وجه الشبه بين الأبعاد الفلسفية لنفي الصفات قديما والأبعاد الإلحادية لمبدأ التعايش مع الآخر حديثا

قديما..
كان الطاغوت الثقافي الغربي ممثلا في الفلسفة اليونانية.. وهي فلسفة رغم تعددها إلى أنها كانت تدور حول فكرة حلول الألوهية بالعالم وعدم تمايزها عنه..
وكان بعض الانبعاج الحادث في الأمة الإسلامية بضغط من الطاغوت الغربي (اليوناني) متمثلا في مسألة الأسماء والصفات.. وتحديدا نفي الصفات.. وذلك لتلازم منطقي غير مباشر بين نفي صفات الألوهية وبين حلولها في العالم.. مع العلم بأن التوجه للفكر الحلولي هو توجه طبيعي يصاحب أي انحدار من الحق للباطل.. لكن عامل المحاكاة لليونان كان يمثل بالنسبة له عنصرا محفزا لا أكثر..
المهم أن كثيرا ممن اشتهروا بالحكم عليهم بالردة قديما كانوا نفاة للصفات .. وكان منهم علماء لا يفتقرون للوجاهة الدينية اجتماعيا وعلميا..
هذا المشهد يتكرر الآن بموضوعات مختلفة..
الطاغوت الغربي لم يعد ممثلا في اليونان لكنه انتثر في ربوع الحضارة المتغلبة من نقطة زمانية هي ما تعرف بعصر النهضة التي أعقبت فتح القسطنطينية، ولهذا التعاقب الزمني بين الحدثين دلاله هامة ..
موضوع الطاغوت الغربي الآن تغير.. فكرة الحلول والاتحاد كما هي لكنها أخذت شكلا إلحاديا، والفكر الحلولي عموما هو إلحاد بصيغة مهذبة، فكلاهما تأليه للإنسان وكلاهما يتضمن نفيا للألوهية المفارقة للعالم.. لكن الفكر الحلولي تأليهه للإنسان يأخذ مسحة دينية باعتباره مظهر الألوهية.. أما تأليه الإلحاد للإنسان فغُفل من هذا الالتفاف.. و(الإنسان الأعلى) عند شيخ الملحدين نيتشة هو (الإنسان الكامل) في التراث الصوفي.. وكلا من الإلحاد والحلول يمجد الطبيعة.. الفكر الحلولي يمجدها كمظهر للذات الإلهية (كل شيء جميل.. كل شيء حق.. كل شيء خير).. أما الإلحاد فيمجدها لأنها هي كل الموجود وهي مكمن كل شعور بالحكمة المطلقة والجمال والقوة..
والمذهب الإنساني هو المظهر الفكري المباشر لهذه الفلسفة.. الإنسان قيمة في ذاته.. الإنسان لا يجب أن يعادي الإنسان لأجل معتقدات دينية..
أما الانبعاج الحادث في جسم الأمة الإسلامية فقد تغير تبعا لتغير شكل فكرة الحلول عند الطاغوت الغربي.. أي فكرة الإلحاد لديه أيضا..
فبدلا من أن تكون مسألة نفي الصفات هي موطن النزاع.. أصبحت مسالة (العلاقة بالآخر) هي أصل كل انحراف.. وصار المسلمون ينساقون بتأويل دينهم لحساب فكرة التعايش معه كما كان أسلافهم يؤولون النصوص لحساب فكرة نفي الصفات..
وكما كان المنحرفون قديما غير مدركين غالبا للأبعاد الفلسفية لنفي الصفات.. فأصحاب مبدأ التعايش مع الآخر حاليا غير مدركين أيضا لأبعاده الإلحادية.. وكما كان الأولون يبرهنون على بدعتهم بالنصوص الدينية فخلفهم المتأخرين يثبتون مفاهيم التعايش مع الآخر بنصوص دينية كذلك..
كان شيخ الإسلام يهاجم قانون التأويل الذي صاغه الغزالي ليصل إلى موضوعه الذي يستخدم فيه وهو نفي الصفات..
لا يزال التأويل كما هو ولكن موضوعه تغير.. فاصبح: العلاقة بالآخر والتطبيع معه..
وكما حكم علماؤنا على بعض نفاة الصفاة بالردة.. ومنهم جهم بن صفوان والجعد بن درهم المقتول، فمسألة العلاقة بالآخر صار بسببها كثير جدا من المنتسبين للإسلام مرتدين عنه مفارقين له مع بقاء أصل انتسابهم له بل وبقاء مظهرهم كعاملين لنشره ورفع رايته .. ومعظم هؤلاء يقع في دائرة يطلق عليها إعلاميا: التيار الإسلامي المستنير أو المعتدل.. ولك أن تتوقع.
ومن أعراض الخلل في هذا الأمر عند المسلمين: حصار فكرة الكفر والتكفير والتضييق عليها إجرائيا.. أو التضييق على آثارها العملية بشتى الطرق والمنافذ.
وكما بالغ بعض مسلمي القرون الأولى في محاربة نفي الصفات فذهبوا إلى عكسها وهو التجسيد والتشبيه بين الذات الإلهية والإنسان.. فقد حارب البعض ما طرأ من خلل في مسألة التكفير وحصاره باستهوائه والمبالغة فيه وجعله معقد الأمر حتى في الحراك السياسي..

بعد فتح القسطنطينية وسقوط الغرب.. أعاد علينا الكرة مرة أخرى بموضوعات مختلفة ومنطلقات جديدة.. وتأثرنا به مرة أخرى كما تأثرنا به أول مرة في قضايا الأسماء والصفات.. ويجب أن نفيق من هذا التأثر ونهاجمه لو أردنا إحياء لحظة صاحب كتاب (درء تعارض العقل مع النقل).. أعني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه.. حرصا منا على الملة وصيانة منا للأمة وطلبا منا لمرضاة الرب سبحانه.

وجه الشبه بين الأبعاد الفلسفية لنفي الصفات قديما والأبعاد الإلحادية لمبدأ التعايش مع الآخر حديثا

2014

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × اثنان =