فؤاد أبو الغيث : سورة الكافرون ليست للأخذ بمبدأ التعايش

a8d09 25d9258125d825a425d825a725d825af2b25d825a325d825a825d925882b25d825a725d9258425d825ba25d9258a25d825ab
فؤاد أبو الغيث : سورة الكافرون ليست للأخذ بمبدأ التعايش

الجمعة, 24 يوليو 2009

فؤاد أبو الغيث
قال زيد بن علي الفضيل في مقاله الذي نشر في الرسالة بعنوان التقارب والتعايش منهجان قررهما الله وليس الفقهاء عن سورة الكافرون: (بهذه السورة المكية الكريمة قرر الله للمسلمين الأخذ بمبدأ التعايش السلمي، المرتكز على سمات وقواعد الأخلاق الإنسانية في التعامل وتدبير الحياة المعاشة، مع مختلف الكفار المشركين من غير أهل الكتاب، وبالتالي فلا يصح القول مطلقا في هذا الإطار، بأن سورة الكافرون كانت خاصة بطبيعة التعامل مع الآخر حين كان المسلمون في مكة، وكانوا في أضعف حال، وأبسط قوة، لكن الأمر قد تغير مع ازدياد قوة المسلمين ومنعتهم، وبالتالي فقد تغير الحكم وطبيعة التعامل المعاش بشكل مطلق وكلي مع الآخر المشرك، منطلقين من فهمهم الخاص كذا، ((والأنسب أن يقال: انطلاقًا من فهم خاص؛ لأنه ذكر القول مجردًا)) لبعض آيات القرآن الكريم الحاضة على قتال المشركين، وهو أمر لم يتفق معهم فيه تفسيرا الكثير من أئمة المسلمين وعلمائهم ((كذا، والأنسب أن يقال: الكثير من أئمة المسلمين وعلمائهم على خلافه)) من جانب، كما أن في ذلك القول اتهام للخطاب القرآني بالنفعية «البراغماتية»، وقطعا فإن ذلك مرفوض كليا، وغير مقبول البتة، ولا يقبله أي صاحب نظر وتدبر، فالقرآن كما نؤمن منهج حياة، وليس كتابا تكتيكيا، وبالتالي فإن الخطاب فيه قد جاء ليقرر طبيعة وأسلوب التعايش مع كل المخالفين من الكفار، على مختلف الأزمان والمراحل، وإلى أن يرفع الله ((كذا)) الأرض ومن عليها).
وكلامه يثير إشكالات منها أنه قد يفهم من العنوان -إن كان هو من عنون مقاله- أن الفقهاء لم يقرروا منهجي التقارب والتعايش؛ إما لعدم علمهم بهما، أو أنهم علموا بهما، ولكنهم خالفوهما، ومنها أنه قد يفهم من العنوان أيضًا أن التقارب والتعايش منهجان قررهما الله وليس الفقهاء فقط، وكأن الأصل أن الفقهاء يقررون أشياء لم يقررها الله سبحانه وتعالى أو خلاف ما قرره الله سبحانه وتعالى، ومنها أنه أشار إلى بعض آيات القرآن الكريم الحاضة على قتال المشركين، ولم يبين مفهومها، ومتى يعمل بها، والعلاقة بينها وبين الخطاب القرآني في سورة الكافرون خاصة، الذي قرر -كما قال الكاتب- الأخذ بمبدأ التعايش السلمي مع كل المخالفين من الكفار، على مختلف الأزمان والمراحل. وبالتالي لا يمكن فهم الأمر الذي لم يتفق فيه تفسيرًا أصحاب القول المذكور والكثير من أئمة المسلمين وعلمائهم، فضلاً عن معرفة من هم هؤلاء وأولئك؟!
وسورة الكافرون ليس فيها تقرير الأخذ بمبدأ التعايش السلمي مع كل المخالفين من الكفار، على مختلف الأزمان والمراحل. وإنما فيها نفي أن يعبد الرسول والمؤمنون غير الله، فهو لا يعبد ما يعبده أحد من الكفار؛ لا مشركي العرب، ولا غيرهم من المشركين والكفار؛ أهل الكتاب؛ لا اليهود ولا النصارى ولا غيرهم من أصناف الكفار، ولا يعبد الملائكة، ولا غير ذلك مما عبد من دون الله؛ فقول الكاتب إن الخطاب للمشركين بالله غير أهل الكتاب؛ العابدين للأصنام وما ماثلها خطأ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسير سورة الكافرون: النصارى مشركون يعبدون الله ويشركون به، وأما اليهود فلا يعبدون الله بل هم معطلون لعبادته مستكبرون عنها كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم استكبروا ففريقا كذبوا وفريقا يقتلون. بل هم متبعون أهواءهم عابدون للشيطان. فالنبي والمؤمنون لا يعبدون ما تعبده اليهود. وهم وإن وصفوا الله ببعض ما يستحقه فهم يصفونه بما هو منزه عنه. وليس في قلوبهم عبادة له وحده. فإن ذلك لا يكون إلا لمن عبده بما أمره به. والسورة لم يقل فيها: “يا أيها المشركون” حتى يقال فيها إنها إنما تناولت من أشرك. بل قال (يا أيها الكافرون) فتناولت كل كافر سواء كان ممن يظهر الشرك أو كان فيه تعطيل لما يستحقه الله واستكبار عن عبادته. والتعطيل شر من الشرك، وكل معطل فلا بد أن يكون مشركاً. والنصارى مع شركهم لهم عبادات كثيرة، واليهود من أقل الأمم عبادة وأبعدهم عن العبادة لله وحده. لكن قد يعرفون ما لا تعرفه النصارى لكن بلا عبادة وعمل بالعلم؛ فهم مغصوب عليهم، وأولئك ضالون. وكلاهما قد برأ الله منهم ورسوله والمؤمنين.
وفي هذه السورة كذلك نفي كون الرسول قابلاً لعبادة غير الله، ففيها نفي الوقوع ونفي الإمكان الشرعي أيضاً، وإخلاص العبادة لله وحده.
وذكر شيخ الإسلام في الفتاوى (28/526): أن وزير التتار الملقب بالرشيد صنف مصنفًا؛ مضمونه أن النبي صلى الله عليه وسلم رضي بدين اليهود والنصارى، وأنه لا ينكر عليهم، ولا يذمون، ولا ينهون عن دينهم، ولا يؤمرون بالانتقال إلى الإسلام. واستدل الخبيث الجاهل بقوله: (قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين)، وزعم أن هذه الآية تقتضي أنه يرضى دينهم قال: وهذه الآية محكمة؛ ليست منسوخة. وجرت بسبب ذلك أمور. ومن المعلوم أن هذا جهل منه. فإن قوله: (لكم دينكم ولي دين) ليس فيه ما يقتضي أن يكون دين الكفار حقًا، ولا مرضيًا له ؛ وإنما يدل على تبرؤه من دينهم؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في هذه السورة: (إنها براءة من الشرك)، كما قال في الآية الأخرى: (وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون) ؛ فقوله: (لكم دينكم ولي دين) كقوله: (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم)، وقد اتْبَع ذلك بموجبه ومقتضاه حيث قال: (أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون). ولو قدر أن في هذه السورة ما يقتضي أنهم لم يؤمروا بترك دينهم؛ فقد علم بالاضطرار من دين الإسلام بالنصوص المتواترة وبإجماع الأمة أنه أمر المشركين وأهل الكتاب بالإيمان به، وأنه جاءهم على ذلك، وأخبر أنهم كافرون يخلدون في النار.
كما أن قوله: (لكم دينكم ولي دين) ليس فيه ما يقتضي أن لا يؤمروا بترك دينهم، وأن لا يُظْهر الإسلام على دين المشركين والكفار، ويحكم به عليهم من غير إكراه لهم على الدخول فيه.
والقول بأن قتال المشركين شُرِع لما صار للمسلمين قدرة ودار ومعقل يلجئون إليه؛ ليس فيه نفعية “براغماتية”؛ لأن القتال ليس فيه منفعة دنيوية للمقاتل، كما أن ترك القتال في بداية الأمر لم تكن فيه منفعة مطلقة للمؤمنين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (15/170): الجهاد مقصوده أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله؛ فمقصوده إقامة دين الله لا استيفاء الرجل حظه؛ ولهذا كان ما يصاب به المجاهد في نفسه وماله أجره فيه على الله؛ فإن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة حتى إن الكفار إذا أسلموا أو عاهدوا لم يضمنوا ما أتلفوه للمسلمين من الدماء والأموال؛ بل لو أسلموا وبأيديهم ما غنموه من أموال المسلمين كان ملكًا لهم عند جمهور العلماء: كمالك وأبي حنيفة وأحمد، وهو الذي مضت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين.
وقول الكاتب: (القرآن كما نؤمن منهج حياة، وليس كتابا تكتيكياً) فيه تناقض؛ لأن التكتيك بمعنى التخطيط، والتخطيط والمنهج متلازمان؛ فنفيه التكتيك والبراغماتية عن القرآن لا يحق حقًا ولا يبطل باطلاً؛ لأن التكتيك والبراغماتية عبارتان مجملتان؛ تتضمنان حقًا وباطلاً؛ فإذا أراد بنفيه التكتيك والبراغماتية عن القرآن نفي أن يكون في النهي عن القتال والأمر به حكمة، وإنكار تغير الحكم بتغير الأحوال؛ كان نفيهما باطلاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يخلق ولم يأمر ولا يُقَدِّر ولا يفعل شيئًا إلا لحكمة، ولا ينكر تغير الحكم بتغير الأحوال، كما هو مقرر في قواعد الشريعة.
لم يبين الكاتب الغاية من مناقشة منطلقات كل اجتهاد فقهي

الجمعة, 31 يوليو 2009
فؤاد أبو الغيث
ثم انتقل الكاتب إلى المحور الآخر في مقاله حيث قال : ( أما من كان مؤمنا بالله ، ملتزما بكتاب سماوي ، كما هو الحال مع أهل الكتاب بوجه خاص من المسيحيين واليهود والصابئة ، فقد حث الله في محكم كتابه على تفعيل خاصية وآليات حوار التقارب معهم ، باعتبار وجود المنصة المشتركة التي يمكن الاتكاء عليها ، وتعزيز لبناتها، والركون إلى منطلقاتها الإيمانية بالحد الأدنى، وصدق الله القائل في محكم كتابه (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) (آل عمران: 64) والدعوة هنا واضحة إلى تفعيل آليات التقارب في الحوار، التي تستند على أسس إيمانية مشتركة، كما أن هذه الدعوة القرآنية ليست محصورة بعهد محدد، أو خاصة بالخطاب النبوي فقط، وإنما هي مطروحة للتفاعل المستدام -إن جاز استخدام هذا اللفظ- على اعتبار أن القرآن الكريم عابر بحكمته ومعجزه، كذا أوامره ونواهيه، للزمان والمكان).
ونقدًا لهذا الكلام يقال: لا يكون مؤمنًا بالله من يسب الله، ويصفه بما هو منزه عنه، ومن يقول: إنه ثالث ثلاثة، وإنه صلب، ولا يؤمن برسله. بل يزعم أن الذي حمل وولد، وكان يأكل ويشرب ويتغوط وينام: هو الله وابن الله، وأن الله أو ابنه حل فيه وتدرعه، ويجحد ما جاء به محمد خاتم المرسلين. ولا يكون ملتزمًا بكتاب سماوي من يحرف نصوص التوراة والإنجيل.
وهذا هو حال أهل الكتاب من النصارى -كما سماهم الله تعالى في القرآن، وقد سماهم الكاتب المسيحيين- واليهود؛ فأين توجد المنصة المشتركة التي يمكن الاتكاء عليها، وتعزيز لبناتها، والركون إلى منطلقاتها الإيمانية بالحد الأدنى؟!
وقد أمر الله تعالى بأن ندعوهم إلى توحيده، والبراءة من كل معبود سواه ؛ فلا نشرك به شيئًا ؛ فإن أعرضوا عنه ؛ فلم يجيبونا إليه ؛ أمر أن نقول لهم (اشهدوا بأنا مسلمون)، كما قال أبو جعفر ابن جرير الطبري (ت 310هـ) في تفسير الآية التي ذكرها الكاتب، وهي كقوله تعالى : (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) ؛ ففي هذه المجادلة -كما في تلك الدعوة- يذكر المسلم ما يبين الحق الذي معه والباطل الذي معهم، وهو ما لم يتضمنه تفسير الكاتب ؛ فقد فسر الآية بأنها دعوة إلى تفعيل آليات التقارب في الحوار دون أن يبين معنى هذا الحوار والغاية منه.
خلص الكاتب بعد ذلك إلى الكلام عن التقريب بين المذاهب الإسلامية، فقال : (وبالتالي فلا إشكال جوهري حين إقرار الدعوة إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية حال مداولة الحوار البيني في العديد من المجامع والمؤتمرات، وما التشنج في رفض ذلك والإقرار به [كذا، ولا يتبين معناه] من علمائنا الكرام، إلا من باب الفهم الخاطئ لمفهوم التقارب في تصوري، ذلك أن التقارب المطلوب لا يقتضي الوصول إلى المطابقة والتوافق المطلق، وإنما يقتضي الالتزام بأدبيات الفهم الحقيقي لحيثيات ومنطلقات كل اجتهاد فقهي، أو رأي أصولي عند الفريق الآخر، ومناقشتها بعد ذلك وفق الأسس العلمية والمنهجية المقررة، دون تشنج أو تعصب، ودون تفسيق أو تكفير، فمساحة المشترك الإيماني والفقهي بين مختلف المذاهب الإسلامية من سنة وشيعة، أكبر بكثير من مساحة المختلف فيه، وما أحوجنا كأمة إسلامية إلى تدبر ثنايا تلك المشتركات في خطابنا الديني، ونبذ الانغماس في تفاصيل تفاصيل المختلف فيه، متذكرين في هذا الباب تلك المقولة الشهيرة الناصة على أن «الشيطان يكمن في التفاصيل»، فهل لنا من سبيل إلى محاربته ووحدة الكلمة؟).
ولم يبين الكاتب الغاية من مناقشة حيثيات ومنطلقات كل اجتهاد فقهي، أو رأي أصولي عند الفريق الآخر؛ وفق الأسس العلمية والمنهجية المقررة؛ فما الحكم الذي يمكن أن تنتهي إليه مناقشة تلك الحيثيات والمنطلقات إذا تبين أنها باطلة وغير سائغة أو مخالفة لنص قطعي الثبوت والدلالة أو مخالفة لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من كل وجه؟!
ولم يجز التفسيق والتكفير، ولم يعلل ذلك بأن التفسيق والتكفير ليسا إلى رأي أحد، وإنما ذلك إلى الله ورسوله؛ فمن حكم الله ورسوله بأنه فاسق فهو فاسق، ومن حكم الله ورسوله بأنه كافر فهو كافر، وما حكم الله ورسوله بأنه فسق فهو فسق، وما حكم الله ورسوله بأنه كفر فهو كفر، ومن حكم بما حكم به الله ورسوله فقد حكم بالحق، وأن تفسيق المعين وتكفيره لابد له من توفر شروط وانتفاء موانع..
والظاهر أن مساحة المختلف فيه بين أهل السنة والشيعة أكبر بكثير من مساحة المشترك الإيماني والفقهي؛ بعكس رؤية الكاتب، حتى قال أحد الباحثين في مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة في خاتمة بحثه: كيف يمكن التقارب مع من: يطعن في كتاب الله، ويفسره على غيره تأويله، ويزعم تنزل كتب إلهية على أئمته بعد القرآن الكريم، ويرى الإمامة نبوة، والأئمة عنده كالأنبياء أو أفضل، ويفسر عبادة الله وحده، والتي هي رسالة الرسل كلهم ؛ بغير معناها الحقيقي، ويزعم أنها طاعة الأئمة، وأن الشرك بالله طاعة غيرهم، ويكفر خيار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحكم بردة جميع الصحابة إلا نفراً، ويشذ عن جماعة المسلمين بعقائد في الإمامة والعصمة والتقية ويقول بالرجعة والغيبة والبداء؟!!

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

13 − اثنا عشر =