الزواج المبكر حكمه في الشريعة الإسلامية ـ خلفيات ودوافع الحرب عليه

9c121 shof 92a557ba56216c6

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

إن من عظمة هذا الدين أنه لم يجعل اعتناقه والانتساب إليه، إلا عن رضا وقناعة ابتداء، وبمحض إرادة الإنسان، قال تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[1] ، بخلاف السياسات الغربية والأممية، التي تريد إجبار المسلمين على العيش بنمط حياتهم، الذي يتعارض مع ديننا وعقيدتنا وخصوصيتنا، ويضعون العالم الإسلامي بين خيارين لا ثالث لهما، حيث يقول المفكر الغربي (فوكوياما) -في إحدى مقالاته المنشورة في صحيفة (النيوزويك) في ديسمبر 2001م-: ” إن الإسلام هو الحضارة الرئيسية الوحيدة في العالم، التي لديها بعض المشاكل الأساسية مع الحداثة الليبرالية “.
ويضع (فوكوياما) المجتمع الإسلامي أمام خيارين لا ثالث لهما؛ فيقول: ” فإما أن يتصالح مع قيم تلك الحداثة …. وإما الدمار”.
هذه هي العقلية التي يتعامل بها الغرب مع شعوب العالم عامة، والعالم الإسلامي بصفة خاصة، إنها -بوضوح شديد- عقدة الاستعلاء والهيمنة الحضارية، التي تجعل من التمرد على الأخلاق، وإلغاء مؤسسة الأسرة والزواج، وإشاعة الزنا والفاحشة والإجهاض، وكل ألوان الشذوذ الجنسي والانحراف الأخلاقي، تجعل ذلك كله قيماً إنسانية نبيلة، تستحق أن تكون ثقافة أممية مشتركة تسود العالم.
يريد أعداء الإسلام ألا يتركوا لنا شيئاً في حياتنا إلا ويفرضون ثقافتهم ونموذجهم عليه، في جميع الجوانب الاجتماعية والثقافية وغيرها؛ حتى وصل الأمر إلى مرحلة لم نكن نتوقعها ونتخيلها، ومن ذلك قوانينهم في الأحوال الشخصية، ومنها تحديد سن الزواج، فهم الذين يحددون لنا متى نتزوج؟ ومتى نطلق؟ وكيف وكم ننجب من الأولاد؟
وهذا الوضع لم تمر به الأمة في أي مرحلة من مراحل تاريخها .
لا يريد أعداء الإسلام منا أن نعيش بخصوصيتنا، المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل يريدون منا أن نجعل مرجعيتنا -وخاصة في الجوانب الاجتماعية والثقافية- هي (اتفاقية السيداو) و(مؤتمر بكين) و(مقررات الأمم المتحدة) التي يقف وراءها اليهود والشواذ جنسياً، كما صرحت بذلك البرفسورة (كاثرين فورت)، ويفرضونها عبر القروض، و(المساعدات) و(تقارير حقوق الإنسان) .
والأعجب من ذلك أن نجد من أبناء المسلمين من يشارك الأعداء تنفيذ مخططاتهم ومؤامراتهم، مستفيدين من الإعلام الرسمي، والمال العام، ونفوذ المنظمات الأجنبية الداعمة، يساعدهم في ذلك بعض المغفلين من الصالحين، الذي يفترضون في عدوهم الغباء والسذاجة، وفي أنفسهم الذكاء والفطنة، بحجة الاستفادة من دعم تلك الجهات والمنظمات؛ فيقعون في شراك تلك المؤامرة وتنفيذها، ولو بمجرد عملية تجميل ووضع المساحيق لذلك الوجه القبيح، القادم من بلاد (العم سام).
يملأون ساحتنا كل مرة بالضجيج، حول قضية من القضايا التي تشغلنا عن كثير من أولوياتنا، ومن آخر هذه القضايا (الزواج المبكر).
فما موقف الشريعة من الزواج المبكر؟ ولماذا الحرب عليه؟ ومن يقف وراء هذه الحملة الشعواء عليه؟ وهل للزواج المبكر فوائد أو لا؟
هذا ما سنجيب عليه من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول:
الشريعة الإسلامية والزواج المبكر
لقد حثت الشريعة الإسلامية على المسارعة في الزواج؛ لما فيه من تحصين للفروج، وحماية المجتمع من الفاحشة والرذيلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:”يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء”[2] .
ولذا فإن للشريعة مقاصد تهدف لتحقيقها من وراء الحث على الزواج منها:
1. إعفاف المرء نفسه وزوجه عن الوقوع في الحرام.
2. حفظ النوع الإنساني.
3. حفظ الأنساب.
4. حفظ النسل ورعايته.
5. ارتياح النفس وسعادتها واستقرارها.
ولكننا رغم هذا نسمع أصوات منادية اليوم بتأخير سن الزواج، رغم ما تمارسه وسائل الإعلام المختلفة من شب نار الشهوات وتأجيج سعارها، ورغم ما نسمع من تزايد عدد العوانس في المجتمع الإسلامي، نتيجة تأخير سن الزواج، يرفعون أصواتهم بذلك وينادون به، معتمدين على مؤتمرات الأمم المتحدة ومقرراتها، التي جعلوها هي المرجعية بدلاً من الكتاب والسنة، وإذا ظفروا بحالة زواج مبكرة فاشلة أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، يقومون بالاصطياد في الماء العكر، عبر الشنشة في وسائل الإعلام المختلفة، عن بعض حالات الزواج المبكر، التي لم يكن سبب فشلها هو الزواج المبكر، وإنما أسباب أخرى، قد تكون مادية أو أسرية أو توعوية.
أو ما تعرضه وسائل الإعلام من علاقات مثالية؛ فيشوهون بذلك صورة المجتمع الإسلامي أمام المجتمعات الأخرى، يعتبرون الزواج المبكر قبل سن الثامنة عشرة -بحسب مواثيقهم واتفاقياتهم- نوعاً من أنواع العنف ضد الطفلة، فهل مارس النبي صلى الله عليه وسلم العنف عندما تزوج بعائشة ـ رضي الله عنها ـ وهي صغيرة، وعندما زوج فاطمة بعلي وهي صغيرة، وكذلك الإمام علي –رضي الله عنه- عندما زوج أم كلثوم وهي صغيرة، والزبير وغير واحد من الصحابة .
إننا كمسلمين مرجعيتنا في جميع شئون الحياة هو كتاب الله، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة الكرام، ومن اقتدى بهديهم، وليست تلك الاتفاقيات والقرارات الغربية، التي قال الله عن أصحابها:
{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[3]؛ فيجب علينا الرجوع إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فما حكم الشريعة في زواج الصغيرة؟
أولاً: لابد أن نفرق بين مسألتين مهمتين، قد يكثر الخلط بينهما، وهما:
1. مسألة جواز العقد على الصغيرة.
2. مسألة جواز الوطء.
إن جواز العقد على الصغيرة لا يستلزم منه جواز وطئها إذا لم تكن صالحة للوطء، فلا توطأ إلا إذا كانت تتحمل ذلك، وهذا هو ما قررته الشريعة المباركة .
أدلة جواز زواج الصغيرة:
لقد دلت النصوص من الكتب والسنة، وإجماع علماء الأمة، على جواز زواج الصغيرة، وسنستعرض الأدلة على ذلك:
أولاً: الأدلة من القرآن الكريم:
· قال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}[4] .
فالآية ذكرت ثلاثة أصناف من النساء: الكبيرة التي انقطع حيضها، والصغيرة التي لم تحض بعد، والحامل.
فعدة الأولى والثانية ثلاثة أشهر، والثالثة حتى تضع حملها .
وفي هذه الآية دلالة واضحة من كتاب الله تعالى على صحة زواج الصغيرة التي لم تبلغ، ولو كان زواج الصغيرة غير جائز لما ذكر المولى جل وعلا لها عدة في الآية؛ فقال: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} أي: الصغيرات .
قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: “… وكذا الصغار اللائي لم يبلغن سن الحيض عدتهن كعدة الآيسة ثلاثة أشهر؛ ولهذا قال تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}”[5].
وقال القرطبي -رحمه الله تعالى-: ” قوله تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} يعني: الصغيرة؛ فعدتهن ثلاثة أشهر”[6] .
وقال الإمام الشوكاني -رحمه الله تعالى-: ” في قوله تعالى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} لصغرهن وعدم بلوغهن سن المحيض، أي: فعدتهن ثلاثة أشهر”[7] .
وقال الواحدي -رحمه الله تعالى- : ” في قوله تعالى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} يعني: الصغار”[8].
· قوله تعالى : {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً}[9].
فورد في الآية ذكر {يَتَامَى النِّسَاءِ} و{ترغبون أن تنكحوهن}، فمعنى {يَتَامَى النِّسَاءِ} أي: الصغيرة غير البالغة؛ إذ أن اليتيم يكون قبل البلوغ، وقوله تعالى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} يدل على مشروعية نكاح الصغيرة بشرط العدل والقسط في مهرها، كما ورد في الآية.
· قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}[10].
قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في تفسير هذه الآية، عندما سألها عنها ابن أختها عروة بن الزبير فقالت: “يا ابن أختي! هي اليتيمة تكون في حجر وليها، تشاركه في ماله؛ فيعجبه مالها وجمالها؛ فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها؛ فيعطها مثل ما يعطيها غيره؛ فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق”[11] .
ثانياً: الأدلة من السنة:
عن عائشة -رضي الله عنها-: “أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين، وأدخلت عليه وهي بنت تسع، ومكثت عنده تسعاً”[12].
عن عروة بن الزبير –رضي الله عنه- قال: “توفيت خديجة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين، فلبث سنتين أو قريباً من ذلك، ونكح عائشة وهي بنت ست سنين، ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين”[13] .
وزوج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة -رضي الله عنها- بعلي –رضي الله عنه- وعمرها خمسة عشر سنة وخمسة أشهر[14].
وزوج علي –رضي الله عنه- ابنته أم كلثوم -رضي الله عنها- بعمر بن الخطاب –رضي الله عنه- وهي جارية لم تبلغ[15].
وأخرج عبد الرزاق أن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- زوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- وقد ولدت له قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم، وتزوجها عمر –رضي الله عنه- وهي صغيرة لم تبلغ بعد[16] .
وزوج الزبير –رضي الله عنه- ابنة له صغيرة[17].
وقال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-: ” وزوج غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته صغيرة ..”[18] .
ثالثاً: الإجماع:
أجمع علماء الأمة على جواز تزويج الصغيرة، ولم يخالف في ذلك أحد، قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: “أجمع المسلمون على جواز تزويجه ( الأب ) ابنته الصغيرة …” [19].
وقال المهلب ابن أبي صفرة -رحمه الله تعالى-: “أجمعوا أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر، ولو كان لا يوطأ مثلها”[20].
وقال ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-: ” أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة … “[21] .
وقال ابن المنذر -رحمه الله تعالى-: ” أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته الصغيرة جائز إذا زوجها من كفء ” .
وقال ابن بطال -رحمه الله تعالى-: “أجمع العلماء أنه يجوز للآباء تزويج الصغار من بناتهم وإن كن في المهد، إلا أنه لا يجوز لأزواجهن البناء بهن إلا إذا صلحن للوطء واحتملن الرجال، وأحوالهن في ذلك تختلف في قدر خلقهن وطاقتهن”.
وقال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: “وأما الإناث فللأب تزويج ابنته البكر الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين بغير خلاف إذا وضعها في كفاءة “[22] .
وبهذا يلاحظ أن تزويج الصغيرة جائز بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة، فهل تريد الأمم المتحدة اليوم ولجنة مركز المرأة في الأمم المتحدة، التي يقف على رأسها الفئات الثلاثية، أعداء الإنجاب والسكان -الذين يزعجهم كثرة مواليد المسلمين- والأنثوية المتطرفة ( الوثنية النسوية ) والشاذون جنسياً، هل يريدون أن يتدخلوا في إبطال أحكام الشريعة بتحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله؟ وقد قال الله عنهم: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}[23]، وقال تعالى: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً}[24]، وقال تعالى: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}[25].
إنهم يصادمون كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويريدون أن يخرقوا إجماع الأمة .
إن الشريعة لا تقبل خرق الإجماع، ولو كان صادراً من أكبر علماء الإسلام، إذا انعقد الإجماع وانقرض عصر المجمعين، فكيف نقبل خرق الإجماع ومعارضة الأحكام الشرعية من اليهود والنصارى؟
[1] سورة البقرة الآية : 256 .
[2] أخرجه مسلم 2 / 1018 حديث رقم : ( 1400 ) .
[3] سورة البقرة الآية : 105 .
[4] سورة الطلاق الآية : 4 .
[5] 4 / 489 .
[6] 18 / 145 .
[7] فتح القدير 5 / 339 .
[8] الوجيز 1 / 1108 .
[9] سورة النساء الآية : 127 .
[10] سورة النساء الآية : 3 .
[11] أخرجه البخاري 2 / 883 حديث رقم : ( 2362 ) .
[12] أخرجه البخاري 5 / 1973 حديث رقم : ( 4840 ) .
[13] أخرجه البخاري 3 / 1415 حديث رقم : ( 3683 ) .
[14] أسد الغابة 1 / 1395.
[15] الطبقات الكبرى 8 / 463 .
[16] أخرجه عبد الرزاق في المصنف وابن سعد في الطبقات .
[17] أخرجه سعيد بن منصور في سننه ، وابن أبي شيبة في المصنف بإسناد صحيح .
[18] كتاب الأم .
[19] شرح النووي على صحيح مسلم 9 / 217 .
[20] فتح الباري 10 / 239 .
[21] الاستذكار 16 / 49 ، 50 .
[22] الشرح الكبير 20 / 119 .
[23] سورة النساء الآية : 89 .
*****
(الحلقة الثانية)
المبحث الثاني
وقت زفاف الصغيرة
إن خطأ المنظمات الأجنبية وعلى وجه الخصوص الأمم المتحدة ولجانها، أنهم يريدون أن يجعلوا جواز العقد مستلزما جواز الوطء، ولو لم تكن الأنثى صالحة لذلك، بينما الشريعة الإسلامية تفرق بين جواز الوطء وجواز العقد؛ فلا توطأ إلا إذا كانت صالحة للوطء، وتتحمل دخول الرجال عليها .
ولذا نقول: إن جواز العقد على الصغيرة في الإسلام لا يستلزم منه جواز الوطء، ولا تزف الصغيرة إلى زوجها إذا كانت غير صالحة لذلك وغير محتملة له، قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: ” وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها، فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة عمل به …” فاشترط في الزفاف “عدم الضرر” .
وذكر الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: أنه إن اختلف الزوج والولي في وقت الزفاف، أن مالك والشافعي وأبا حنيفة جعلوا حد ذلك أن تطيق الجماع منعاً للضرر، فقال -رحمه الله تعالى-: ” وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حد ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يضبط بسن، وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع، ولا الأذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعاً، قال الداودي: وكانت عائشة -رضي الله عنها- قد شبت شباباً حسناً”.[1]
ولذا لا يلزم من جواز تزويج الصغيرة جواز وطئها إذا كانت غير صالحة للوطء، ولذا تأخر دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها .
ومزيداً من الحرص على الصغيرة، اشترط الجمهور والشافعي والثوري ومالك وأحمد وابن أبي ليلى وأبو ثور وأبو عبيد أن يكون أمر تزويج الصغيرة للأب أو الجد، ولا يجوز أن يزوجها غيرهما؛ لعظيم حرص الأب والجد على مصلحة الصغيرة في اختيار الزوج الكفء، الذي تقدم لخطبتها.[2]
وقال الإمام ابن بطال -رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر الإجماع على جواز زواج الصغيرة: “… إلا أنه لا يجوز لأزواجهن البناء بهن إلا إذا صلحن للوطء واحتملن الرجال، وأحوالهن تختلف في ذلك على قدر خَلقهن وطاقتهن”.[3]
فالبناء الجسماني يختلف من أنثى لأخرى، وتحمل الوطء يختلف من أنثى لأخرى.
المبحث الثالث
فوائد الزواج المبكر
إن الذي خلق المرأة جعل الحيض علامة ودليلاً على استعداد المرأة للحمل وللحياة الزوجية، وهو إحدى علامات البلوغ، التي تصبح المرأة به مخاطبة بالتكاليف الشرعية، ومؤهلة للحياة الزوجية، هذا بالإضافة إلى أن سن البلوغ يختلف من أنثى إلى أخرى، وما من حكم شرعي إلا ومن ورائه مصلحة للناس؛ فما هي الفوائد المترتبة على الزواج المبكر؟
لقد أثبتت الدراسات العلمية أن للزواج المبكر فوائد كثيرة، تعود على المرأة وعلى المجتمع، نذكر منها ما يلي:
1- الإنجاب المبكر يعد إحدى الوسائل للوقاية من سرطان الثدي، يقول الطبيب (ستانوي): “إن على المرأة من الناحية البيولوجية أن تبدأ الحمل خلال سنوات قليلة بعد سن البلوغ، قد تبين أن إنجاب المرأة لأول طفل من أطفالها في سن مبكرة تحت العشرين، هو أحد أهم وسائل الوقاية من سرطان الثدي”.[4]
2- الحمل المبكر مشاكله أقل من مشاكل الحمل بعد العشرين، يقول الطبيب (ديفيد هارتلي) في بحثه على حالات حمل وولادة تمت في سن ما بين (12 ـ 17 ) سنة “أن مشاكلها في هذه السن كانت أقل من حالات الحمل بعد العشرين إلى الخامسة والعشرين”.[5]
3- الحمل والإنجاب المتأخر يسبب أمراضاً ومضاعفات للأم، حيث أثبتت الأبحاث الطبية، أن الأم التي تحمل لأول مرة في سن الثلاثين قد تحدث لها مضاعفات، منها: التعرض للعملية القيصرية، تسمم الحمل، ارتفاع في ضغط الدم يؤثر على الكلى.[6]
4- الإنجاب المتأخر يعرض الأولاد للتشوهات الخلقية، إن تأخير سن الزواج لا يقتصر ضرره على الأم وحدها، بل يتعدى إلى أولادها؛ فالأمهات كبيرات السن يتعرض أولادهن للإصابة بأحد مرضين: التشوه في العمود الفقري، نقص تكون المخ وعظام الرأس، وتزيد هذه الحالات في الأمهات المتقدمات في السن، ففي سن الأربعين يصل الاحتمال في الإصابة من (1- 25% )، وينقص إلى النصف في الأمهات في سن (35 ـ 40) سنة.[7]
5- الإنجاب وقاية للمرأة من (الزهايمر) والشيخوخة المبكرة؛ فقد أوضح الاجتماع السنوي لجمعية علم الأعصاب بفلوريدا، أن الإنجاب يقي المرأة من (الزهايمر) وغيره من اضطرابات القدرة الذهنية، المرتبطة بتقدم السن، وأن الهرمونات تتدفق على المخ في فترة الحمل.[8]
6- الزواج المبكر وقاية للمجتمع من الجرائم، وحفاظ على عفته وطهارته، إن منع الزواج المبكر وعدم تيسيره ينتج عنه كثرة الجرائم اللأخلاقية، من زنا واغتصاب، في ظل وضع تشب فيه نار الشهوات من كل جانب، يقول الباحث (كينيث ووكر) مبيناً نتائج رفع سن الزواج: “ومع تأخر سن الزواج -وهو ما يمكن أن نعتبره إغلاقاً لإحدى القنوات الهامة للتفريغ الجنسي- فإن المدنية الغربية تثير وتحفز الشهوة الجنسية، مما ينشأ عنه خلق حالة من التهيج والإثارة المتتابعة، التي تجد كل سبل التفريج المشروع مغلق أمامها، وهذا من شأنه أن يتسبب في كثير من إشكال الانحرافات الجنسية كالاغتصاب، التي ترجع أساساً إلى نوع الثقافة الجنسية التي صنعناها بأيدينا؛ فالانحرافات الجنسية جزء من ثقافتنا، كما أن البطالة جزء من نظامنا الصناعي، ويجب ألا يدهشنا هذا الوضع، مادمنا قد أبدعنا شكلاً من المدنية، يضع الشباب وأغلب الأنشطة والقوى الجنسية في حالة من الإثارة المستمرة؛ فنحن الذين صنعنا هذه الأوضاع، ونحن أيضاً الذين ندفع الثمن، فيجب ألا نشكو من فداحة الثمن، طالما أنه لا يزيد كثيراً عما حصلنا عليه مقابله”.[9]
ولك أن تتخيل نتائج تيسير الحرام وشب نار الشهوات، مع منع الحلال ووضع العراقيل أمامه، وكم هو حجم الجريمة التي يقترفها المسوقون للأفكار الغربية في بلادنا، ولعل هذه الأرقام تعيدها إلى صوابها:
– في أمريكا ( 80% ) يفقدن العذرية تحت سن العشرين.
– مليون فتاة مراهقة تحمل كل عام في أمريكا ينتهي (44%) منها بالإجهاض، (56%) من نسبة (40%) منهن يضعن أطفالاً، ويكلف حمل المراهقات وما يتبعه من مشاكل سبعة ملايين دولار سنوياً.
– وأما بريطانيا فعدد الحوامل من المراهقات في كل عام (60) ألف مراهقة، ينتهي (45%) منها بالإجهاض.[10]
7- الزواج المبكر حل لمشكلة العنوسة في المجتمعات، إن من مضار تأخير الزواج نشوء مشكلة العنوسة في مجتمعاتنا الإسلامية، وذلك بسبب تقديم المرأة لما يسمى بتحقيق الذات، من خلال العمل الوظيفي، واستكمال الدراسات العليا، وبناء المستقبل على حساب الزواج؛ حتى إذا ما حصلت على ما تريد من وظيفة وشهادة، عادت أدراجها تفكر في الزواج، ولكن بعد أن عزف عنها الرجال، وتجاوزها الزمن، ووهبت فتوتها ونضارتها وحيويتها لأوهام المستقبل، والتي صنعتها اللوثة الغربية، وطابورها الخامس، وإلا فإن المستقبل الحقيقي هو في تحصيل الضروري من العلم، وفي التمسك بالكتاب والسنة لضمان الآخرة، وفي بناء أسرة تنهل من مائدة القرآن الكريم، وفي ظل زوج يحرس ويحمي ويربي، وينفق ويعلم، ويكفي هذه الجوهرة المصونة مؤنة ومشقة السعي واللهث وراء لقمة العيش، التي كفلها لها المولى جل وعلا، وأوجبها على وليها.
فعلى المسوقين لأفكار الغرب ولوثاته، أن يعلموا أن الإسلام غير الأمم المتحدة، وغير قوانين الغرب؛ فالإسلام يوجب النفقة للأنثى على وليها؛ حتى آخر لحظة من حياتها في هذه الدنيا، بينما على الأنثى في الغرب أن تؤمن مستقبلها ونفقتها؛ لأنها تعلم أنها ستطرد من البيت بعد سن الثامنة عشرة؛ لأن الأب غير ملزم بنفقتها بعد هذه السن.
ولذا كم من تجارب تنقل إلينا بعد طول معاناة تحث صواحبها الفتيات على الزواج المبكر، وتتمنى زوجاً يكفيها مؤنة العمل خارج المنزل، رغم الشهرة التي وصلت إليها؛ فهذه (إيفا هيرمان) الكاتبة والمذيعة الألمانية الشهيرة، تنصح في كتاب لها صدر في سبتمبر 2006م الفتيات بالزواج المبكر، وتتمنى أمنية تقول فيها: “لو دارت عقارب الزمن لبحثت عن رجل حقيقي، يتحمل مسئولية العمل خارج البيت، أما أنا فأريد أن يكون عندي خمسة أطفال، أبقى معهم إلى النهاية في البيت”.[11]
وتقول ناصحة بعد تجربة طويلة لمن تظن أن تحقيق ذاتها هو بالعمل الوظيفي: “إن العمل الوظيفي ليس هو مصدر السعادة أو تحقيق الذات، وحتى الرجل لابد أن يدرك أن العمل ما هو إلا وسيلة لتمويل الأسرة، التي توفر له السعادة، تحقق ذاته كزوج وأب وربان سفينة يقودها باقتدار”.
وهذه أيضاً همسة في إذن المخدوعات على الولاية، وعلى قبة البرلمان، وعلى المزاحمة في المكاتب والمنتديات، وتجمعات الرجال العامة، تحت وهم وخدعة إثبات الذات.
خلفيات ودوافع الحرب على الزواج المبكر
إن جواز الزواج المبكر مسألة إجماعية، أجمعت عليها الأمة منذ أربعة عشر قرناً إلى اليوم، ودلت عليها نصوص الكتاب والسنة، وعمل الصحابة والخلفاء الراشدين، قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: “أجمع المسلمون على جواز تزويجه (الأب) ابنته الصغيرة …”[12]، ولم تعرف الأمة طوال تاريخها مشكلة اسمها الزواج المبكر، فلماذا أثيرت اليوم، ومن يقف وراءها، وما هي دوافعها؟!
يلاحظ أن قرار سن قوانين منع الزواج قبل سن الثامنة عشرة لم يكن قراراً محلياً، ولا صادراً عن علماء الإسلام وفقهاء الشريعة، وإنما هو قرار أجنبي بالدرجة الأولى، تناولته مطابخ الغرب في نيويورك، منذ عام 1962م بوضع اتفاقية الموافقة على الحد الأدنى لسن الزواج في الأمم المتحدة، ومروراً باتفاقيات ومؤتمرات الأمم المتحدة في مؤتمر مكسيكو1984م ومؤتمر نيروبي 1985م ومؤتمر السكان في القاهرة 1994م ومؤتمر بكين 1995م والتي تنص جميعها على أنه ينبغي رفع سن الزواج والتقنين لذلك، وإنفاذ تلك القوانين بصرامة.
ونجد وثيقة مؤتمر بكين 1995م تشنع على الزواج المبكر، وتقود حملة ضارية، حتى وصل الأمر بها إلى أن وضعته على قدم المساواة مع وأد البنات، وقتل الأولاد، واغتصاب المحارم، وتشويه الجهاز التناسلي للمرأة.
بل الأعجب من ذلك: أن الوثيقة لم تعترض ولا في موضع واحد على الزنا، أو الممارسة الجنسية المبكرة، التي يقترفها المراهقون والمراهقات خارج نطاق الزواج، ومؤخراً صدر قرار لجنة مركز المرأة في الأمم المتحدة في جلسة مارس 2007م باعتبار الزواج قبل 18 عاماً شكلاً من أشكال العنف ضد الفتاة، والعمل على تجريم ذلك، وكرر هذا في إحدى عشر موضعاً من التقرير، وفي المقابل يطالبون بحرية الطفلة في أن تنشط جنسياً في أي سن.
ولا أدري كيف يريدون أن يفرضوا على المسلمين قوانينهم التي تقطع طريق العفة والطهارة، وهم غارقون في الجرائم الجنسية في سن مبكرة، حيث ذكر تقرير أمريكي أن (44%) من ضحايا الاغتصاب تحت سن (18) سنة، (15%) تحت سن (12) سنة؛ فهم يرتكبون الجرائم مع فتيات تحت (12) سنة، وفي بريطانيا (60) ألف مراهقة تحمل كل عام؛ حتى وصل الأمر برئيس الوزراء البريطاني السابق (بلير) إلى أن قال: لا ينبغي في مجتمع متحضر أن ينجب الأطفال أطفالاً، ولعل من آخر الوقائع في بداية 2009هـ إنجاب طفلة بريطانية عمرها 14سنة لأول مولود لها من الزنا، من طفل بريطاني عمره 13سنة، وفي ظل هذا الواقع الأليم يريدون منا أن نسن قوانين تمنع الزواج الشرعي قبل سن (18) سنة.
إننا عندما نتأمل قوانينهم التي يريدون فرضها، ونتأمل واقعهم الذي ينقل إلينا، نجد أن منع الزواج المبكر يهدف إلى أمرين رئيسيين:
الأمر الأول: تقليل عدد المواليد من المسلمين.
الأمر الثاني: نشر الفاحشة والرذيلة في المجتمعات الإسلامية، بوضع العقبات أمام طريق الحلال والعفة والطهارة، وفتح الباب على مصراعيه أمام الطريق الآخر.
وسنتكلم بشيء من التفصيل عن هذين الأمرين.
أولاً: تقليل عدد المواليد من المسلمين:
لأن كثرة الإنجاب وعدد المواليد في البلاد الإسلامية يزعج الغرب ويؤرقه؛ فقد أفاد الكتاب الدولي للكنائس، أن عدد المسلمين يتزايد يومياً بمعدل 82 ألف نسمة، وأنه سيصبح الدين الأول عام 2058م.[13]
كما أصدرت الأمم المتحدة نشرة عام 1989م تحذر فيها دول الشمال -أوروبا وأمريكا- من تناقص عدد المواليد عندها، وتزايد عدد المواليد في دول الجنوب -العالم الثالث- وذكرت فيها أن نسبة سكان أوروبا من سكان العالم عام 1950م كان يمثل (15.6%) وستتناقص هذه النسبة في عام 2025م إلى (6.4%) فقط، وأن دولاً صغيرة كالجزائر والمغرب والسودان، سيعادل سكانها سكان أكبر دول أوروبا، مثل ألمانيا وانجلترا، وأن عدد سكان العالم سيصبح بعد خمسين سنة تسعة مليار وثلث المليار، كما كان عليه عام 2000م وأن هذه الزيادة ستكون من دول العالم الثالث، بينما الدول الصناعية سيبقى تعدادها (1.2%) مليار، وربما تناقص؛ فكان الإجراء الأوروبي والغربي لإيقاف هذا الخطر يمر في اتجاهين:
الأول: تشجيع الإنجاب وبناء الأسرة في أوروبا، وإعطاء كل أسرة تستقبل مولوداً مبلغاً ومكافأة مالية، ففي أوكرانيا (1600) دولار، وفي إسبانيا (2500) يورو مكافأة تشجيعية لكل عائلة تستقبل مولوداً جديداً، وقال رئيس الوزراء الإسباني (خوسيه لويس رودر) أمام البرلمان الإسباني: ” لكي تواصل إسبانيا تقدمها؛ فإنها تحتاج إلى مزيد من العائلات، ومزيد من الأطفال، والعائلات تحتاج إلى دعم لإنجاب هؤلاء الأطفال، وإلى موارد لتربيتهم…”.[14]
وأما ألمانيا فتحتمل خزينتها (25%) من تكاليف تربية الطفل خارج المنزل، والتي تبلغ عادة (250) ألف يورو تقريباً.[15]
وأما في إيطاليا فتفرض الحكومة الإيطالية (3000) يورو لكل أسرة تستقبل مولوداً، ويُفرض لكل مولود نفقة شهرية تزيد عن (70) يورو، إلى أن يصل إلى سن الثامنة عشرة، مع تخفيض الضرائب، والمساعدة في السكن، وهكذا يعملون على تشجيع زيادة الإنجاب في بلدانهم.
الثاني: إعلان الحرب على زيادة عدد المواليد في بلاد المسلمين، ولكن تحت ستور وأقنعة مختلفة منها (الصحة الإنجابية)، (رعاية الأمومة والطفولة)، (عدم كفاية الموارد).
وقد اتخذوا عدة أساليب لتقليل عدد المواليد، منها:
1- منع الزواج المبكر؛ لأن المرأة عندما تتزوج في سن مبكرة، تكون نسبة الخصوبة عندها مرتفعة، وبذا كثرة المواليد، فمثلا في اليمن ذكرت صحيفة الميثاق اليمنية في عددها (1038) أن اليمن تستقبل كل خمس دقائق ستة مواليد، مما يمثل زيادة (600) ألف نسمة سنوياً، وهذا كله لا يمثل عائقاً أمام التنمية كما يقولون، ويدعون لأن المولى جل وعلا خلق كل شيء فقدره تقديراً، خلق الأرض وقدر فيها أقواتها، قال تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا}[16]، وقال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[17]، ولا يبلغ الجنين في بطن أمه أربعين يوماً إلا ويُرسل الملَك لكتب رزقه وأجله وعمله، ولكن حالات الفقر والحاجة راجعة إلى سوء إدارة الناس لمواردهم، وللإسراف والتبذير، وإلا كيف نعطي مدرباً واحداً لكرة القدم (70) ألف دولار شهرياً، وننفق (700) مليون ريال يمني مقابل تأهيل المنتخب الوطني ليدخل بطولة الخليج، ونجد أحد الأثرياء العرب يرسل سيارته إلى لندن لتغيير زيتها بـ(47) ألف دولار إمريكي، ثم بعد هذا كله ندعي أن الموارد لا تكفي، وكم من نفقات خيالية تنفق وتنهب وتصرف في أشياء كثيرة، لا تسمن ولا تغني من جوع، رغم أننا كما يقال: دول فقيرة، إن المساحة المستغلة من الكرة الأرضية من المساحة الصالحة للزراعة لا تساوي إلا (0.09%) فقط من مساحة اليابسة.
2- توفير حبوب منع الحمل، وما يسمى بوسائل تنظيم الأسرة؛ لخفض النمو السكاني وتقليل عدد المواليد، ومن أجل هذا يلاحظ أن المساعدات الدولية تنصب علينا من كل جانب؛ فقد وصلت إحدى المساعدات الهولندية إلى ميناء الحديدة، وكانت مكونة من أجهزة ومعدات طبية وصحية، ووسائل تنظيم الأسرة بقيمة ثلاثة مليون دولار،[18] وقد صرحت صحيفة الثورة الرسمية: أن دوافع تنظيم الأسرة هو خفض النمو السكاني، وعللت ذلك بقولها وبصراحة: ” بأنه استجابة للاهتمامات الوطنية والدولية، والتي تهدف للوصول إلى (56%) من النساء المتزوجات في سن الإنجاب، وإمدادهن بوسائل تنظيم الأسرة مجاناً، ولمدة ثلاث سنوات، بدعم وتمويل من الأمم المتحدة.
3- إشغال المرأة بالوظيفة، وخدعة بناء المستقبل، وإدماجها في سوق العمل على حساب الزواج والإنجاب؛ لأنه كلما تقدمت المرأة في السن كلما قلت وانخفضت نسبة الخصوبة عندها، وبذا قلة عدد المواليد، حيث أثبتت الدراسات العلمية أن عمل المرأة خارج المنزل يقلل من مستوى نسبة الخصوبة لديها، ولذا فإن عمل المرأة خارج المنزل يعد أقوى وسيلة لتحديد النسل، وتقليل الإنجاب، بخلاف عمل المرأة في محيط أسرتها، وضمن أنشطة العائلة الاقتصادية.
4- الحملة الإعلامية غير العادية للمباعدة بين المواليد، إلى مدد تتراوح من (4-5) سنوات بين كل ولادتين، والذي معناه وبطريق ملتوٍ تحديد النسل بثلاثة أولاد أو ولدين…، فالزواج قبل (18) سنة ممنوع وعنف ضد الفتاة، وبعد سن الـ (18) يتم حث للفتاة على مواصلة التعليم الجامعي، وتأخير الزواج حتى تنتهي الفترة الجامعية وبناء المستقبل، فلا تتخرج من الجامعة إلا وعمرها ثلاثة وعشرون سنة على أقل تقدير، ومن ثم إذا تزوجت وأنجبت فعليها أن تباعد بين كل مولودين أربع سنوات حسب نصائحهم؛ لتكون الحصيلة في النهاية مولودين فقط؛ لأنهم يعتبرون الإنجاب بعد الثلاثين يعرض الأم لبعض الأمراض والمضاعفات، وإن تزوجت الفتاة بعد الثامنة عشرة وأنجبت كل أربع سنوات فثلاثة مواليد فقط.
فهي في الأخير وسيلة من وسائل تقليل عدد مواليد المسلمين، الذي تمثل كثرتهم قوة للمسلمين، ومصدر إزعاج لدول الشمال، كما ذكر ذلك المستشرق الألماني (أشميد) حيث قال: ” قوة الشرق تتمثل في ثلاثة أشياء: الدين، وارتفاع معدلات الخصوبة والإنجاب، ووفرة الموارد الطبيعية”.
ثانياً: نشر الفاحشة والرذيلة وتفكيك الأسرة وكثرة الجرائم:
إننا نجد الهدف الثاني من أهداف المنظمات والهيئات الغربية لمنع الزواج المبكر، هو نشر الفاحشة والرذيلة في المجتمع المسلم، وإلا فما معنى قرار لجنة مركز المرأة في الأمم المتحدة في الجلسة رقم (51) في مارس 2007م بمنع الزواج قبل (18) سنة، وفي المقابل يحق للطفلة أن تنشط جنسياً في أي سن، بالإضافة إلى أن وثيقة بكين تشنع على الزواج المبكر، ولا تذكر الزنا المبكر أو العلاقات الجنسية المبكرة في أي مادة من موادها.
ولا أدري كيف تحرص هذه الجهات على منع الزواج قبل سن الثامنة عشرة، في ظل واقع أصبحت وسائل إثارة الشهوات والغرائز تحيط بشبابنا من كل جانب؛ فنجد مقابل منع الزواج المبكر، تشجيع للاختلاط بين الشباب والفتيات في الجامعات والمكاتب والمدارس، والدورات التدريبية، والرحلات الترفيهية، والمعاهد المختلطة، واستيراد لمظاهر الخلاعة والمجون من المجلات والفضائيات الخليعة، واستيراد الراقصات والمسلسلات الهابطة، وعرض الإعلانات الماجنة.
وبعد هذا كله من أسباب شب نار الشهوات إذا منع الزواج المبكر، ومنع الشاب من تحصين نفسه بالطرق المشروعة، سيلجأ -والعياذ بالله- في ظل مظاهر ضعف التدين إلى الصداقات والعلاقات غير المشروعة، ثم بعد ذلك حدِّث ولا حرج عن الانهيار والسقوط المدوي للمجتمع، بالسقوط والانهيار الأخلاقي، الذي سقطت بسقوطه كثير من الحضارات عبر التاريخ، يقول المؤرخ (أرنولد توينبي): “إن من الثلاثين من الحضارات الإنسانية التي شهدها التاريخ، فإن تسعة عشرة منها سقطت بعد أن انتشرت فيها الفاحشة “.[19]
فهل إذا منعوا الزواج المبكر منعوا في المقابل أسباب الفتنة، ومظاهر المجون والخلاعة، ومنعوا الاختلاط الرجال عن النساء في جميع المرافق، إن ما فعلوه اليوم هو العكس، محاولة لمنع الحلال، تشجيع لمظاهر الانحلال والفتنة، حتى وصلت الجرأة بإحدى الداعيات لتحديد سن الزواج، إلى توجيه دعوة استضافة لأحد الأجانب إلى جامعة صنعاء؛ ليشرح للطلاب تجربته الجنسية، وكيفية إقامة العلاقات غير المشروعة مع النساء حسب بعض الوثائق الموجودة، ولا أدري هل نسيت هذه المرأة أم تناست -من كثرة اللقاء بالسفارات والمنظمات الأجنبية- أن هذا البلد هو اليمن؟! وأن هذا الشعب هو الشعب اليمني المسلم؟! إن من يعرف هذه الدوافع ثم يضع يده في أيدي الأعداء ويرتمي في أحضا نهم، لن يرحمه التاريخ، ولن تسامحه الأجيال.
وبعد هذه الخطوات والمخططات والمؤامرات والمؤتمرات، من نيويورك إلى مكسيكو، إلى نيروبي، إلى مؤتمر السكان في القاهرة، إلى بكين إلى بكين + 10 في نيويورك مرة أخرى، جاء الدور للتنفيذ في اليمن، ولكن ليس عن طريق قوات المارينـز الأمريكية، وإنما عن طريق اللجنة الوطنية للمرأة، التي تلقت مقررات المؤتمرات الأجنبية، وعلى رأسها (اتفاقية السيداو) التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18/2/1979م والتي تعد من أخطر الاتفاقيات المتعلقة بالمرأة؛ لما يلي:
1- لأنها تعتبر الدين شكلاً من أشكال التحيز ضد المرأة.
2- لأن فيها رسماً لنمط الحياة في مجالاتها المختلفة -السياسية والاقتصادية والاجتماعية- بالمنظور الغربي؛ لما يسمى حقوق المرأة، القائمة على ركيزتي الحرية التامة والمساواة المطلقة، ولذلك كانت توصيات مؤتمرات المرأة اللاحقة تنطلق من هذه الاتفاقية، وتعتبر دستورها الأعلى.
3- لأنها الاتفاقية الوحيدة الملزمة للدولة التي توقع بتنفيذ بنودها، وعدم التحفظ على أي بند منها، على ما فيها من نسف للشريعة الإسلامية، والدساتير والقوانين المحلية، تلقفت (اللجنة الوطنية) هذه المقررات الأممية؛ لتتابع تنفيذها في التشريعات اليمنية؛ لتحل محل بعض القوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية، وتقوم هذه اللجنة بدور الشريك والمراقب والضاغط على الحكومة اليمنية؛ لتنفيذ تلك المقررات، ورفع التقارير إلى الخارج عن مستوى تنفيذ الحكومة اليمنية لتلك الاتفاقيات والمقررات، يشاركها في الضغط والتنفيذ والمتابعة بعض المنظمات والاتحادات النسوية المدعومة من السفارة الأمريكية، ومن بعض السفارات والمنظمات الأجنبية، حسب بعض المصادر والوثائق، ومن هذه المقررات التي تتابع (اللجنة الوطنية) تنفيذها توصيات ومقررات لجنة مركز المرأة في الأمم المتحدة، وما جاء من قرارات مؤتمرات سابقة في منع الزواج المبكر والحد منه، وتقنين ذلك، حيث قامت مجموعة من النساء مع بعض الخبراء بمراجعة القوانين اليمنية، ومدى مواءمة هذه القوانين مع الاتفاقيات الأجنبية القادمة من بلاد الغرب؛ ليخرجن بما يسمى (مصفوفة التعديلات القانونية للمرأة)، ومن ضمن التعديلات القانونية للمرأة، المادة (15) من قانون الأحوال الشخصية، لينص المقترح والتعديل الجديد على منع الزواج قبل سن الثامنة عشرة، ومعاقبة من يتجاوز ذلك بالسجن وغرامة مالية، وكل هذا من أجل إرضاء المنظمات الغربية، ولو على حساب الشريعة، وخرق إجماع الأمة.
ولذا يلاحظ أن مبرر التعديل لمثل هذه المواد، والمذكور في مصفوفة التعديلات القانونية المرفوعة من (اللجنة الوطنية للمرأة) هو الاستناد على اتفاقية (السيداو) ومشروعية ذلك في الاتفاقيات الدولية.
ولذا يجب على هؤلاء النسوة ومثيلاتهن في الدول العربية والإسلامية، ومن يتبنى هذا الأمر الرجوع إلى علماء الإسلام، وإلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس إلى (السيداو) والخبراء الأجانب من اليهود والنصارى، الذين يظهرون في كثير من الفعاليات إلى جانب هؤلاء النسوة، والذين قال الله عنهم: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ….}[20]، وقال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ …}[21].
إن القضية ليست الشفقة والرحمة على بناتنا، والحرص على الناحية الصحية، فالزواج المبكر -كما ذكر الطبيب الأمريكي (ستانوي) وبعض الجهات الطبية- وقاية للمرأة من سرطان الثدي، ومن (الزهايمر)، ولكنها دولارات المنظمات الأجنبية، التي ترضخ لمجموعة من النسوة، اللاتي يمثلن الغرب في اليمن، ولا يمثلن نساء اليمن، فعوداً حميداً للوقوف إلى جانب الأمة، وليس إلى جانب أعدائها، والقضية لن تمر بمشيئة الله تعالى؛ لأن الله أقوى من أمريكا وأوروبا، وجميع منظماتها، وإن حاولتم إصدار التقنينات، والله غالب على أمره.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
بقلم/ عبد الملك حسين التاج.
[1] شرح النووي على صحيح مسلم (9/ 206) .
[2] شرح النووي على مسلم (5/128).
[3] شرح البخاري لابن بطال (13/166).
[4] العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية ص 203 نقلاً عن الأمومة ومكانتها في الإسلام لمها الأبرش (1/181).
[5] العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية ص 204 .
[6] المصدر السابق نقلاً عن كتاب تيه العرب وتيه بني إسرائيل لمحمد علي البار ص 240 ، 241 .
[7] العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية ص 205 .
[8] كتاب المرأة الغربية ص 110 نقلاً عن مجلة المستقبل العدد ( 154 ) .
[9] العدوان على المرأة ص 205 نقلاً عن الأمومة ومكانتها في الإسلام لمها الأبرش 1 / 183 .
[10] Health Deveiopment Agency .
[11] مجلة المعرفة العدد ( 141 ) .
[12] شرح النووي على صحيح مسلم 9 / 217 .
[13] مجلة الأسرة العدد ( 50 ) .
[14] صحيفة السياسية اليمنية العدد ( 20082 ) .
[15] مجلة المعرفة العدد ( 141 ) يناير 2007م .
[16] سورة فصلت الآية : 10 .
[17] سورة هود الآية : 6 .
[18] صحيفة الثورة العدد ( 15246 ) .
[19] كتاب المرأة الغربية ص 53 .
[20] سورة البقرة الآية: 105 .
[21] سورة البقرة الآية : 120 .
[24] سورة المائدة الآية : 33 .
[25] سورة آل عمران الآية : 118 .

د. عبد الملك التاج

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

20 − 18 =