2fd50 kamalalmarzouki

مغالطات أقسى من الجهل:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سامحونا على التّطويل، ولعلّ من يصبر تنفعه كلمة.
ما يؤسيني فعليّا ليس هو الغلط في مسألة بعينها هي من المسائل الدّوّارة المكرّرة الموسميّة، والّتي سيتكرّر مثلها كثيرا ككلّ مرّة وتكون النّتيجة ككلّ مرّة، صرخة في وادٍ ممّن يفهم، وزعيقا يملأ الفضاء ممّن لا يفهم.

ليس فقها ما آسى عليه بل أسس التّفكير السّليم نفسها عند أقوام!
ليس فقها ما آسى عليه بل آلة العقل نفسها عند آخرين!
وإنّي لعارف بأنّ وِزْرَ إفساد الذّائقة العلميّة، وأصول الاستدلال، وتقحّم الاعتراض وطلب المناظرة، وتسوّر محاريب العلم من ظهورها، يحمله مشايخ بِلِحًى، وأنّ كلّ ما نقول ملحقٌ بضرطات العير في الفلاة، إلّا أنّنا ما نتجشّم لهذا إلّا ” معذرة إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون “.

المسألة كما قلتُ مسألة خلل في أسس التّفكير المنطقيّ، ولأضربنّ عليه بعض الأمثلة ممّا يبيّن لك حجم الكارثة واقعيّا، كلّها بعيدة عن الأخطاء الفقهيّة والشّرعيّة.
1- الإلزام بإنكار كلّ منكر:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا خلل في التّفكير أصلا
فحين ترى من يقول: ” لماذا لم تنكروا حرق النّاس في رابعة؟ ” ، ” لماذا لم تنكروا التّحالف الصّليبي؟ ” ، ” لماذا لم تنكروا حرق أهل بورما؟ ” … فاعلم أنّ مشكلة هذا القائل في نظام ذهنه نفسه، وقدرته الفكريّة، لا في مجرّد الجهل بالشّرع.
فإنّ هذا الكلام مضمونه أنّه يلزمك أن لا تنكر منكرا حتّى تنكر كلّ منكر وقع منذ آدم إلى يومك الّذي أنت فيه!
وقد سبق وأجبت عن هذا الخطأ في التّفكير، وهذه المغالطة، ببعض التّفصيل هنا:

وأضيف :
– ستجد أكثر من يقولون لهم هذه الكلمة قد تكلّموا في هذه القضايا وفصّلوا فيها.
– ستجد أكثر من يقولون هذه الكلمة لم يبحثوا أصلا في كلام هؤلاء المتّهمين هل قالوا أم لم يقولوا؟، ممّا يكشف لك مبلغ ورعهم ثمّ فهمهم.
فهم يستعملون في هذا قاعدة ” لم نَرَ = لمْ يحدث “! وهو نوع من أنواع مغالطة الاحتكام للجهل الّتي قوامها: ما لا نعرفه غير موجود. (ad ignoratiam)
وليتهم لم يروا بعد بحث واجتهاد، بل ليتهم لم يروا بعد بحث بلا اجتهاد، ولكنّهم لم يروا لكونهم أغمضوا أعينهم، فمن عذيرنا من مثل هؤلاء؟!
– كلّ ما تتكلّمون عنه من جرائم هو مساوٍ لجريمة داعش، فأين النّكتة؟
النّكتة أنّ داعش وحدها هي الّتي تنسب فعالها للشّرع وتلحقه به، فمنكرها منكران، فلو سلّمنا لكم بصحّة قاعدة ” لا ينكر إلّا من أنكر كلّ منكر ” الّتي لا يقول بها إنس ولا جانّ، لكان البدء بداعش أولى من جهة أنّ هذا دفاع عن سياج الشّريعة نفسه، ومرتبته في سلّم الأولويّات ينبغي أن تكون الأعلى.

2- لا يفتي قاعد لمجاهد وأهل مكّة أدرى بشعابها:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهي قاعدة من أبطل الباطل وأبينه، وأصلها خلل في مسالك التّفكير أيضا، وقد سبق أن بيّنت تهافتها هنا:

وهنا تفصيل أكثر لكلّ ما تمسّكوا به أو نزعوا:

3- تبرير الخطأ بالخطأ:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطّيّار كان مجرما وجاء ليقصفهم فكيف تدافعون عنه؟
وهذا فيه إلزام عجيب بكون من أنكر حرقه معناه أنّه مدافع عنه، يشي بعجز فكريّ خالص لا أقلّ!
ثمّ هو مغالطة منطقيّة قديمة شهيرة هي تبرير الخطأ بالخطأ.
فالخطأ يبقى خطأ، والتّعدّي في مجازاة المجرم جريمة.

4- استعمال المعايير الرّياضيّة في الفقه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا مثله مثل قياس الماء بالمتر والهواء باللّتر والمسافة بالبار
وانظر المنشور السّابق:
وهنا أيضا لتفهم الإشكال:

5- تطبيق خطأ = نظريّة خطأ:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه القاعدة الأصيلة في معدومي الفكر من الملحدين الّذين يقضون بالتّطبيق الخطأ للمسلمين على الإسلام نفسه، ويقرب منهم في ذلك العلمانيّون والقرآنيّون إذ يجعلون خطأ التّطبيق يلزم منه رمي المدوّنة الفقهيّة أو الحديثيّة في البحر لكونها سبب إشكالاتنا.
وكأنّ ردود الفقهاء والمتشرّعة على داعش يستقونها من فلاسفة الحداثة وما بعدها!
ومثل هذا من يطعن في شيخ الإسلام لكونهم استدلّوا بمقولة له ليس فيها شبه دلالة على مرامهم ومرادهم، وأنا في حيرة من فعل هؤلاء مع آيات الكتاب وأخبار السّنّة الّتي يستدلّ بها الدّواعش، أينهجون بها ذات النّهج أم يتناقضون ههنا؟!

6- ترك مضمون النّقد لكره الأسلوب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهو ترك مضمون النّقد وحججه الصّلبة لكراهة شدّة الأسلوب أو عرامة العبارة، وهذا ليس بشيء
وهو أحد الحيل النّفسيّة للتّملّص، وانظر هنا:

ثمّ إنّ فيه تسوية بين مختلفات فإنّه لا أحد يشتدّ على الجاهل المقرّ بجهله، وإنّما الشّدّة على المتعالم هي غاية الرّفق به والإحسان إليه، فإنّه متقوّل على الله وإلجامه حسنة له.
وأنا أفهم أنّك رؤوف وشفيق محبّ للخير، لكنّك تخلط بين الجاهل البسيط والجاهل المركّب، والمتعلّم والمتعالم في المعاملة، وهذا شرّ مستطير ..
ولا تكاد تجد أحدا فتح ورقة في كتب آداب طلب العلم إلّا وهو يميّز في المعاملة بينهما، بل ولا تكاد تجد أحدا من العقلاء إلّا وهو يميّز ..
فلن ترى قطّ من يغضب من سؤال رجل يسأل : أيّ الطّريقين لو سمحت يؤدّي للمكان الفلاني؟.
لكن حين يأتيك رجل فيسألك :
هل حيوان البطّيخ هو السّبب في الاقتباس الحراري ؟
ولا تغضب مهما كنت حليما، فاسمح لي ..
أنت فعلا بارد، وأنا في شكّ من عقلك مع عقله .

ربّ يسّر وأعن!

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة عشر − إحدى عشر =