لماذا ينتقد المسلمون الغرب وهم يستعملون منتجاتهم و اختراعاتهم ؟

في جلسة زملاء مبتعثين كان نقاش انتقدنا الأسرة في الغرب لماذا ينتقد المسلمون الغرب قال أحد الزملاء وأظنه من تغريدة أو مقال: كيف ننتقد الغرب ونحن نركب طائراته وسياراته ونتواصل بجوالاته ونكتب من كومبيوتراته الخ. ما رأيك؟؟

لماذا ينتقد المسلمون الغرب ؟

جواب ابراهيم السكران :
الحمد لله وبعد،،
فحوى هذه الحجة والمنطق الداخلي فيها والمبدأ الضمني في باطنها هو التالي:
(إذا كان لدى شخص شيء من الحق، واستفدنا منه، فيجب أن نأخذ أيضاً ما عنده من الباطل).
فبالله عليك هل يوافق على هذا المنطق شخص يحترم العلم والعقل والثقافة والتفكير؟
انظر مثلاً في هذه التطبيقات لهذا المبدأ الضمني لهذه الحجة، وسنحاول أن نقرأ الحجة في مثالين متقابلين مزدوجين أولاً:

-النموذج الأول:
النبي –صلى الله عليه وسلم- استفاد من مصنوعات الكفار في الأسلحة والمنسوجات، واشترى منهم أطعمة وأوانٍ، واقترض من بعض اليهود الخ، ومع ذلك بلّغ النبي في الناس منزلة الكافر في القرآن وأنه في مرتبة الأنعام والدواب وأنه رجس الخ بسبب ما عندهم من الباطل، كقول الله

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ}.
وقوله

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا}.
وقوله

{كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}.

وأمثالها كثير في كتاب الله، فهل يقول عاقل لرسول الله كيف استفدت من مصنوعات الكفار النافعة ثم تذمهم على باطلهم؟ هل يقول هذا شخص تنطبق عليه معايير السلامة العقلية؟

-النموذج المقابل:
لو جاء شخص غربي وقال لبني قومه كيف تذمون تخلف المسلمين وتزدرونهم وتجعلونهم دول عالم ثالث وأنتم تشترون منهم النفط الذي هو عصب حياتكم، وتمثل الجاليات المسلمة في البلدان الغربية قوة لليد العاملة، وتستقطبون كوادرهم العلمية؟

فهل سيقبل الغربيون هذا الطرح من صاحبهم، أم سيقولون له بكل وضوح: نشتري منهم نفطهم ونستفيد من أيديهم العاملة ونستقطب كوادرهم العلمية لأنه شيء رائع ومفيد وفيه مصلحة لنا، ولكن واقع دولهم ومؤسساتهم وحكوماتهم متخلفة ويجب أن نعترف بالحقيقة.
حسناً، دعنا نسحب هذه الحجة البليدة إلى تطبيقات أخرى:

نحن نستورد اليوم من الصين واليابان مصنوعات هائلة تكاد تغطي حياتنا الحاجية والكمالية، من وسائل المواصلات إلى أجهزة التكييف ومواد البناء إلى دقائق أجهزة الاتصالات، فما رأيك لو جاء شخص وقال بناءً على هذه الحجة:
يجب أن نكفّ اليوم عن ذم الديانات الوثنية من الكونفيوشية والبوذية والطاوية وكل الوثنيات في الصين واليابان إذ كيف نستورد منهم هذه المصنوعات ونذم عقائدهم؟!

وخذ مثالاً تنبؤياً آخر:
الاقتصاد الهندي يشهد قفزات صناعية وتكنولوجية، فهذا يعني أنه إذا زاد مستوى وارداتنا الصناعية من الهند فيجب –بناءً على هذه الحجة- أن نتوقف عن ذم الهندوسية وتقديس البقر.
وهكذا أيضاً إن زادت وارداتنا من روسيا يوماً ما فيجب الكف عن ذم أديانهم الباطلة.

بل يمكن أن يقال للكاتب الليبرالي السلطاني الذي يحتج بمثل هذه الحجة: أي شخص يوجد في بيته شيء من السجاد الإيراني الفاخر فيجب أن يكف عن نقد سياسات إيران في المنطقة!
ولذا يمكن أن نسمي هذه الحجة البليدة (حجة الاستيراد والتصدير) وأن الفكر العربي يجب أن يخضع لمؤشرات الواردات!
كل هذا من جهة، ومن جهة أخرى:

فالغرب لم يقدم لنا مصنوعاته ومخترعاته منحاً وهبات وهدايا و “شرهات”، بل أخذ مقابلها من ثرواتنا وابتز من حرياتنا وفرض علينا من ثقافته، بل وسفك من دمائنا ودماء أطفالنا بنيران عسكرياته؛ ما لا يعلمه إلا الله، فكيف يراد منا المزيد من الذل له؟!

وبكل صراحة فمثل هذه الحجة المذكورة في السؤال لم أجدها رائجة بين كبار الحداثيين العرب، بل وجدتها يتكرر ذكرها بين طبقة “عوام” الصحفيين الليبراليين، وأظن السبب أنها حجة فيها شيء من مسحة البلاهة التي يحب أن يتحاشاها من ينتسب للثقافة.
والله أعلم،،

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إحدى عشر − ثمانية =