لماذا لا تنهانا صلاتنا عن الفحشاء والمنكر ؟

الاخ محمد فايق يكتب عن موضوع مهم عنوانه لماذا لا تنهانا صلاتنا عن الفحشاء وامنكر ؟بقالي فترة عايز أكتب المقال ده ومتردد عشان الصبغة الدينية ممكن تدي انطباع إني طالب علوم شرعية مثلًا وده مش صحيح، أو تدي انطباع أعلى من الحقيقة عن التزامي الديني..
وبعدين قررت أخاطر وأكتبه مع التوضيح والتأكيد إني بكتبه كشخص مسلم عادي من مسلمي هذا الزمان العاديين وإني مش ملتزم بالقدر الذي يوحيه هذا المقال ولكن الله يغمرني بستره الجميل، ولولا هذا الستر لضعت..

لماذا لا تنهانا صلاتنا عن الفحشاء والمنكر ؟

من وأنا صغير ودايمًا بيلفت نظري إن في ناس ممكن تكون بتصلي بانتظام لكن بيعملوا فواحش ومنكرات عادي..
طيب ليه الصلاة لم تنهاهم عن فحشهم ومنكرهم كما قال الله؟

وحاجة كمان،
لما الرسول عليه الصلاة والسلام يقول عن الصلاة “أرحنا بها يا بلال”، ليه معظمنا مش بيرتاح من الصلاة زي ما الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام كانوا بيرتاحوا؟
التفكير من منطلق إني مسلم هيوصل بينا -منطقيًا- لاحتمال من ٢:

١- إما أن المعلومة أصلًا خطأ بمعنى أن الصلاة ليست مريحة ولا تنهى عن الفحشاء والمنكر ولا حاجة
٢- أو أن الصلاة التي تحدث الله عنها وعلمها لنبيه مش هي الصلاة اللي معظمنا يعرفها وبيؤديها حاليًا..
وبما إن القرآن والسنة الصحيحة هما المصادر المطلقة بالنسبالي، فمفيش احتمال إلا أن تكون الصلاة التي فرضها علينا الله ليست هي الصلاة التي يؤديها معظمنا ف العصر الحالي..

معظمنا عارف أن كلمة صلاة لها طريقين لمعرفة معناها، طريق لغوي وطريق اصطلاحي.. لغويًا معناها دعاء أو ذكر أو صلة -من الوصال- واصطلاحًا معناها المناسك والحركات بتاعت الصلوات الخمس اليومية من وضوء واستقبال القبلة وتكبيرة الإحرام و و و و إلخ..
لو دمجنا المناسك، مع المعنى اللغوي للصلاة، هنوصل أن الصلاة هي أرقى صورة من صور الاتصال بين الإنسان والله..
طب ازاي ده يجاوب على سؤال المقال؟

الاتصال ف الصلاة ليس مجرد اتصال، بل هو الاستحضار الذهني والروحاني والوعي الكامل بوجودك مع الله سبحانه ف المدة الزمنية من تكبيرة الإحرام وحتى التسليم بعد التشهد الأخير..

حضور ووعي كامل وعزل تام عن أية أفكار جانبية في أي شيء مهما كان.. وكأن جسدك صار وعاءً يسري نور الله فيه..
قال الشيخ الشعراوي في إحدى دروسه كمثال لتوضيح استحضار وجودك مع الله وله سبحانه المثل الأعلى،
تخيل أنك ادام ست حلوة أوي بتقولك هيت لك وفي وراها فرن كبير من بتوع العيش الفلاحي اللي بيشتغلوا بالحطب دول، وفِي عساكر واقفين وراك هيرموك ف الفرن ف ساعتها لو لمست الست الحلوة..
تفتكر كام واحد ممكن يدوس مع الست الحلوة مع يقينه الحضوري إنه هيترمي ف الفرن ف ساعتها؟

الواقع المادي له وطأة.. والفرن له حضور قوي.. والعساكر لهم حضور أقوى.. وعشان كده مافتكرش ولا واحد هيقع ف الفاحشة مع الست الحلوة ف الموقف ده..
يبقى الفكرة كلها ف الفجوة بين الواقع المادي بتاعنا وبين عجزنا عن الاستحضار الغيبي لوجود الله والوعي الكامل بعملية الصلاة..

لو عرفت تغلق هذه الفجوة وتحقق الصلة مع الله كما ينبغي لها، بحيث إنك تدخل ف الحالة دي خمس مرات يوميًا، مافتكرش في مسلم ممكن يعمل فحشاء أو منكر.. وأستطيع أن أزعم إنه هيعيش الراحة التي أخبر عنها الرسول الصادق..
المشكلة كلها إن معظمنا مش بيعرف يوصل للدرجة اللازمة من غيبية الاستحضار واليقين العيني لتحويل الغيب إلى واقع محسوس..
لدرجة إن الدخول ف الصلاة عند معظمنا تحول لمهرجان أفكار فوضوية بتتقافز ف العقل وملهاش أي علاقة بموضوع الاستحضار الذهني الغيبي لله سبحانه فضلًا عن أي وعي بعملية الصلاة أساسًا..

وبالتالي -عند المعظم- مفيش أثر مادي ملموس للصلاة على الفحشاء والمنكر ومفيش أثر لها على الراحة..
وتأصل هذا الطرح وتحول لاتجاه فكري لدرجة نشوء موجة تغريب وإقصاء للدين بالكلية من الـdomain بتاع راحة النفس وشفاء الروح أو أي تأثير يعبر من عالم الصلاة الروحاني للعالم المادي..

ماهو لما تكون نفسي وروحي مريضتين وبعدين أصلي ومفيش أي تأثير؟؟ لما أشوف ناس بتصلي وتعمل منكرات عادي؟؟
يبقى أكيد الصلاة دي مجرد منسك ليس له أثر دنيوي وليس لها معنى ولا مغزى إلا الطاعة فقط..
الشيء الـfunny فعلًا بقى،

هو نشوء موجة أخرى بالتزامن مع موجة تغريب وإقصاء الدين، وهي -ياللعجب- إحياء لممارسات قديمة من الشرق الأقصى عن فنون الحضور الذهني للحظة والمكان بوعي كامل -أو الـ Mindfullness- لعلاج اضطرابات وأمراض نفسية عديدة..
وتم إثبات التأثير الإيجابي لهذه الممارسات علميًا بل وإنشاء مدارس علاجية كاملة ومعاهد رسمية لتعليمها وتدريس فنونها وأساليبها للمعالجين النفسيين بهدف استخدامها مع المرضى..

ومن ضمن تعاليم هذه الممارسات هي إنك تستشعر كل حاجة بتحصل حواليك وتنغمس بكل جوراحك وبمنتهى الحضور ف اللحظة الحاضرة والمكان الحالي وف الشيء اللي بتعمله أيًا كان فيما يُعرف ف الأوساط العلمية والنفسية بالـ (here and now).
والموضوع بيتصدر كاكتشاف فريد من نوعه لعلم طب القدماء ويكأنه حجر رشيد..
اللي هو: really؟؟
ليه لما المعلومة تيجي من الله، بقى فينا من ينظر إليها متشككًا بروح الإقصاء، لكن لما تيجي من علم مادي تجريبي نخر لها ساجدين؟

ليه بعض العاملين -المسلمين- ف المجال النفسي استأصل أي كلام يمت للدين بأي صلة تمامًا من كتالوج أدواته العلاجية وهو بيعالج مسلمين برضو، تحسسًا من أن يوصم أنه شيخ جاهل بس ف نفس الوقت معندوش مانع يستخدم أدوات علاجية تجريبية لم تصل فاعليتها لـ٥٠٪؜ من معدلات الشفاء؟
ليه الانسلاخ من الدين أصبح سمة للتباهي العلمي وكأن التجريبية تتعارض مع الإيمان والدين مرادف للجهل؟
ليه وقعنا بين قطبين، إما الدروشة وإقصاء العلم التجريبي، أو العلمنة وإقصاء الدين؟

العلم التجريبي شيء رائع بل وفِي منتهى الروعة والجمال.. وجعله الله سببًا في كل ما وصلنا إليه من أدوات حياتية في كل المجالات.. ولكنه يفقد جوهره ومعنى التجريبية والعلمية وانفتاح العقل فيه لما نتطرف فيه للحد الأقصى ويتحول لصنم نكون مطالبين جميعًا بإغلاق عقولنا عليه وتقديم قرابين الولاء بانسلاخنا عن الدين والسجود له بدون تفكير..
شكرًا
#محمد_فايق

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × 5 =