محمد السعيدي : الظاهرية خالفوا الاجماع وتفسيراتهم للنصوص من الاعاجيب المضحكة

bda9c saaidi mohammad
محمد السعيدي : الظاهرية خالفوا الاجماع وتفسيراتهم للنصوص من الاعاجيب المضحكة

اثار الحوار الذي نشر على هذه الصفحة الاسبوع المنصرم مع احد مشايخ المذهب الظاهري ردود فعل واسعة. فهل كانت الظاهرية مذهبا فقهيا خامسا ام منهجا فلسفيا؟ كيف تنظر بقية المذاهب الى الظاهرية، وما هي مآخذهم عليها، واين يلتقون ويختلفون مع مبادئ هذا المذهب الفكري الفقهي الذي عاد الى الظهور من جديد. اسئلة عديدة اجاب عنها الدكتور محمد السعيدي رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية المعلمين بمكة المكرمة، في حوار ثري نقرأه في السطور التالية:
قرأت بالتأكيد الحوار الذي نشر في هذه الصفحة حول المذهب الظاهري. ماذا تقول بداية عن هذا المذهب؟
– الظاهرية طائفة من العلماء تقدمهم داود بن علي الأصفهاني المتوفى سنة 270هـ خالفوا في بعض قواعد استنباط الأحكام من النصوص وسموا بأبرز القضايا التي خالفوا فيها وهي الأخذ بظواهر النصوص -هكذا زعموا- ونحن وإن كنا نقر هذا الإطلاق عليهم باعتباره مصطلحا إلا أننا نخالف في حقيقة انطباقه عليهم وذلك أن الأخذ بظواهر النصوص وعدم الجنوح وراء التأويل إلا في أضيق الحدود وعند توفر القرائن الصارفة هو مذهب السلف رضي الله عنهم والذي عليه الأئمة الأربعة بل إن الأخذ بظواهر النصوص والاقتصار في التأويل على ما توفرت فيه القرائن الصارفة هو لغة العرب التي نزل بها القرآن وقد أحسن علماء السلف التأصيل لذلك كما أحسنوا التطبيق فأجروا النصوص على ظاهرها في مسائل الفقه والعقيدة أما الظاهرية فكان شيخهم ابن حزم رحمه الله جهميا جلدا في مسائل الصفات ولم يكن ظاهريا.
اسقاط القياس
اسقاط القياس، ابرز ما يميز هذا المذهب الفقهي، كيف تنظرون الى ذلك؟
– القياس أحد مصادر استقاء الأحكام عند جماهير الأئمة والعلماء فيه بين طرفين ووسط أما الطرف الأول فقوم بالغوا في تقدير القياس حتى قالوا برد خبر الواحد الذي يعارض القياس الصحيح لكن هذا في الجانب التأصيلي أما في الجانب التطبيقي فنجد أن أصحاب هذا الاتجاه لا يردون أخبار الآحاد في مقابلة القياس.
والطرف الآخر قوم أنكروا القياس وهم الظاهرية. 
والطرف الثالث وقفوا من القياس موقفا صحيحا فرأوا أن القياس عدل وأن الشريعة لا تأتي على خلاف العدل أبدا.
إذن أين تكمن الحاجة إلى القياس رغم وجود عمومات الكتاب والسنة؟ 
– المجتهد يحتاج القياس لكون عمومات الكتاب والسنة ليست دائما ظاهرة الدلالة على مسائل القياس كما أن العمومات قد تتعارض في دلالتها لدى المجتهد بل إن بعض المسائل المنصوصة في الكتاب والسنة يكون المجتهد مأمورا بالقياس عليها وأعني بها تلك المسائل التي نص الله تعالى على علتها مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس) فقد نص الرسول عليه الصلاة السلام على أن علة النهي عن الحمر كونها رجسا فهنا المجتهد مأمور بأن يقيس على الحمر كل ما شاركها في علة النهي من الحيوانات وهو الرجس.
سد الذريعة
وغير القياس والحرفية ما هي أبرز القضايا التي يخالف فيها الظاهرية؟
– خالف الظاهرية في سد الذريعة والذريعة الأمر الذي يكون في ذاته مباحا لكنه يفضي إلى محرم فمنع الظاهرية من سد الذرائع جملة وتفصيلا مع أن الأدلة من الكتاب والسنة متضافرة على الأمر به ويكفي أن القرافي حكى الإجماع على الأخذ به وابن القيم ساق تسعة وتسعين دليلا على مشروعية الأخذ به وخذ منها قوله تعالى (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم )فنهى الله المسلمين عن سب أصنام الكافرين لكي لا يكون ذريعة إلى أن يسب الكافرون الله عز وجل بغير علم وذلك رحمة من الله تعالى.
إذن ما هو الدافع لهم إلى إنكار هذا الأصل؟
– من تأمل كلام ابن حزم في إحكام الأحكام يجد أن الحامل له على إنكار سد الذرائع هو سد الذرائع فقد خشي أن يفضي هذا الأصل إلى تحريم ما أحل الله وهذا مصداق قول القرطبي إن من خالف في سد الذرائع تأصيلا وافق فيها تفصيلا والواقع أن العلماء من القائلين بسد الذرائع حذروا من أن يبالغ في هذا الأصل حتى يفضي إلى تحريم ما أحل الله.
الغرب ليس مصدرا للتشريع
وإباحتهم للغناء أليست من القضايا الخلافية معهم؟ 
– لعلك تعني المعازف فإن الخلاف في المعازف لا في ذات الغناء وهناك من خالف فيه غير الظاهرية لكن العبرة بدليل المخالفين لا بعددهم والذي ينصفنا من الظاهرية في مسألة الغناء هو ابن حزم نفسه وذلك في قوله في المحلى بعد أن ساق بعض أدلة تحريم المعازف وطعن فيها : ( ووالله لو أسند جميعه أو واحد منه فأكثر من طريق الثقات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ترددنا في الأخذ به).
فهذا ابن حزم يرى أن دلالة الحديث ظاهرة في تحريم الغناء واعتراضه إنما هو على انقطاع إسناده وأقسم
 
أنه لو أسند من طريق الثقات لأخذ به وهنا نحن ندعو أتباع ابن حزم أن يبروا بقسم إمامهم ونبشرهم أن الحديث قد أسنده الحافظ ابن حجر وهو من هو مكانة وعلما في الحديث الشريف وقال رحمه الله في كتابه تغليق التعليق بعد سرده لأسانيد حديث الغناء: “وهذا حديث صحيح لا علة له ولا مطعن له وقد أعله أبو محمد بن حزم بالانقطاع بين البخاري وصدقة ابن خالد وبالاختلاف في اسم أبي مالك وهذا كما تراه قد سقته من رواية تسعة عن هشام متصلا فيهم مثل الحسن بن سفيان وعبدان وجعفر الفريابي وهؤلاء حفاظ أثبات”. ولعل من الطرائف أن قول الظاهرية إباحة الغناء فيه شاهد على صحة الحديث فإن نص الحديث : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) فأخبر صلى الله عليه وسلم أن من أمته من يستحل المعازف وجاء مصداق خبره صلى الله عليه وسلم في هؤلاء الظاهرية والعجيب أن أحد من يزعم اتباع ابن حزم رحمه الله ولا يقبل أحاديث تحريم الغناء لضعفها عنده يستدل على إباحته بأن الغرب قد وضعوا له مدارس فليت شعري الاستدلال بالحديث الضعيف خير أم بتصرفات الغرب وبعد ذلك يقول عن الغناء إنه أحل من الفقع وهذا من المجازفة ومصادرة أقوال الآخرين التي لا تليق بطلاب العلم فضلا عمن يدعون الاجتهاد والقدرة على الاختيار بين المذاهب.
وما هو وجه المجازفة والمصادرة في ذلك؟ 
– تأتي المجازفة في هذا الكلام من كون الفقع ثمرة طيبة لم يأت فيها حديث صحيح أو ضعيف يحرمها بل جاءت أحاديث تدل على نفعها ولم يقل أحد من العلماء بغير إباحتها فكيف يجعل المعازف أكثر حلا منها وهي التي وردت أحاديث بتحريمها صراحة ووردت آية في كتاب الله تحرمها بطريق الإيماء وفسر الصحابة تلك الآية بالغناء والصحابة أعلم بمقصود رسول الله منا وأعني بالآية قوله تعالى (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) أما المصادرة فتظهر من كونه لا يرى اعتبار خلاف العلماء وأدلتهم إذ لو كانت معتبرة عنده لأحدثت في نفسه على أقل تقدير شبهة تجعله يحجم عن الغناء ورعاً لاسيما وهو محسوب في المشايخ أو لأ حدثت عنده احتمالا بضعف أدلته تمنعه من المبالغة في إباحة الغناء كل هذه المبالغة.
قيادة المرأة للسيارة
الشيخ الذي أشرت إليه ذكر أن القياس يدل على جواز قيادة المرأة للسيارة فهل هذا صحيح؟ 
– ليس هو أول من قاله وعلى كل حال فالقياس على خلاف ذلك إذ إنه لم يثبت أن المرأة كانت في الجاهلية أو في عهد التشريع تقود الدابة بنفسها بل إن العرب كانوا يسمون المرأة حينما تركب الرحل : الظعينة على وزن فعيلة بمعنى مفعولة أي محمولة ولم أقرأ في كتب السير أن امرأة قادت الدابة وحدها في سفر أو حضر إلا في وقائع لها ما يبررها كالأنصارية التي سبيت في الطائف ففرت من السبي على نجيبة أما عائشة رضي الله عنها في رحلتها إلى العراق فلم تقد الدابة بل كانت في هودجها ومعها من محارمها ابنا أختها محمد وعبد الله وكانت مصونة في هودجها .
الاختلاط
والاختلاط هل هو مسألة خلاف بين الأئمة وبين الظاهرية؟
– لا أعلم أن للظاهرية رأيا يخالفون به الأئمة في الاختلاط فإن الأدلة متواردة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أغلق هذا الباب عمليا فقد جعل النساء في الصلاة يصلين خلف الرجال لا بينهم ولم يكن النساء يخالطن الرجال في دروس الوعظ حتى شكا النساء ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل لهن يوما خاصا بهن وكن يأتين إلى بيته صلى الله عليه وسلم ليسألنه ولا يتخطين الرجال إليه وإذا لم يجدنه يسألن زوجاته رضي الله عنهن وأمرن ألا يأخذن الطريق على الرجال فكن يسرن ملاصقات للجدر وهذا لا يعني أن المرأة تمنع من الكلام مع الرجل في حدود ما تقتضيه الحاجة كالسؤال عن العلم أو الاستدلال من الرجال على الطريق أو البيع والشراء كل ذلك جائز في حدود الحاجة وكذلك إذا احتاج جيش المسلمين إلى المرأة لتضميد الجراح والخدمة كما ثبت في السيرة شريطة أن يكون سفرها مع ذي محرم وأن لا تتجاوز علاقتها بالرجال حدود الحاجة وعلى ذلك أيضا يحمل الحج والعمرة على أن للمرأة في الحج من الأحكام ما يمكن أن يقال إنه درء للاختلاط وذلك كالإذن للنساء بالدفع من مزدلفة من ثلث الليل والرجم قبلهم ومن ثم الدفع إلى البيت قبل الرجال وكل ذلك ليس هو الاختلاط بين الجنسين الذي يروج له الإعلام الغربي وما شاكله من الإعلام المستغرب حيث لا تقتصر علاقة المرأة بالرجل كما يريدون على دواعي الحاجة بل يتجاوزون ذلك إلى الممازجة بحيث لا يكون هناك فرق بين اختلاط الرجال بالرجال واختلاط الرجال بالنساء.
هل ترون أن الظاهرية مذهب خامس كما يقولون هم؟ 
– الأمر في ذلك اصطلاحي فتسميته مذهبا خامسا لا تزيده حقا كما أن عدم تسميته مذهبا خامسا لا تجرده من الحق فكثير من الأئمة كأبي ثور وابن أبي ليلى وغيرهم لا ينقص من قدر آرائهم أنها لا تندرج ضمن مذهب ولن يزيدها شيئا لو انتظمها مذهب فإن الحق هو ما وافق الدليل لا ما وافق مذهبا.
كيف تعامل الأئمة مع أتباع هذا المذهب؟ 
– العلماء في أهل الظاهر على فريقين : احدهما نبذ أهل الظاهر ورأى أنهم لا يعدون من علماء الأمة أصلا ويمثل هؤلاء أبو المعالي الجويني ومنهم من رأى عدم الاعتبار بمذهبهم في كل مسالة انفردوا بها وقطع ببطلان قولهم فيها فإنها هدر وإنما يحكونها للتعجب وكل مسالة لهم عضدها نص وسبقهم اليها صاحب أو تابع فهي من مسائل الخلاف فلا تهدر ويمثل هؤلاء ابن الصلاح والذهبي.
اتباع محدودون.. ومجازفون
هل علماء الظاهرية كثر في جميع عصور الإسلام؟
– هم في جميع العصور كرام قليل وقد لقي الفكرالظاهري رواجا في عهد دولة الموحدين في المغرب حيث تبناه حكامها لكن ذلك لم يستمر ولا أعلم كم لهم من العلماء في تلك الفترة وأكثر عصور الفقه الإسلامي كان وجودهم فيها محدودا إن لم نقل معدوما في بعضها. 
لكن بعض الظاهرية يرى أن البخاري ومسلما والطبري والشوكاني من كبار علماء الظاهرية؟
– هذه دعوى والدعاوى إن لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء,, أما الشوكاني فكتابه إرشاد الفحول بين أيدينا وقد أجاز فيه من القياس ما كانت علته منصوصة أو ما كانت ثابتة بطريق القطع بل إنه في الجانب العملي أثبت القياس في مسائل ليست عللها منصوصة كمسألة ربا الفضل أما البخاري ومسلم والطبري فلا تعني موافقة الظاهرية لهم في بعض المسائل الفرعية أنهم معهم في أصولهم فقد وافق ابن تيمية مثلا ابن حزم في كثير من مسائل الفقه بل كان ابن تيمية شديد الإعجاب بالمحلى حتى قيل إنه كان يستظهره ومع ذلك لم يكن ظاهريا فإن اتباعك مذهبا ما يعني أنك تعتنق أكثر أصوله إن لم يكن كلها وهذا ما يعسر إثباته بالنسبة للبخاري ومسلم والطبري. 
ما دام أتباع هذا المذهب بهذه القلة فما هو سر استمراره وعدم اندثاره كغيره من المذاهب؟
– إن مذهبا يؤسس له رجل مثل ابن حزم رحمه الله في قدراته العلمية وجاذبيته وملكته في الاحتجاج لا يمكن أن يندثر لاسيما وقد ترك مدونة عظيمة مثل المحلى فالسر في بقاء هذا الاتجاه الفكري لا يعود إلى مقوماته بقدر ما يعود إلى مواهب مؤسسه وهذا يفسر لك ان أكثر من يتركون مذاهبهم ويتحولون إلى الظاهرية لديهم بعض الأوصاف التي يلتقون فيها مع ابن حزم كالمجازفة والشدة على المخالفين والإقدام .
اثارة الفتنة
– إثارة الفتنة لا تأتي من مخالفة الإجماع وحسب بل تأتي من القدح في مسلمات الأمة أو مخالفة ما تواطأت عليه سواء أكان ذلك في العبادات أو في العادات وليس أشد إيلاما للنفس وزعزعة للفكر من أن تأتي إلى أمر من الخير قد استقر عليه الناس ثم تحاول زعزعته بدعوى شرعية ، وقد راعى أئمتنا ذلك حتى في تطبيق السنن فرأوأ أن تطبق سنة من السنن إذا كان يفضي إلى نزاع وفوضى فإن من السنة تركها فكيف إذا كان الأمر في البعد عن محظورات استقر في خلد الناس حرمتها ولله الحمد أو في نقض أصول يراها الناس من مصادر تشريعهم إن استخفاف الناس في أن يقولوا ما شاؤوا متى شاؤوا فيه من الرعونة والسعي بالأمة نحو الهاوية ما يقتضي أن يقف العقلاء منه وقفة حازمة وإن الحكمة أن يعرف المرء متى يتكلم وفي أي موضوع يتكلم.
ما هي أبرز نقاط ضعف الفكر الظاهري؟ 
– لعلي أبدأ بذكر نقطة القوة وهي ما أشاد به العلماء من قبل من كون داود الأصفهاني وابن حزم أهل حديث وبحث عن العمل بالسنة أما نقاط الضعف فكثيرة منها أنهم ما زالوا متوقفين عند اجتهادات ابن حزم في نقد الحديث إذ لم يظهر فيهم بعد ابن حزم من يقاربه كما أن حرفية الظاهرية في الاستنباط من النصوص أوقعتهم في أخطاء في الفهم لا تقرها عليهم العرب منها ما قدمت في صدر هذه المقابلة ومنها أنهم يبطلون الشروط في العقود احتجاجا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم :(كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) كما أنهم لا يرون أن قول الله تعالى (ولا تقل لهما أف) لا يدل على تحريم ضرب الوالد وهذه من أعاجيب ابن حزم المضحكات المبكيات.
2006
source : http://www.mohamadalsaidi.com/?p=803

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية عشر − اثنان =