0dfad kamalalmarzouki
كمال المرزوقي
مفارقة :

ــــــــــــ

يحمل وزر أولئك المفتونين بمثل عدنان إبراهيم جماعةٌ ممّن هم ألدّ أعدائه، وهي مفارقة عجيبة فعلا .

إنّهم أولئك الّذين احترفوا القطع في الظنّيّات فهان على الجهلة بعد ذلك من المقلّدين أتباع كلّ ناعق حين اكتشفوا أنّ تلك ظنّيّات من موارد الاجتهاد بعضها الخلاف فيه سائغ لا يصحّ فيه تشنيع، وبعضها راجح لا سائغ فقط، وبعضها هو قول جماهير العلماء أظهروه لهم كأنّه قول شاذّ … 

فلمّا صدموا بهذا صار هيّنا عليهم أن يقبلوا الظّنّ والشّكّ في القطعيّات كوقوع النّسخ وحدّ الرّجم وكفر اليهود والنّصارى …

فجناية هؤلاء على الشّريعة كجناية هذا وأمثاله من المفتونين إذ تحليل الحرام كتحريم الحلال كلّه كذب على الشّرع وافتيات عليه .

وزاد الطّين بلّة تلك العُقَد النّفسيّة الّتي صارت جدرانا إسمنتيّة عازلة للفهم، إذ حصروا فهم بعض المصطلحات الّتي يترنّم بها هؤلاء من الحقّ فيزيدون معها مائة كذبة كفعل الكهّان ..

فتجد أولئك ينكرون الباطل في الأصل لكن يعتدون فينكرون معه ما في هذه المسائل من الحقّ، وأولئك يردّون عليهم بإثبات ذلك الحقّ الّذي عندهم غير منتهين عن بالباطل الّذي زادوه بل قد يجعلون دليل صحّة ما معهم ذلك الحقّ الّذي أنكروه عليهم، فكأنّهم يقولون بل يقولون : هؤلاء ينكرون الحقّ فلا تعجبوا من أن ينكروا علينا هذا الّذي نقول ويشيرون بأصابعهم للباطل الّذي معهم عند هذا أكثر من إشارتهم للحقّ .

ومن أمثلة هذه المسائل الحاوية لتناقضات موهومة :


1- (حرّيّة التّفكير والقناعة/التّسليم للأعلم والأحكم) : وقد تكلّمت فيه مرّات ومرّات، وبيّنت أنّ التّسليم للأعلم والأحكم في محلّه لا يعني أنّك مقلّد بهيمة تساق من عنقك بل هو علامة ودليل على كونك حرّا مختارا في فكرك واحترام لعقلك وفهمك إذ ما من عالم فاهم إلّا وهو يسلّم فيما لا يعلم لمن يعلم، وأنّ حرّيّة التّفكير والقناعة ليست زندقة وهرطقة وبدعة بل عامّة المهرطقين الزّنادقة المبتدعين هم مأسورو الفكر عبيد الأفكار المغلقة المسطّحة، ولا يعرف دين دعى لحرّيّة الفكر والنّظر والتّدبّر كهذا الدّين العظيم .


2- (الحرّيّة/العبوديّة): وهذا قريب من الأوّل ، ولا تعارض البتّة بينهما بل أعلى أنواع الحرّيّة هي العبوديّة لله وحده، إذ الحرّيّة المطلقة جنون وسخف في العقل، ونفيها مطلقا دناءة في النّفس ودونيّة .


3- (مفهوم سيادة الأمّة/مفهوم تطبيق الشّريعة) : وهذان مضروب بينهما تناقض موهوم يصل إلى حدّ التّكفير، مع أنّ أقلّ تبصّر ينفي هذا التّعارض الخياليّ، فهل يمكن للأمّة تطبيق الشّريعة بشمولها وكمالها مع الاستمراريّة والأمن بغير سيادة؟ وهل السّيادة يلزم منها أن تنافي ربوبيّة الخالق وحاكميّته ؟ وهل تطبيق الشّريعة يلغي سيادة الأمّة وريادتها ؟

لكنّ الأكثرين يحملون خلفيّة يريدون إسقاطها حتّى على الحقّ الموجود في هذه المفاهيم فيريدون أن يلغوها جملة باطلها وحقّها .


4- الولاء والبراء/حسن معاملة الكفّار والعدل معهم : وكأنّ البراء ضدّ للعدل والإحسان في المعاملة، وكأنّه ليس في ديننا أنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء، وكأنّ قتال المحارب ليس من الإحسان، وكأنّ القتل لا يكون مع الإحسان فيه، وكأنّ الحرب ليس فيها أخلاق لم تعرف البشريّة دينا ضبطها وفصّلها خيرا من هذا الدّين ؟ …


5- (التّجديد/حفظ الثّوابت): وكأنّه لا تجديد حتّى نخلخل الثّوابت ونلعن تراثا لم نقرأه أصلا أو إن قرأنا أفسدناه بالعجمة وقلّة الفهم البائسة ، وكأنّه لا يمكن حفظ الثّوابت إلّا بإدخال المتغيّرات فيها أيضا وجعلهما كأنّهما واحد وغلق باب الاجتهاد حتّى على المتأهّلين له إلى أن يتجاوزنا التّاريخ …


6- (الثّبات/التّراجع عن الخطأ): مع أنّه لو فهم أنّ الحقّ قديم لا ينقضه شيء وأنّ الثّبات لا يكون إلّا على الحقّ، وأنّ الحقّ هو ما لاح برهانه ودليله لا ما ورثناه أو تلقّيناه تقليدا بلا تمحيص، لما كان هناك تعارض أصلا، فالتّحوّل إلى الحقّ حقّ والثّبات على الباطل باطل، والثّبات على الحقّ حقّ، والتّحوّل إلى الباطل باطل، والعبرة بالدّليل والبرهان، أمّا مدح الثّبات لكونه ثباتا وذمّ التّحوّل لكونه تحوّلا فباطل .


7- (النّهي عن المنكر / ترك الوصاية على النّاس ) وكأنّه لا يؤمر بمعروف وينهى عن المنكر إلّا بالفوقيّة والتّسلّط ومخاطبة النّاس كاّننا أرباب بأيدينا مفاتيح الجنّة والنّار فنحن نقسّمها .

وكأنّ ترك الوصاية على النّاس ترك للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، مع أنّ أقوى أمر بمعروف هو تغذية الرّقيب الدّاخليّ وتقوية واعظ الله في صدور المؤمنين … وإلّا فمتى أفلح الاستبداد في تحويل النّفوس والأفكار ؟!

لكنّه الخور في الجاهليّة والتّجبّر في الإسلام لا أكثر .


8- الثّقة بعون الله ومدده / اتّخاذ الأسباب ) : والقاعدة أنّ التّوكّل على الأسباب شرك، وترك الأسباب معصية، ونفي الأسباب جنون … لكنّك لا تكاد ترى إلّا معرضا عن الأسباب متعلّقا بالغيب وأوهام النّصر النّازل بلا جهد كما لو كان من (الإلة إلى الآلة) في مسرح الإغريق، أو متعلّقا بالأسباب ضاربا الصّفح عن سنّة الله الكونيّة والشّرعيّة في نصر أوليائه المؤمنين ، فإمّا تواكل وإمّا إرجاف.


وغير هذا كثير كثير … نسأل الله أن يفرّج عنّا ..


ربّ يسّر وأعن!

04/2015

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × خمسة =