نظرة نقدية في كتاب ” شرح السنة ” للبربهاري

a1459 alamiri
يعد كتاب ” شرح السنة ” للإمام البربهاري من أشهر الكتب التي شرحت عقيدة أهل السنة والجماعة , وقد أوعده مؤلفه مسائل هامة , وضمنه قضايا متنوعة مما يدخل فيه عقيدة أهل السنة .
إلا أن القارئ للكتاب يجد أن مؤلفه : الإمام البربهاري يصف كتابه بأوصاف كبيرة , ويحذر من مخالفة أي حرف فيه , بل إنه حذر من مجرد التردد أو التوقف , فقد قال مطالبا بلزوم الأخذ بما في كتابه ومحذرا من مخالفة شيء مما فيه :” وجميع ما وصفت لك في هذا الكتاب فهو عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه و سلم وعن التابعين وعن القرن الثالث إلى القرن الرابع , فاتق الله يا عبد الله وعليك بالتصديق والتسليم والتفويض والرضى بما في هذا الكتاب ولا تكتم هذا الكتاب أحدا من أهل القبلة فعسى الله أن يرد به حيرانا من حيرته أو صاحب بدعة من بدعته أو ضالا عن ضلالته فينجو به , فاتق الله وعليك بالأمر الأول العتيق , وهو ما وصفت لك في هذا الكتاب , فرحم الله عبدا ورحم والديه قرأ هذا الكتاب وبثه وعمل به ودعا إليه واحتج به , فإنه دين الله ودين رسوله , وأنه من استحل شيئا خلافا لما في هذا الكتاب فإنه ليس يدين الله بدين وقد رده كله” ( شرح السنة 106).
ويرى الإمام البربهاري بأن ما ذكره في كتابه يحقق السنة والنجاة من النار , فإنه لم ذكر الفرق الهالكة والفرقة الناجية قال :” فمن أقر بما في هذا الكتاب وآمن به واتخذه إماما ولم يشك في حرف منه ولم يجحد حرفا منه فهو صاحب سنة وجماعة كامل , قد كملت فيه الجماعة , ومن جحد حرفا مما في هذا الكتاب أوشك في حرف منه أو شك فيه أو وقف فهو صاحب هوى” ( شرح السنة 131) .
فهذه النصوص تدل على أن الإمام البربهاري يرى أن ما جمعه في كتابه يحقق السنة ويحقق النجاة يوم القيامة , وأن من خالفه في شيء مما ذكره في كتابه فهو صاحب هوى .
وقد أيد الشيخ : صالح الفوزان الإمام البربهاري على تقريراته تلك , فقال معلقا على بعضها :” ما ذكر في هذا الكتاب هو اعتقاد أهل السنة والجماعة , فلم يقل : من لم يعتقد ما قلت وإنما قال : من لم يعتقد ما في هذا الكتاب , وهو أصول مذهب أهل السنة والجماعة , فلا مأخذ عليه في هذا الكلام كما ظنه بعض القراء , لأنه دون في هذا الكتاب أصول أهل السنة والجماعة , فمن أنكر شيئا منها أو أنكرها فهو ضال لا شك ” ( إتحاف القارئ بالتعليقات على شرح السنة 2/238) .
ونحن إذا اعتبرنا نصوص الشريعة وتأملنا في واقع كتاب ” شرح السنة ” ندرك أن تلك الأوصاف التي أطلقها البربهاري على كتابه غير صحيحة , لأنه لم يجيء الأمر بإلزام الناس بكل ما يذكر في الكتب والمؤلفات إلا بكتاب الله وصحيح سنة الرسول صلى الله عليه وسلم , وما ذكره المؤلف في كتابه لا يدخل في ذلك ؛ لأنه اشتمل على تقريراته وفهمه .
وقد أبدى عدد من المعاصرين تحفظه على ما ذكره المؤلف , ومنهم : محقق الكتاب : خالد الردادي , ومنهم : د/ عبدالرحمن العثيمين , فإنه قال معلقا على المؤلف :” هذا مبالغة مردودة غير مقبولة من المؤلف – عفا الله عنه – , ومثل هذا الكلام لا يقال إلا لكتاب الله عز وجل ,أو الصحيح الثابت من سنة محمد صلى الله عليه سلم , وأما كلام البربهاري فمثل كلام غيره , يأخذ منه ويترك , وما كان ينبغي له – رحمه الله – أن يزكي نفسه إلى هذا القد المرفوض” (طبقات الحنابلة –حاشية- 3/60) .
ثم إنا إذا تأملنا في الكتاب ” شرح السنة ” نجده ليس شاملا لكل مسائل الاعتقاد التي يترتب عليها النجاة يوم القيامة , ثم إنه قد اشتمل أيضا على مسائل عديدة تعد من مسائل الاجتهاد الخلافية بين علماء الإسلام , بل إنه ذكر مسائل ليس عليها دليل أصلا .
* المسائل الاجتهادية :
ومن المسائل الاجتهادية التي اشتمل عليها كتاب البربهاري :
1- أن الجنة التي أدخلها آدم عليه السلام وأخرج منها هي جنة الخلد .
2- أن الجمعة يصلى بعدها ست ركعات , بفصل بين كل ركتين .
3- حكم قصر الصلاة في السفر .
4- حكم الصيام في السفر .
5- حكم الصلاة في السراويل .
6- حكم النكاح بغير ولي ولا شاهدين .
7- عدد التكبيرات في صلاة الجنازة .
8- سماع الأموات لكلام الأحياء .
9- حكم إفراد أحد بالصلاة عليه غير الرسول صلى الله عليه وسلم وآله .
فكل هذه المسائل وقع فيها الخلاف بين فقهاء الإسلام وأئمته , وهي مما لا يصح ان يحكم على المخالف فيها بأنه صاحب هوى أو أنه من الهالكين يوم القيامة .
* المسائل التي ليس عليها دليل أو دليلها ضعيف :
ومن المسائل التي ليس عليها دليل أو أن دليلها ضعيف :
1- أن حوض بني الله صالح عليه السلام هو ضرع ناقته , فالحديث الوارد في ذلك حكم عليه عدد من العلماء – كابن الجوزي والذهبي- بالوضع والنكارة .
2- أن أرواح الكفار في بئر برهوت في حضرموت , وليس فيها حديث مرفوع , وإنما آثار موقوفة , وقد ضعفها عدد من العلماء كابن رجب وغيره , ولم يأخذ بها الإمام أحمد نفسه .
3- أن أول من ينظر إلى الله الأضراء ثم الرجال ثم النساء , وهذا التحديد لا دليل عليه , وممن نص على ذلك الشيخ صالح الفوزان في شرحه (1/317) .
4- أن كل قطرة تنزل من السماء معها ملك يوصلها إلى مكانها , وليس فيها حديث مرفوع صحيح , وإنما ورد فيها أثار موقوفة .
وقد اشتمل الكتاب على عبارات مجملة غير محررة , وعبارة وقعت فيها المبالغة كمثل قول المؤلف :” واعلم رحمك الله أنه ما كانت زندقة فقط ولا كفر ولا شك ولا بدعة ولا ضلالة ولا حيرة في الدين إلا من الكلام وأهل الكلام والجدال والمراء والخصومة ” ( شرح السنة 92) , ولا شك أن هذه مبالغة , فإن من البين جدا بطلان علم الكلام وخطئه , ولكن ليس من العدل القول بأنه لم يحصل كفر ولا زندقة إلا من طريق علم الكلام أو من طريق أهله , فكثير من الزنادقة والكفرة لم يكونوا من المتكلمين ولا من أتباعهم .
وبعد هذا العرض يتبين لنا أن تلك العبارات التي أثنى بها الإمام البربهاري على كتابه غير صحيحة , وهي مخالفة لدلالات الكتاب والسنة , ومخالفة لأصول أهل السنة في الاجتهاد في المسائل الفرعية .
فهي مما يجب إنكاره وبيان خطئه , ولكن هذا لا يعني اتهام الإمام البربهاري أو القدح في عمله أو دينه , ولا يبرر لأحد أن يتطاول عليه أو لا يلتزم الأدب معه .
وإنما غاية ما يدل بيان الخطأ ولزوم إظهار مخالفته لمقتضيات النصوص الشرعية , مع حفظ حقوق الإمام البربهاري ومراعاة مكانته وقدره وجهوده .

2010

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × 1 =