إبل وبيوت الشياطين : اختراع السيارة وعلامات الساعة
اختراع السيارة وعلامات الساعة
العلامة العاشرة : ظهور المخترعات منها السيارة
قال الله سبحانه وتعالى : وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [1]
عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم :
تَكُونُ إِبِلٌ لِلشَّيَاطِينِ وَبُيُوتٌ لِلشَّيَاطِينِ فَأَمَّا إِبِلُ الشَّيَاطِينِ فَقَدْ رَأَيْتُهَا يَخْرُجُ أَحَدُكُمْ بِجُنَيْبَاتٍ مَعَهُ قَدْ أَسْمَنَهَا فَلَا يَعْلُو بَعِيرًا مِنْهَا وَيَمُرُّ بِأَخِيهِ قَدْ انْقَطَعَ بِهِ فَلَا يَحْمِلُهُ ، وَأَمَّا بُيُوتُ الشَّيَاطِينِ فَلَمْ أَرَهَا . كَانَ سَعِيدٌ يَقُولُ : لَا أُرَاهَا إِلَّا هَذِهِ الْأَقْفَاصُ الَّتِي يَسْتُرُ النَّاسُ بِالدِّيبَاجِ [2]
شرح الغريب :
جنيبات : جمع جنيبة ؛ وهي الدابة التي تقاد ؛ أي ليس عليها راكب .
إلا هذه الأقفاص : أي المحامل والهوادج التي يتخذها المترفون في سفرهم
كان سعيد : هو ابن أبي هند التابعي الراوي عن أبي هريرة .
شرح :
– هذا الحديث يبرز أمرين حاصلين في الأمة وهما إبل الشياطين وبيوت الشياطين ، وجاء بيان المراد بإبل الشياطين ، وهي الإبل المعدة للتكاثر والتفاخر ولم يُقصد بها أمرٌ مشروع ، ثم بين النبي الوجه الذي استحقت فيه هذه الإبل أن تنسب للشياطين ، وهو أن صاحبها يسير بها مجتمعة لا يعلو واحداً منها ؛ فإذا مر على أخيه المسلم الذي كَلّ عن السير وانقطع به الطريق فلا يحمله معه في طريقه ؛ أي أن إبل الشياطين هي الركوبة القادرة على الحمل ، ولكن صاحبها لا يحمل عليها المنقطع في الطريق ممن هو في حاجة لئن يحمل .
– أما بيوت الشياطين فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم يرها ؛ أي أنه لم يعاين في عصره شيئاً شبيها لها لكي يصفها للصحابة ، فهي أمر جديد سيجِدّ على الأمة من حيث الوصف والماهية ، وسياق الحديث يبرز أن المراد بها أيضاً ركوبة تشبه البيت يمر بها صاحبها على أخيه المنقطع فلا يحمله عليها ، وركوبة تشبه البيت مما لم يعهد في العصور السابقة ، لا يصدق إلا على ما عهدناه في عصرنا بما يعرف بوسائل النقل الحديثة [ السيارة والشاحنة وغيرها ] ، فالسيارة هي أصدق وصف لبيوت الشياطين التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
– هذه العلامة إذا كان المراد بها السيارات ، فهي حاصلة في زماننا ؛ وكثيراً ما نرى من أصحاب السيارات الخاصة أنهم يأنفون أن يحملوا أخاهم المنقطع في طريقهم .
ملاحظة :
قد يعترض البعض قائلاً : إن حمل المراد ببيوت الشياطين على السيارة نوع من التعسف ، فليس في السياق ما يدل على ذلك ، والأولى حملها على تلك البيوت الفارغة التي يبنيها المترفون دون حاجة إليها تكثراً وتفاخراً ، وتترك تلك البيوت فارغة دون أن ينتفع بها أحد ، فبعض المترفين في عصرنا يكون له أكثر من بيت ، وأحياناً يكون له عدة طوابق وشقق متعددة ، وهناك الكثيرون حوله لا يجدون مأوى لهم ، وكثيراً من هذه البيوت تترك فارغة لمناسبة واحدة في العام فقط ، فهذه البيوت يصدق عليها وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي كثيرة في عصرنا ، والأصل أن يحمل الكلام عليها وليس على السيارة ونحوها .
ويجاب على هذا الاعتراض بأنه يمكن تصور أن هناك تعسفاً في حمل الحديث على السيارة إذا لم تكن هناك أي قرينة دالة على ذلك ، ومن تأمل الحديث يجد عدة قرائن تجعل هذا المحمل مسوغاً ، منها :
القرينة الأولى : سياق الحديث يشير إلى أن مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الحديث عن وسائل نقل يراد بها التفاخر ، ولا ينتفع بها المسلمون المحتاجون لها مما يشير إلى حصول الأثرة وتفتت اللحمة الإسلامية ، وهذا واضح من تفسيره لإبل الشياطين ؛ لذا ناسب المقام أن تحمل البيوت أيضاً على وسائل النقل ؛ والملاحظ على التابعي راوي الحديث أنه حمل بيوت الشياطين على تلك الأقفاص والمحامل والهوادج التي يتخذها المترفون في سفرهم ؛ وهذا المحمل من التابعي يشير إلى أنه يرى أن سياق الحديث كله يشير إلى وسائل النقل ، وتفسيره إنما هو اجتهاد في حدود ما عهده في عصره مع أن ما فسر به البيوت كان معروفاً في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يصعب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يذكره ، ولا يصعب على الصحابة أن يتصوروه ؛ وهذا كله يعزز أن المراد ببيوت الشياطين أمر غريب في جنسه ووصفه يستخدم كركوبة في آخر الزمان ، وهذا لا يصدق إلا على السيارة .
القرينة الثانية : لو كان المقصود من بيوت الشياطين ، تلك البيوت الفارغة التي تكون لبعض المترفين ، ويمنعون المحتاجين من الانتفاع بها ، لفسر النبي صلى الله عليه وآله وسلم المراد بها ، ولما قال : أما بيوت الشياطين فلم أرها ، فجنس البيوت أمر يسهل وصفه ، فكما أنه وصف المراد بإبل الشياطين مع أن هذا الأمر لم يكن في عهده ؛ كذلك أمكن له أن يصف تلك البيوت ، فالمقام مقام بيان .
القرينة الثالثة : قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيوت الشياطين أنه لم يرها إشارة واضحة إلى أن هذه البيوت أمراً مغايراً لما يعهده في عصره من البيوت ، وهذا الوصف لا ينطبق وفق سياق الحديث إلا على السيارات ؛ لذا صعب وصفها للصحابة ؛ ولئن وصفها فسيصعب عليهم تصورها ؛ لذا ترك الأمر لزمانه الذي يتضح فيه تأويل المراد به .
/ – عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ : } سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي رِجَالٌ يَرْكَبُونَ عَلَى السُّرُوجِ كَأَشْبَاهِ الرِّجَالِ ، يَنْزِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ عَلَى رُءُوسِهِمْ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْعِجَافِ ، الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ ! لَوْ كَانَتْ وَرَاءَكُمْ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ لَخَدَمْنَ نِسَاؤُكُمْ نِسَاءَهُمْ كَمَا يَخْدِمْنَكُمْ نِسَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ . { ([3])
شرح :
هذا الحديث يعتبر قرينة رابعة على أن المراد ببيوت الشياطين السيارات ، فالحديث صورة هي بنت عصرنا قلباً وقالباً ، وتعبيرات الحديث المجازية تعبر عنها بأصدق وصف وأجمله ، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يذكر أنهم يركبون دواباً ؛ إنما يعتلون سروجاً ؛ أي تلك الرحال التي توضع على الدواب ، وهذا يتناسب مع وصف تلك الكراسي المريحة التي توضع في السيارات ؛ وكأن النبي يشير إلى أن ركوبتهم شيئاً مصنوعاً دون دابة يحمل عليها ؛ لذا عبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك بقوله
»يَرْكَبُونَ عَلَى السُّرُوجِ«
وسياق الحديث يقرن بين أمرين وهما أن هؤلاء يركبون السروج ويتركونها على أبواب المساجد ، وأن نساءهم كاسيات عاريات مما يدل على التلازم بين ظهور السروج المركوبة والنساء الكاسيات العاريات ؛ أي أن هذا الوصف يمثل حقبة زمانية واحدة والنساء الكاسيات العاريات من علامات هذا العصر ؛ لذا ناسب أن يكون المراد بالسروج هنا وسائل النقل المعهودة في هذا العصر ، وهي السيارات .
([1]) النحل:8
([2]) أخرجه أبو داود في الجهاد برقم 2551 [ عون المعبود ( 7/236) ] ؛ وقال عنه العدوي : صحيح ( الصحيح المسند ( 405) ]
([3]) أخرجه أحمد في مسند المكثرين برقم 7102 [ المسند ( 2/299) ] قال الألباني : صحيح [ السلسلة الصحيحة ، المجلد السادس 1 ، حديث رقم : 2683 ] وقال في موضع آخر : حديث حسن ، رواه ابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم [ صحيح الترغيب والترهيب ، المجلد الثاني ، كتاب اللباس والزينة ]