بندر الشويقي : حديثي معك كان حول ( آليات واقعية ) لمعالجة أسباب التناحر والفتنة في العلاقة الطائفية

بندر الشويقي : حديثي معك كان حول ( آليات واقعية ) لمعالجة أسباب التناحر والفتنة في العلاقة الطائفية
بندر الشويقي

10/3/2007

بالتأكيد كنتُ أعني ما أقول حين ذكرتُ أن ( الشيخ حسن الصفار يملك رصيداً ضخماً من أدبيات الوحدة ومحاضرات التقارب ومقالات نبذ الطائفية . لكن رصيده مكشوف فيما يتعلق بآليات واقعية لتحقيق هذه الوحدة ) .

هذا ما ذكرته في مقالتي بملحق الرسالة ذي الرقم (15990) . وقد قرأت تعقيب الشيخ حسن على كلامي ورأيتُ استنكاره تجاهلي للمقترحات التي طرحها في كتاباته المنشورة وفيما سُمي بـ ( المؤتمر العالمي لتكريم الإمام شرف الدين ) .

لا أدري هل كان الشيخ حسن يتحدث بجديةٍ حين يُسمي مقترحاته : ( آليات للوحدة والتقارب ) ، وقد قرأتها مراراً وتكراراً فلم أجد فيها سوى مطالب سياسية قديمة معروفة كان الشيخ يلحُّ عليها مذ كان في صفوف المعارضة في الخارج .

الشيخ الصفار يطالب بالالتزام بالميثاق الدولي لحقوق الإنسان ، وينادي بسنِّ قوانين للتعددية الفكرية والسياسية تجرِّم التحريض على الكراهية ، وتحاسب من يسيء للمخالف أو ينال من رموزه ومقدساته.

لكنَّ الشيخ ـ وفقه الله ـ يتحاشى مناقشة مدى قابلية المذهبين السُّني والشيعي لتلك المقترحات التي ينادي بها، مع أن هذه النقطة هي العقبة الكؤود وموضع الإشكال الرئيس الذي يحتاج إلى آليات واقعية لمعالجته.

فلا المسلم السُّني ولا نظيره الشيعي لديه الاستعداد للتنازل عن مبادئه وقناعاته الدينية لمجرَّد وجود قانون يجرِّمها ما لم يقتنع بخطأ هذه القناعات.

والشيخ الصفار نفسه يعجز عن تطبيق تلك المقترحات التي ينادي بها متى ما صادمت قناعاته الدينية ، أو ترتب عليها تجريم رموزه ومراجع طائفته.

ولتوضيح الصورة أكثر سوف أعود للمؤتمر الذي طرح فيه الصفار مقترحاته ، وهو (المؤتمر العالمي لتكريم الإمام شرف الدين) .

فإن أراد الصفار أن يجرب تطبيق آلياته ومقترحاته ، فمن واجبه أن يضع ذاك ( الإمام ) الذي شارك في ( تكريمه ) على رأس قائمة المستحقين للتجريم !

وذلك بسبب نيله من رموز أهل السنة في كتابٍ مطبوع خصَّصه للطعن في الصحابي الجليل أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ رماه فيه بالكذب والدجل والنفاق والتزلُّف. إضافةً لكتابٍ آخر مشهور عنوانه (المراجعات) نال فيه من أمِّ المؤمنين عائشة ومن الخليفتين الإمامين أبي بكر وعمر ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ. إلا إذا كان الصفار يملك قدرة خاصة على الجمع بين (التكريم) و (التجريم) !

وبمناسبة ذكر كتاب (المراجعات) وما تضمنه من إساءات للصحب الكرام ، فقد رأيت الصَّفار في موقعه على الشبكة يجيب سائلاً عن كيفية الجمع بين ثناء الله ـ سبحانه ـ على الصحابة في القرآن الكريم، وبين المعتقد الشيعي الذي يعتبرهم كلَّهم خونة ما عدا نزراً يسيراً منهم .

فكان من جواب الصفار : (ما ذكرته من تساؤلات حول التشيع ليست جديدة، وأجاب عنها علماء الشيعة في كتاباتهم، وإذا كنت باحثاً فعليك بمطالعة كتبهم، ككتاب (المراجعات) للسيد شرف الدين…).

هذا الجواب موجود بموقع الصفار إلى ساعة كتابة هذه الأحرف، ولست أضمن بقاءه بعد ذلك . [ انظر صورة الفتوى في الأسفل ]

وكما نرى فإن الشيخ يدعو لتجريم من يسيء لرموز المخالفين ، ثم يشارك بعد ذلك في مؤتمر لتكريم أحد أولئك المسيئين، ويزيد على ذلك فيحيل السائل على موضع الإساءة نفسه.

بالنسبة لي فإني لا أستغرب شيئاً من ذلك. فهذه هي النتيجة المتوقعة لمحاولات التعامي عن التناقض الصارخ بين أصول وقواعد المذهبين السُّني والشيعي. فالشيخ حسن لا يستطيع تقرير مذهبه بوضوح وصراحةٍ دون الإساءة لرموز أهل السنة. كما أن أهل السنة لا يستطيعون تقرير مذهبهم دون الإساءة لمذهب الإمامية. وهذه الحقيقة رغم وضوحها وجلائها فإن بعض المجتهدين في الإصلاح يحاولون تجاهلها والقفز فوقها، لكنهم في كل مرةٍ يجدونها ماثلةً أمام أعينهم.

إشكالات العلاقة السُّنية الشيعية ليست سياسيةً مجردة حتى تعالج بالأنظمة والقوانين الملزمة، بل هي ـ قبل ذلك ـ مشكلة مفاهيم وقناعات متناقضة ذات طبيعة دينية تؤثر على الوحدة الاجتماعية للمسلمين ، وتُسهِّل مهمة أي عدو خارجي يسعى لبث تناحر داخلي في المجتمع المسلم.

والذي يريد التصدي لمعالجة إشكالات هذه العلاقة من المفترض ألا يقف عند حدود الخطابات والبيانات السياسية الجماهيرية المنمَّقة ، بل عليه تجاوز ذلك كله والدخول في العمق ليقف على المبادئ التي يؤمن بها أبناء الطائفتين ويتلقونها عن شيوخهم من خلال الدروس والفتاوى والمؤلفات.

في عدد ملحق (الرسالة) الأخير نقل الصفار بفخرٍ بياناً سياسياً جماهيرياً أصدره مرجعه (السيستاني) ذكر فيه أن فتاواه ( ليس فيها ما يسيء إلى المسلمين من سائر الفرق والمذاهب أبداً ) ، وحثَّ على ( رصِّ الصفوف…ونبذ الفرقة…وتجنب إثارة الخلافات المذهبية ) ، ودعا إلى ( التركيز على توثيق أواصر المحبة والمودة بين أبناء هذه الأمة ) .

كلامٌ ناعمٌ منمَّقٌ يشنِّف الأسماع، ويأخذ لباب القلوب والعقول . لكن ماذا لو حاولنا مقارنته بما يُصدره المرجع لأبناء الطائفة ؟!

قبل أشهرٍ مضَتْ قام بعض الأحبة بتجربةٍ سهلة للتأكد من حقيقة الحال، فأرسل استفتاءً لمكتب ( السيستاني ) عن حكم مخالفي المذهب الشيعي ، فجاءت الإجابة متماشيةً مع المعتقد الشيعي بعيدةً عن دبلوماسيات الوحدة والتقارب الزائفة .

وهأنذا أسوق السؤال وجوابه لمن يريد معرفة الفرق بين بيانات التزييف والخداع، وبين الفتاوى الخاصة لأبناء الطائفة :

#

يقول السؤال : (هل المخالفون للمذهب الاثني عشري يدخلون الجنة في الآخرة أم يدخلون النار ؟ ) .

#

الجواب : (باسمه تعالى. ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً). اهـ

هذا جواب ( السيستاني ) بنصه وهو موجودٌ لديَّ وعليه خاتمه الرسمي ، وإن رغب الشيخ الصفار أرسلت صورته لملحق (الرسالة) لنشرها .

فلنقارن الآن بينه وبين ما ورد في البيان العام الذي زعم السيستاني فيه أن فتاواه ( ليس فيها ما يسيء إلى المسلمين من سائر الفرق والمذاهب أبداً ) !

هناك ـ أيضاً ـ مجموعة استفتاءات مطبوعة للسيستاني ، ورد فيها السؤال رقم (1250) عن (شاب تقدم لخطبة فتاة شيعية، وهو ليس من الطائفة الشيعية، وقد وافقت البنت عليه. فهل يجوز تزويجه مع الاشتراط عليه أن تمارس عقيدتها وأن يكون لها حريتها الدينية) .

الجواب : (لايجوز ذلك ، إذا خِيفَ عليها الضلال. وهذا احتمالٌ قائمٌ لا بدَّ من الاهتمام به) اهـ. ثم يتكرر السؤال نفسه برقم (1789) من فتاةٍ تشيَّعت وأهلها يريدون تزويجها من ابن عمها غير الشيعي ، فهل يجوز لها الرفض؟

الجواب : ( يجوز لك الرفض . بل يجب إذا لم تأمني على نفسك الضلال ) .

وهناك سؤال رابع برقم (1545) : ( هل يجوز أن يُلعن المبتدِع ، أو يتهجم عليه بألفاظ مؤذية في غير حضوره أو يدعى عليه ، أو لا ؟ ) . الجواب : ( يجوز ) .

هذه بعض توجيهات المرجع السيستاني لأبناء الطائفة، فهل تتفق هذه الفتاوى مع ما ورد في البيان العام عن نبذ الفرقة والتركيز على توثيق أواصر المحبة والمودة بين أبناء هذه الأمة ؟!

والسؤال الأهم : هل يستطيع الصفار تجريم مرجعه الذي أساء لأهل السنة حين جوَّز لعنهم والتهجُّم عليهم في غَيبتهم، بعد أن أنزلهم في الآخرة منزلة الكافرين الذين قال الله عنهم : (من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً) .

لا أظن ذلك، فقد اعتدنا من الصفار مناداته بتجريم الكراهية والتحريض والإساءة ، وعندما نذكره بوجود ذلك لدى شيوخه ومراجعه يرجع للمناورة والمكابرة ، وفي النهاية يعتبر كلامنا ( جدلاً مذهبياً ) لا يرغب الدخول فيه !

أنا لست مسؤولاً في الدولة ، وبالتالي حين أتحدث مع الشيخ الصفار عن ( آليات واقعية ) للوحدة والتقارب ، فلست أعني قوانين وأنظمة يُلزم بها الناس حتى يحدثني الشيخ حسن عن فرض قوانين للتعددية الفكرية والسياسية تجرِّم التحريض على الكراهية ، وتحاسب من يسيء إلى المخالف .

حديثي مع الشيخ حسن كان حول ( آليات واقعية ) لمعالجة أسباب التناحر والاقتتال الكامنة في العلاقة السُّنية الشيعية .

تلك الأسباب التي تتحرك وتطفو على السطح بمجرد غياب السلطة السياسية أو ضعفها، وهو ما نراه الآن ماثلاً أمام أعيننا في العراق.

ومن المعلوم أن القانون يذهب بذهاب السلطة التي تفرضه ويضعف بضعفها. وكلُّ عاقلٍ يدرك أن القوانين التي تفرض بقوة السلطة لا يمكن أبداً أن تنتزِع الأفكار والقناعات الراسخة في النفوس. وبخاصةٍ إذا كانت هذه القناعات ذات صبغة دينية.

ولو مشينا مع الصفار في الطريق الذي رسمه لنا ، فإن غاية ما يمكن الوصول إليه : المحافظة على الأحقاد والضغائن وأسباب الفرقة داخل النفوس والعقول ، مع التحرُّز من إعلانها خوفاً من قانون التجريم !

#

فهل هذا هو المطلوب في نظر الشيخ ؟!

#

وهل هذه هي الوحدة والتقارب اللذان ينشدهما المسلمون ؟!

إذا كان الشيخ يصر على تسمية مقترحاته ( آليات وحدة وتقارب ) فلينظر إلى لبنان ، فجميع الآليات التي ذكرها متوافرة هناك منذ عقود . ومع ذلك لا يوجد فوق خارطة العالم الإسلامي بلدٌ عانى من التمزق والاقتتال الطائفي كما عانى منه لبنان .

فإن لم يكفِ ذلك في إقناع الشيخ الصفار فليعد لميثاق تأسيس ( المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ) العراقي الذي تأسَّس في إيران ، فقد ورد فيه التأكيد على البند التالي : ( الإيمان والالتزام برباط الأخوّة بين جميع المسلمين في العراق، شيعة وسنة، عربا وأكرادا وتركمانا، وغيرهم . واحترام الأقليات الدينية الأخرى، وتجنب كل ألوان التعصب الطائفي البغيض أو النزعة الجاهلية أو العنصرية أو أي عمل يضر برباط الأخوة الإسلامية أو يضعف الوحدة الوطنية بين جميع العراقيين ضمن العراق الموحد ) .

هذه المادة من جنس المواد القانونية التي ينادي بها الصفار، ومع ذلك فإن هذا المجلس هو نفسه الذي تفرَّع عنه ( فيلق بدرٍ ) الذي يرتكب اليوم أبشع الجرائم الطائفية بالعراق.

ومن المضحك المبكي أن مؤسس هذا الفيلق الطائفي هو محمد باقر الحكيم الذي كان يرأس ( المجلس الأعلى لمجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية ) !

إذاً نحن أمام صراع أفكار وقناعات ، قابل للتحول إلى صراع بنادق ودماء في أي لحظة.

ومهما خطب الشيخ عن فضائل التعددية الفكرية و السياسية، فلن يكون لذلك أي قيمة متى ما علمنا أن مبدأ (الإمامة) الذي يؤمن به الشيخ ومراجعُه وبنو طائفته يناقض (التعددية) السياسية تمام المناقضة.

وأما المذهب السُّني السَّلفي فلا يوجد فيه تعدُّدية تتسعْ للمذهب الإمامي بما يتضمنه من مصادمة لأسس ومبادئ الدِّين الحنيف حسب المنظور السلفي .

هذه هي الحقيقة المرَّة التي تستدعي المناقشة والمعالجة ، فإذا كان الشيخ لا يرغب في التطرق لهذه النقطة ، فليتنحَّ جانباً وليدع معالجة المشكلة لغيره .

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × 5 =