم من أن القاعدة الشرعية العامة هي أن الحكمة ضالة المؤمن، وليس في الشريعة جنسية جغرافية للمعرفة، فالمفاهيم والمنجزات في التشريع الإسلامي تفرز على أساس موضوعي لا على أساس شخصي، ولذلك تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع ثقافة عصره بشكل إيجابي، وتعاطى مع منتجات الدول الأخرى، وثقافات القوى الكبرى، ولم يكن يدفع باتجاه الانفصال الجذري.

فقد نقل صلى الله عليه وسلم في أحد معاركه بعض التقنيات العسكرية الفارسية متمثلا في تقنية الخندقة الدفاعية.

ونقل بعض تقاليد الاتصالات  الأساسية التي سار عليها رؤساء الدول المجاورة، كما قال أنس: (إن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب إلى كسرى، وقيصر، والنجاشي، فقيل: إنهم لا يقبلون كتاباً إلا بخاتم، فصاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً حلقته من فضة) [10].

كما احترم النبي صلى الله عليه وسلم المواثيق والأعراف الدولية وإن كان لم يوقعها، كعرف الحصانة الدولية للسفراء، كما قال صلى الله عليه وسلم لرسولي مسيلمة: (أما والله لولا أن الرسل لا تُقتل لضربت أعناقكما) [11].

وقد فتحت الشريعة أيضا مساحة مهمة من الأهداف والمصالح المشتركة مع غير المسلمين بشكل لا يتعارض مع قواعد الشريعة، حين يتحقق تبادل مصالح يدعم نمو المجتمع الإسلامي، كما في نماذج متعددة في السيرة الشريفة رغم بساطة الحياة الاجتماعية في عصر الرسالة.

فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة عن بعض الأهداف المشتركة مع غير المسلمين، منها المصالح العسكرية المشتركة التي سيقيمها المسلمون مع غيرهم، فقال: (ستصالحون الروم صلحا آمنا، وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم) [12].

ومنها المصالح الاجتماعية، فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم في أحد المواثيق الحقوقية في الجاهلية والمشهور بـ “حلف المطيبين” [13]، وذلك حين اجتمع بنو هاشم، وبنو زهرة، وتيم، في دار ابن جدعان، وتحالفوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم، فقال صلى الله عليه وسلم لاحقا: (شهدت مع عمومتي حلف المطيبين، فما أحب أن أنكثه وأن لي حُمُرَ النَّعَم) [14].

ومنها المصالح السياسية فقد كان المسلمون وقريش يتابعون الصراع بين الروم الكتابية وفارس الوثنية، فكان المسلمون يعلنون التأييد السياسي للروم باعتبار الاشتراك في الكتاب، بينما كانت قريش تدعم فارس، فاستاء المسلمون لهزيمة الروم، فبشرهم الله بقرب انتصار الروم، قال تعالى: (غُلبت الروم في أدنى الأرض * وهم من بعد غَلَبهم سيغلبون * في بضع سنين * لله الأمر من قبل ومن بعد * ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) [15]، قال ابن عباس: (كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم؛ لأنهم وإياهم أهل أوثان، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس، لأنهم أهل كتاب) [16].

وقد كانت العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري وطيدة، كتبادل التجارة في الأسلحة والأواني والأطعمة ونحوها، ومن نماذج ذلك استيراد المنسوجات أو الحلي، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس جبة طيالسة كسروانية [17]، وكان يصلي في جبة رومية شامية [18]، واتخذ خاتما وجعل فصه حبشيا [19]، وكفن في أثواب يمانية [20].

بل كان صلى الله عليه وسلم يخاطب الصحابة أحيانا ببعض العبارات غير العربية، ولذلك عقد البخاري في صحيحه بابا لتأصيل مشروعية ذلك سماه: (باب من تكلم بالفارسية والرطانة) [21]، وساق فيه مجموعة من الأحاديث يستدل بها على جواز استخدام العبارات غير العربية، منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أهل الخندق، إن جابرا قد صنع [سورا] ، فحيّهلا بكم) [22]، والسور مفردة فارسية تطلق على الوجبة التي تقدم للضيوف [23].

ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبنت خالد بن سعيد لما أتت مع أبيها وعليها قميص أصفر (سنه، سنه) [24]، وهي مفردة حبشية تعني: حسن وجميل [25].

ومنها: (أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بالفارسية: [كخ، كخ] ، أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة؟) [26]، وهي تعبير فارسي يستخدم للزجر[27].

وهناك الكثير من الآثار التي تؤكد أن المسلمين في  العصر النبوي وما بعده لم يكونوا في عزلة عن الثقافات واللغات الحية المعاصرة لهم.

وطال ذلك الاطلاع على الثقافات الدينية الأخرى، كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل معها وفق أسس علمية بلا توجس، فلما تردد بعض الصحابة في جواز النقل عن الثقافة الدينية اليهودية، أزال النبي صلى الله عليه وسلم عنهم هذه الحواجز، وقال: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) [28]، وانعكاسا لهذا التوجيه الشريف ولدت في المجتمع المسلم مظاهر مبكرة للانفتاح الثقافي كما يصور لنا أبو هريرة هذا المشهد: (كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام) [29].

بل يتجاوز الأمر مجرد المرونة الثقافية إلى الاستثمار والتفعيل؛ فقد تراجع النبي صلى الله عليه وسلم عن إحدى الفتاوى الشرعية التي همّ بها بناءً على نتائج التجارب الاجتماعية في الدول الكبرى كما قال صلى الله عليه وسلم: (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم، فلا يضر أولادهم ذلك شيئا)، وفي رواية (حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم) [30].

وكل هذه النصوص تعكس حجم التفاعل الإيجابي بين المجتمع المسلم والحضارات المعاصرة له، وأن المجتمع النبوي لم يكن حلقة معزولة عن أي مؤثرات خارجية، ولم يفرض النبي صلى الله عليه وسلم حول مجتمعه طوقا يوقف حركة المرور الثقافي، ولم يكن عليه الصلاة والسلام يتوجس تجاه أي صورة من صور الاتصال بالآخر ما لم تناقض أصول الشريعة.

ويزداد تأكيد هذا الموقف السلبي في المقررات تجاه الحضارة عبر ضعف حضور القضايا والقيم المدنية من الموضوعات الدينية للمقرر، وسنحاول أن نقرأ هذا الغياب بشكل كمي في إحدى الحالات النموذجية التالية:

يعتبر مقرر الحديث مقررًا عامًّا غير محدد بعلم معين ذلك أن قضايا الفقه والعبادات تُدرس في مقرر الفقه، أما قضايا العقيدة فتدرس في مقرر التوحيد، ويبقى مقرر الحديث مجالاً متاحا لتغطية القضايا العامة، ولذلك سنحاول أن ندرس الموضوعات التي تم انتقاؤها وتغطيتها، ومن ثم تصنيفها بأسلوب كمي، وسنجعل الحالة النموذجية هي مقرر الحديث للمرحلة المتوسطة بكامل سنواتها الثلاث لنلاحظ الآتي*:

الموضوعات

النسبة

– أحاديث العبادات

41%

– أحاديث الأخلاق

35%

– أحاديث العقائد

16%

– أحاديث القضايا المدنية

7%

* تصنيف الموضوعات في مقررات الحديث للمرحلة المتوسطة

وهكذا بدل الاستفادة من مقرر الحديث لتأصيل مشروعية الحركة الاجتماعية وقضايا الحياة العامة، يتم تكرار مواضيع العبادات والعقائد التي خصصت لها مقررات مستقلة، فهناك في كتب الفقه والتوحيد تعرض الأحكام ويعلق عليها بأدلتها، وهاهنا في مقرر الحديث تعرض الأدلة نفسها ويعلق عليها بأحكامها، فمثلاً من المواضيع التي يكررها مقرر الحديث بالرغم من استيفائها في مقرري التوحيد والفقه في تلك المرحلة: الحلف بغير الله [31]، أحكام الخلاء [32]، سنن الوضوء [33]، إسباغ الوضوء [34]، صفة الغسل [35]، آداب المسجد [36]، أحكام السجود [37]، أحكام الجماعة [38]، أحكام المسبوق [39]، ونحو هذه الموضوعات.

وحين ينضاف إلى ذلك ضخ المواقف السلبية تجاه الحياة الدنيا، وجعل ذلك مؤشرا على عمق الإيمان فإن قيمة الحياة المدنية أو الدنيا  تفقد كثيرًا من مقوماتها، كما يقول المقرر: (للإيمان بالغيب آثار كبيرة جدًّا تنعكس على سلوك الإنسان وسيرته في الحياة)

ثم ذكر منها: (احتقار المظاهر الدنيوية) [40].

ولكن ما السبب الذي دفع المقرر إلى تبني هذه الصورة الخاطئة، والتأكيد عليها، بالرغم من انعكاساتها السلبية؟

في الحقيقة أن نصوص المقرر تكشف عن دوافع وخلفيات هذه النتائج، وهو الدافع الأساسي الذي أربك كثيراً من أحكام وتصورات المقرر الديني ألا وهو القلق على العقيدة، والشعور بأن الشباب إن اكتشفوا إبداعات غير المسلمين فسينقلبون على أعقابهم وينسلخون من عقيدتهم، كما يقول المقرر: (الانحراف عن العقيدة الصحيحة، له أسباب تجب معرفتها وعلاجها)

ثم ذكر منها: (الانبهار بمعطيات الحضارة المادية) [41].

ويقول: (.. الانبهار بمعطيات الحضارة المادية، حتى ظنوا أنها من مقدور الإنسان وحده، فصاروا يعظمون الإنسان ويضيفون هذه المعطيات إلى مجهوده واختراعه وحده) [42].

إذن المقرر يعتبر أن الانبهار بالحضارة المادية من أسباب انحراف العقيدة، أما العلاج الذي يمارسه فهو: تجاهل منجزات هذه الحضارة أو جهدها. والحقيقة أن هذا العلاج يزيد الأمر تعقيدا كما سبق، إذ إن احتمال تأثير الانبهار الحضاري على الإيمان إنما يعالج بتنظيم الرؤية الصحيحة، لا بتكريس مشاعر الصدام بين الدين والحضارة!

——————————————————————————–

[1] مقرر التوحيد – الصف الثالث ثانوي – القسم الشرعي (77)

[2] سورة الروم (7)

[3] تفسير ابن كثير (5/78)

[4] مقرر التوحيد – الصف الثالث ثانوي – القسم الشرعي (77)

[5] مقرر التوحيد – الصف الأول ثانوي (10)

[6] مقرر التوحيد – الصف الثاني ثانوي – القسم الشرعي (24)

[7] مقرر التوحيد – الصف الأول ثانوي (10)

[8] مقرر التوحيد – الصف الأول ثانوي (93)

[9] مقرر التوحيد – الصف الأول ثانوي (94)

[10] رواه البخاري (5872)، مسلم (2092)

[11] رواه: أبو داود (2791)، وأحمد (1/391)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5328)

[12] رواه: أبو داود (2767) ، وابن ماجة (4089) ، وقال الألباني: صحيح، صحيح الجامع (3612).

[13] سمي حلف المطيبين بهذا الاسم؛ لأنهم جعلوا طيبا في جفنة وغمسوا أيديهم فيه تأكيدا للميثاق.

[14] رواه: البخاري في الأدب المفرد (567)، وأحمد (1658)، وانظر السلسلة الصحيحة (1900).

[15] سورة الروم (4).

[16] رواه الترمذي (3193)، وانظر الآثار الكثيرة في سياق تلك المرحلة في تفسير ابن كثير، أول سورة الروم.

[17] رواه مسلم (2069).

[18] البخاري (363)، مسلم (274)، الترمذي (1768)، النسائي (123).

[19] رواه مسلم (2094).

[20] رواه: البخاري (1264)، مسلم (941).

[21] البخاري، الجهاد والسير، باب(188).

[22] البخاري (3070).

[23] فتح الباري(6/213) .

[24] البخاري (3071).

[25] فتح الباري (6/212)، النهاية لابن الأثير(2/415).

[26] البخاري (3072).

[27] فتح الباري (6/214).

[28] رواه البخاري (3461).

[29] رواه البخاري (7542).

[30] رواه مسلم: كتاب النكاح، باب جواز الغيلة (1442)، والغيلة: هي وطء المرضع.

[31] مقرر الحديث – الصف الأول متوسط (15).

[32] مقرر الحديث – الصف الأول متوسط (41-50).

[33] مقرر الحديث – الصف الأول متوسط (53).

[34] مقرر الحديث – الصف الأول متوسط (51).

[35] مقرر الحديث ـ الصف الثالث متوسط (24).

[36] مقرر الحديث – الصف الأول متوسط (55).

[37] مقرر الحديث – الصف الأول متوسط (59).

[38] مقرر الحديث – الصف الأول متوسط (63).

[39] مقرر الحديث – الصف الأول متوسط (57).

[40] مقرر التوحيد – الصف الثاني ثانوي – القسم الشرعي (23).

[41] مقرر التوحيد – الصف الأول ثانوي (12).

[42] مقرر التوحيد – الصف الأول ثانوي (13).

المنهج العلمي.. بين الموضوعية والتهويل

إبراهيم السكران – عبد العزيز القاسم

23/03/2004

الخطاب العلمي هو الخطاب الذي يتوخى العدل الشرعي في التقييم والتفسير، عبر رؤية الواقع واستيعابه كما هو، ومحاولة فرز ألوانه، والميل الشديد للتفصيل في موضعه، وتنظيم المعطيات، وإصدار الأحكام الهادئة، التي تحتفظ بهامش من النسبية، ولا يتورط في مجازفات تمليها عليه الإغراءات الكلامية، مع الاحترام المستمر للبرهان، ومحاولة تفهم دوافع المخالف، والبحث عن اعتباراته سواء المعلنة أو الضمنية.

أما الخطاب الانفعالي فيحتوي على قدر عالٍ من التهويل والمبالغة، والمجازفة بالأحكام العامة، وتأكيدها بمفردات الحسم والقطع، وتجويز المغالطات في سبيل التعبئة للفكرة.

والخطاب الانفعالي يبني عقلية جذرية مندفعة شديدة الانجذاب للتيارات الثورية، قابلة للاختطاف لأي اتجاه، غير مؤمنة بالحلول التدريجية، بخلاف الخطاب العلمي الذي يبني شخصية علمية تحاول اكتشاف المزايا وتعميقها، وتطويق الثغرات ومعالجتها.

والحقيقة أن المقرر يقدم في كثير من الأحيان تفصيلات جيدة في دراسة القضايا، وشروطًا دقيقة لبعض المفاهيم، لكنه يرتبك في أحيان أخرى ويقع في الإجمال أو إهدار الضوابط العامة والأسس الشرعية، كأصل رفع الحرج، أو موانع التكليف، أو اعتبار الأعراف، ونحوها، وسنحاول أن نقدم نموذجا لذلك:

فمثلا من أهم الأصول الفقهية أصل مراعاة المقاصد، ومن الخطير جدا تقديم الأحكام المجملة للطالب دون مراعاة هذا الأصل عبر تحميل العبارات من الدلالات الكفرية دون النظر في قصد قائلها، كما يعتبر المقرر مثلا أن التعليق على الشخص الملتحي بعبارة: (الدين ليس في الشَّعَر) استهزاء بالسنة يكفر به صاحبه، ويخرج من الدين بالكلية!!.

والمعروف أن كثيرا ممن يقول هذه العبارة لا يقصد تنقص الدين، بل يقصد معنى صحيحاً جاءت به الشريعة، وهو أن التدين ليس مجرد مظهر أو شكل أو هيئة، بل التدين الحقيقي هو القيام بالواجبات الأساسية ومراعاة الأولويات، بيد أن المقرر يوهم أن المناط الوحيد هو صورة العبارة دون إبراز كاف لبقية الاعتبارات، فيقول:

(… وما أشبه هذه الأقوال التي كلها سب للدين وأهله واستهزاء بالعقيدة الصحيحة ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومن ذلك استهزاؤهم بمن تمسك بسنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم [كقولهم]: الدين ليس في الشعر، استهزاء بإعفاء اللحية، وما أشبه هذه الألفاظ الوقحة)[1].

بل يجعل المقرر مجرد التضايق من بعض الممارسات التي تصدر من رجال الحسبة، والتي هي -في أغلب الأحوال- لا تعبر عن الدين، بقدر ما تعبر عن اجتهاد شخصي لأفراد الجهاز، ومع ذلك يجعل المقرر التضايق منها ردة عن الإسلام، وكفراً مخرجاً من الملة!!

حيث يرى المقرر أن من أنواع الاستهزاء الذي يكفر به صاحبه ويرتد عن الإسلام ويخرج من الملة:

(قول الآخر إذا رأى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر: جاءكم أهل الدين، من باب السخرية، وما أشبه ذلك مما لا يحصى إلا بكلفة، مما هو أعظم من قول الذين نزلت فيهم الآية)[2].

وهكذا دون تفريق بين الاعتراض على شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الثابتة بالنصوص القرآنية، وبين الاعتراض على مجرد تصرفات رجل الحسبة التي قد تخرج أحياناً عن المفهوم الشرعي للحسبة.

كما يجعل من أمثلة النفاق المخرج من الملة: (الاستهزاء بالقائمين على أعمال البر)[3].

ولسنا بحاجة إلى أن نؤكد مرة أخرى أن هناك فارقاً بين شعيرة الإحسان إلى الفقراء، وبين الاجتهادات الشخصية لممارسي العمل في هذا النشاط الخيري.

ومن ظواهر الاضطراب في المنهج العلمي أن المقرر عقد درسا لـ(موانع التكفير) وهي (الجهل، والخطأ، والتأويل، والإكراه) وقدم فيها مجموعة من التفصيلات والأدلة. (مقرر التوحيد – الثالث ثانوي – شرعي – 25 )

إلا أنه في التطبيق العملي يتجاهل بعض موانع التكفير كالجهل والتأويل وعدم القدرة والخطأ والخوف ونحوها، إما بتصريح نظري، أو بشكل تطبيقي، مما يترتب عليه وقوع الطالب في خطر التناقض والتطبيق العشوائي لقواعد التكفير والتضليل.

فمثلا يتجاهل المقرر عذر المخطئ بشكل موهم فيقول:

(الناس قد يقعون في الشرك وهم لا يدرون)[4].

(الشرك قد يتسرب إلى الإنسان من حيث لا يشعر)[5].

كما يتجاهل بعض حالات عذر الجاهل فيقول:

(الجهل يكون مانعاً من موانع التكفير في حالات دون حالات)[6].

ولذلك فكثيراً ما يوحي بإطلاق الكفر على الجاهل كما يقول:

(إن ما ينذره جهلة المسلمين، من نذور للأولياء والصالحين من أموات المسلمين، كأن يقول: يا سيد فلان إن رزقني الله كذا، أجعل لك كذا.. فهو شرك أكبر)[7].

(الناس قد يقعون في ألوان من الشرك وهم يجهلون)[8].

كما يلغي عذر الخائف فيقول:

(ولا فرق في جميع هذه النواقض، بين الهازل، والجاد، والخائف)[9].

كما يتجاهل عذر المتأول فيوحي بإطلاق الكفر على كثير من المذاهب المخالفة كما في موضوع الموقف من الصفات الإلهية، أو الموقف من الصحابة، أو غيرها.

ومن النماذج التي يضطرب فيها المنهج العلمي أيضا ما يقوله المقرر عن ممارسة الأنشطة الأسبوعية كأسبوع الشجرة، وأسبوع المرور، حيث يجعلها فسقاً ومعصية، والمشارك فيها آثم، لأنها تقليد للكفار، فحينما قسم تقليد الكفار إلى كفر وفسق، جعل من أنواع التقليد الذي هو فسق ومعصية:

(تخصيص بعض الأيام والأسابيع للنشاط في بعض الأعمال، واتخاذ الأيام الوطنية والقومية وهذا محرم وفسق)[10].

وهذا فقط أحد نماذج التهويل الفقهي، وتضخيم الدلالات، والتعنت في تفسير الممارسات الاجتماعية، فالأنشطة التي يمارسها غير المسلمين:

إما أن تكون شعائر دينية وممارسات تختص بهم،

وإما أن تكون أنشطة اجتماعية يتخذونها بشكل مدني أو لتدبير شؤونهم العامة.

فالنوع الأول لا يجوز للمسلم ممارسته،

أما النوع الثاني، فله ثلاثة شروط:

1ـ تحقق المصلحة.

2ـ وخلوه من الموانع الشرعية.

3ـ وانتفاء قصد التشبه.

وكثير من الأحكام التي يضطرب فيها المنهج العلمي وتحمل تعنتا في التفسير تكون مدفوعة في الغالب بقلق عقائدي، كما في موقف المقرر من إضافة النتائج إلى أسبابها حيث يرى مثلاً أن مقولة: (الخطط التنموية تقضي على الفقر والجهل) شرك أصغر والذي هو من أكبر الكبائر، لأن فيها نسبة النعمة لغير الله، واضح طبعاً أن واضع المقرر يقصد الاستخدام الصحفي لهذه العبارة، فهل الكاتب المسلم حين يقول ذلك يقصد الشرك مع الله؟!

إنما يقصد أن الخطط التنموية سبب والأمر كله بيد الله، وفي أسوأ الأحوال قد تعتبر هذه العبارة تحتاج إلى بعض التحفظات لتكون أكمل أدباً، لا أن تكون لوناً من الشرك.

ومن نماذج الشرك الأصغر التي يعرضها المقرر عبارة: (تقدم الطب قضى على الأمراض) لذات الاعتبار السابق وهو كونها نسبة للنعمة إلى غير الله، دون مراعاة مقاصد الناس.

ومن النماذج كذلك أن من فسر سلامة رحلته بكفاءة قائد الرحلة فالمقرر يعتبره لوناً من الشرك، أو فسرها بكون الطقس والأجواء كانت مناسبة.

وكذلك إذا نسب المال إلى نفسه أو مورثه فإن هذا شرك أصغر لأنه نسبة النعم لغير الله.

ومما يزيد الأمر تعقيدا أن المقرر يؤكد أنه، حتى لو سلم قصد القائل، وكان يرى أن النعمة كلها من الله لكن الطب، أو الخطط التنموية، أو كفاءة القائد، أو الأجواء، ونحوها، كانت مجرد أسباب، فإن التعبير بذلك وإضافتها إلى الأسباب يعتبر شركاً أصغر، يقول المقرر:

(من أقر بقلبه أن النعم كلها من الله وحده، وهو بلسانه تارة يضيفها إلى الله، وتارة إلى نفسه وعمله أو سعي غيره، فهذا شرك أصغر.. يجب التوبة منه..، ولنسبة النعم إلى غير الله أمثلة كثيرة: .. كقول بعضهم -إذا طاب سير السفينة-: كانت الريح طيبة، والملاح حاذقاً، وقول: لولا فلان لكان كذا، وهذا مالي ورثته عن آبائي، ومن الأمثلة المعاصرة، قول بعضهم: تقدم الطب قضى على الأمراض، والخطط التنموية تقضي على الفقر والجهل، ونحو ذلك)[11].

ولا شك في أن هذا الحكم فيه كثير من المبالغة فإن الله تعالى يضيف النعم إلى نفسه إضافة خلق وإيجاد، ويضيفها إلى المخلوق إضافة سببية كما قال تعالى: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه، وأنعمت عليه)[12] فإن الله تعالى هاهنا أضاف النعمة التي يتمتع بها زيد بن حارثة إلى الله سبحانه باعتباره خالقها، وأضافها إلى رسوله صلى الله عليه وسلم المخلوق باعتباره سبباً، وبصيغة تحتمل التسوية.

وكذلك فإن الله سبحانه نسب الفضل إلى الخالق نفسه على وجه الاختصاص فقال: (قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء)[13]، وأضافه إلى الخالق والمخلوق، وبصيغة تحتمل التسوية، فقال: (وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسولُه)[14]، فجمع هاهنا بين نسبة النعمة إلى غير الله، وبين صيغة التسوية، كلاهما في الخطاب العقدي للمقرر نوع من الشرك الأصغر، وأضافه للمخلوق مفردا فقال: (ولا يأتل أولو الفضل منكم)[15]، فكانت إضافة نعمة الإحسان والتفضل إلى الخالق إضافة خلق وإيجاد، وإضافتها للمخلوق إضافة سبب بإذن الله، ولم يعتبر القرآن هذه الصيغ في التعبير شركاً أصغر.

بل حتى عبارة (هذا مالي ورثته عن آبائي) إذا كان يعتقد أنه ومورثه مجرد سبب لا يمكن أن تكون شركاً أصغر من أكبر الكبائر، فالقرآن نفسه نسب المال إلى شتى أصناف المخلوقين، فخاطبنا الله وأضاف المال إلينا فقال: (اعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة)[16]، وأضاف المال إلى الناس فقال: (وأكلهم أموال الناس)[17]، وأضاف المال إلى اليتامى فقال: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى)[18]، وأضافه إلى المجاهدين فقال: (والمجاهدين في سبيل الله بأموالهم)[19]، وأضافه إلى التجار فقال: (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم)[20]، وأضافه إلى الكفار فقال: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم)[21]، وأضافه إلى المنافقين فقال: (وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم)[22].

ومن نماذج التعنت العقائدي أيضا أن المقرر يجعل من صور اتخاذ الأنداد مع الله من يقول:

(لولا الحارس لأتانا اللصوص) ونحو هذه العبارات فيقول مثلا: (الشرك الأصغر.. كالتلفظ بألفاظ تشعر بجعل أنداد مع الله وإن كان لا يقصد المتلفظ الشرك.. [مثل] لولا الله وأنت)[23].

فإذا كان لا يقصد المتلفظ بها الشرك فلا يمكن أن تكون شركاً، ولو كان انتقادها من باب الأدب واللباقة لكان اجتهاداً سائغاً، أما أن تجعل شركاً أصغر توضع في مصاف الكبائر الشنيعة كالغش والخيانة والزنا والسرقة ونحوها ففيه كثير من المبالغة كما يقول المقرر: (الشرك الأصغر الذي هو أكبر الكبائر.. مثل قول: لولا الله ولولا فلان)[24].

فإذا كان يقصد مساواة السبب بالله فمفهوم أنه شرك أكبر، لكن إن كان لا يقصد الشرك، كما يؤكد المقرر ذاته، فلا يمكن أن تكون من أكبر الكبائر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعبر بمثل هذ التعبيرات، فإنه لما سأله عمه العباس عما قدم لعمه بقوله: (ما أغنيت من عمك أبي طالب فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟) فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله: (لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)[25] فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقصد الشرك قطعاً وإنما كان يقصد أنه مجرد سبب.

ومن الخلل في المنهج العلمي، إعطاء العبارات التلقائية والعفوية أبعادا أضخم من حجمها الطبيعي، أو تحميلها بالدلالات الشركية. كما يجعل المقرر مثلا من أنواع الإلحاد من يطلق على الذات الإلهية اسم: (المهندس الأعظم، أو القوة المطلقة)[26].

فلو انتقد المقرر هذه العبارة من جهة الأدب مع الله لكان أمراً مقبولاً، لكن أن يجعلها إلحاداً في أسماء الله، ويجعلها نظير تسمية المشركين أصنامهم باسم اللات اشتقاقا من اسم (الله)، أو العزى اشتقاقا من اسم (العزيز)، فهذا تهويل يبني العقل الديني للطالب بشكل انفعالي غير علمي.

——————————————————————————–

[1] مقرر التوحيد ثالث ثانوي – شرعي (67)

[2] مقرر التوحيد ثالث ثانوي – شرعي (67)

[3] مقرر التوحيد – ثالث متوسط (69)

[4] مقرر التوحيد – الصف الأول متوسط (65)

[5] مقرر التوحيد – الصف الأول متوسط (81)

[6] مقرر التوحيد – الثالث ثانوي – شرعي – (25)

[7] مقرر التوحيد – الصف الأول متوسط (94)

[8] مقرر التوحيد – الصف الأول متوسط (65)

[9] مقرر التوحيد والحديث والفقه والتجويد – الصف السادس الابتدائي – الفصل الثاني (14)

[10] مقرر التوحيد – الصف الأول ثانوي (96)

[11] مقرر التوحيد – الصف الثالث ثانوي – القسم الشرعي (50)

[12] سورة الأحزاب (37)

[13] سورة آل عمران (73)

[14] سورة التوبة (59)

[15] سورة النور (22)

[16] سورة الأنفال (28)

[17] سورة النساء (161)

[18] سورة النساء (10)

[19] سورة النساء (95)

[20] سورة البقرة (279)

[21] سورة الأنفال (36)

[22] سورة التوبة (81)

[23] مقرر التوحيد – الصف الأول ثانوي (62)

[24] مقرر الحديث – الصف الثاني ثانوي – القسم الشرعي (174)

[25] رواه البخاري: كتاب مناقب الأنصار، باب قصة أبي طالب، ومسلم: كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب

[26] مقرر التوحيد – الصف الثالث متوسط (83)

الخاتمة والتوصيات

إبراهيم السكران – عبد العزيز القاسم

23/03/2004

أولا: الخاتمة:

إن وظيفة المقررات الدينية في التعليم العام هي تكوين أساسيات الشخصية الدينية للطالب، بحيث يتلقى من المادة الدينية ما يؤسس لشخصية دينية سوية تتمثل قيم الدين، وتتشرب طمأنينته، وهذا يتطلب قراءة كلية للدين لتحديد الكليات الأساسية، ثم التدرج مع الكليات من الأعلى إلى الأدنى آخذين في الاعتبار أسئلة الحياة العامة واحتياجات المتلقي، والمدة الممكن تخصيصها للمقررات الدينية مقارنة ببقية احتياجات الطالب الدنيوية والعلمية.

إن تحقيق هذا التوازن يتطلب إعادة نظر جذرية في طريقة إعداد المقررات؛ ذلك أن المقررات تعتمد حاليا على مصنفات جرى تدوينها في ظروف المجادلات الفكرية، والمعارك الدينية والسياسية، وقد أدى ذلك إلى وجود اضطراب هائل في تنظيم الأولويات، كما أدى إلى توريط الطالب في نيران معارك فكرية لا حاجة له بدراسة ظروفها وإجاباتها؛ لأنه ببساطة لا ينتمي إليها من جهة ولأن حججها لا تصل إليه من جهة أخرى، كما أن المقرر لن يحول دون تلقي الطالب لإجابات وحجج أخرى حين يثير تلك المسائل.

في المقابل تورطت المقررات في سكوت واسع النطاق عن القضايا التي يثيرها الواقع المعاصر مثل الحقوق الأساسية للإنسان، والحريات الشرعية، وعرض الفروض الكفائية المتعلقة بمصالح الناس الضرورية والحاجية.

ذلك أن الشريعة الإسلامية في مجتمعنا المصدر الأساسي للحقوق والواجبات، وقد جاءت الشريعة بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو الأساس الذي تقوم عليه جميع مبادرات الرقابة العامة الفردية والاجتماعية، وقد أدى تجاهل المقررات للنظام السياسي ومبادئه المكتوبة والعرفية إلى تجاهل تنظيم قنوات المشاركة الشعبية والتعبير عن الرأي بطريقة متمدنة، الأمر الذي أوجد فراغا هائلا أصبح ميدانا لشتى أنواع المعارك الاجتماعية التي تسعى إلى تعبئة الفراغ كل بطريقته الخاصة، وقد انعكس ذلك على المناهج من جوانب عديدة منها أن المقررات تضمر -كما تقدم- في الأمثلة خطابا موجها للطالب بصفته الفردية بما يناقض مؤسسات المجتمع ومنها نظام التعليم. فالمقرر في بعض نصوصه يحاول التعويض عن عجزه في المشاركة بطريقة مشروعة عبر تعبئة الطالب في زوايا المقرر بما يحصنه من المؤسسات القائمة، وهذا يؤدي إلى انفصام خطير في مصدر الشرعية الاجتماعية والسياسية، ولا يمكن معالجة ذلك إلا عبر تنظيم قنوات المشاركة وتحقيق الشفافية بحيث يعتمد الجميع على القنوات الرسمية للحياة السياسية والاجتماعية.

إن المقررات تصمت عن آليات اندماج الطالب في مجتمعه ومشاركته فيه، الأمر الذي يجعل التعبئة الدينية التي تلقاها تجاه القيم: ما يجوز وما يحرم، ما يستحسن وما يستقبح.. دون قنوات عامة لمزاولة مواقفه تجاه ما تشربه من قيم وتعبئة، ويترتب على ذلك إما البحث عن قنوات غير مشروعة يواجه بسببها التأنيب والمعاقبة، وإما أن ينكسر أمام عجزه فيبقى محبطا عاجزا ربما تلقفته دعوات الغضب والتمرد لتسترد له بعض ما عجز عن الوصول إليه، ولا يمكن معالجة ذلك إلا بتنظيم وسائل المشاركة بمختلف أنواعها.

إن الطالب يواجه في حياته العامة شتى مظاهر التخلف الحضاري في مواجهة العدو المحتل والغلبة الدولية في كثير من المؤسسات والميادين، فيعجز عن الاستجابة لنزعات الانتصار لأمته ومساعدة مجتمعه والإسهام في الرقي بها لفقدان المجتمع للروابط المهنية والمؤسسات المدنية التي تتيح له المشاركة فيما يميل إليه من تطوع، وقد كان من واجبات المقررات الدينية والنظام السياسي فتح آفاق المشاركة المدنية، وتيسير سبل تنشيطها وتدريب الطالب على ممارستها بحيث تكون منفذًا يحقق البناء ويستوعب المشاركات، بيد أن المناهج تكاد تحصر أوجه المشاركة في الجمعيات الخيرية، والحسبة، وهما من أبواب الخير لكنهما جزء محدود من واجبات الأمة.

ثانيا: التوصيات:

1– إعادة النظر في المقررات الدراسية بحيث تتم تنقيتها من آثار المعارك الكلامية والسياسية في تاريخ الجدل العقدي، لتتركز على تقرير مقتضى النصوص برصانة ورفق، وتجنيب الطالب المعارك الكلامية التي يمكن أن تترك للمختصين.

2– تنقية المقررات من النزعات التكفيرية التي يضطرب بها، والتركيز على ما دلت عليه النصوص واستقر عليه كبار فقهاء الأمة من الكف عن تكفير أهل القبلة ووجوب تقرير عصمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم.

3– تعميق مفاهيم الحقوق الشرعية للإنسان.

3– تقرير قواعد التعامل مع المخالف كالعدل والرحمة والمجادلة بالتي هي أحسن، وبيان أسباب رفع الملام عن أئمة المسلمين وعلمائهم.

4– إعادة التوازن إلى مضمون المقررات الدينية بحيث تتناسب مع حاجات المتلقي بتقرير مقتضى النصوص وتجنب المجادلة وتجنيب الناشئة مزالقها.

5– ضبط منظور فقهي متزن تجاه الحضارات والمعارف بحيث يتمكن المتلقي من استثمار نتاج الحضارات والمعارف دون إفراط أو تفريط في التعامل الفقهي والكلامي معها.

6– ضبط منظور فقهي متزن تجاه التعامل مع الآخرين في حالات السلم والعدوان والعهد وغيرها بإيجاز يقرر الرؤية العامة دون إرباك أو تفصيل.

7– توعية المتلقي بواجباته الاجتماعية (فروض الكفاية) وآليات أدائها.

8– توعية المتلقي بواجباته في المشاركة السياسية الشعبية وآليات أدائها.

والله الموفق.

لا تعليقات حتى الآن

  1. هذه الورقة تراجع عنها السكران وتبرأ منها
    وهي كانت قبل المآلات

    فليتكم تحذفونها

    قال السكران:
    “وقد نصحني أخي الشيخ بندر الشويقي منذ سنوات عدة، أن أكتب نقداً لورقة المقررات، وأبين ما فيها من مخالفة لطريقة أهل السنة والجماعة، لكنني كنت أسوّف، وأقول لمن سألني عنها إن نقد الشيخ الغصن لها كافٍ إن شاء الله ومبين للحق”

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × 3 =