فؤاد أبو الغيث : حاشية على كلام بندر الشويقي في مسألة تحكيم القوانين الوضعية

1ddfb d981d8a4d8a7d8af2bd8a3d8a8d9882bd8a7d984d8bad98ad8ab
فؤاد أبو الغيث : حاشية على كلام بندر الشويقي في مسألة تحكيم القوانين الوضعية

حاشية على كلام بندر الشويقي في مسألة تحكيم القوانين الوضعية
في لقاء الجمعة مع عبد الله المديفر (24/11/1435هـ=19/9/2014م)
فؤاد أبو الغيث
[youtube https://www.youtube.com/watch?v=TSR-qrV-a8g?version=3&rel=1&fs=1&showsearch=0&showinfo=1&iv_load_policy=1&wmode=transparent]
ورد كلام بندر الشويقي في مسألة تحكيم القوانين الوضعية في الدقيقة الأربعين من اللقاء، واستغرق دقيقتين تقريبًا، وهذا نصه:
واحد يقول لك: الحاكمية عند سيد قطب يعني: بها:نبذ(1) شرع الله عز وجل وإلزام(2) الناس بشريعة مناقضة.
هذه ليست من اختراع سيد قطب، هذه مذ بدأت في هذه الأمة(3)، وهذا حكمها عند أهل الإسلام(4)، الخلاف فيها من ثلاثين سنة، أربعين سنة.
يعني: عندما يقولك -مثلاً- ابن حجر -رحمة الله تعالى عليه- في ترجمته في إنباء الغمر(5) لتيمورلنك: وكان معظمًا(6) لقواعد جنكز خان (قواعد مثل القوانين الوضعية(7)) ويجعلها أصلًا (أصل قاعدة يرجع إليها ليس قضية ظلم في حكم) -قال:- ومن ثمَّ(8) أفتى جمع جم بكفره(9) مع أن شرائع(10) الإسلام في بلاده ظاهرة(11).
ويأتيك ابن كثير وينقل كلام مقابل…(12)
جاءت قوانين لبلاد الإسلام:- في الشام، في العراق، في مصر، في المغرب، هنا(13)، في اليمن- الفتوى واحدة: على اعتبار أن هذا تشريع مضادة معارضة معاندة(14) للشرع.
لكن مع وجود هذه الفتاوى ما رأيت الدماء، ولا وجدت الإشكالات؛ لأن هذه الأحكام تنزيلها أيضًا له ضوابط وله أصول؛ فلذلك أنا أقول: هذا الحكم موجود… طبعًا جاء خلاف متأخر -فيما أظن أنه متأخر- من حسب استقراء –أزعم إن شاء الله تعالى -يعني- عمره عشر سنوات؛ ابتدأ الخلاف في الثلاثين، الأربعين سنة الأخيرة -هو خرج القول الآخر الآن-: قضية ربطها باستحلال القلب واعتقاد القلب(15)، أنا ما أتكلم عن الحكم [بغير ما أنزل الله أتكلم عن] قضية القوانين الوضعية خاصة.
[أشار محاوره (عبد الله المديفر) إلى رأي ابن باز في هذه المسألة]
عبد الله المديفر: “رأي الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- أنه يكفر من اعتقد في قلبه في قضية القوانين… لكن من مارسها وهو يعتقد أن حكم الله أعظم -لا- هذا لا يكفر”.
الشويقي: مارسها: يعني: الذي ينحي(16) الشرع، ويحكم بالقانون.
هذا كلام الشيخ [ابن باز] الأخير، كلامه القديم لم يكن كذلك…(17)
له رأي ورجع عنه، والرأي الأول يوجد العشرات بل المئات من أهل العلم والتحقيق…(18)
الشيخ هذا هو… وشيخه له رسالة في المسألة مشهورة ومعروفة(19).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحاشية:
(1) نبذ يعطي معنى أكثر من ترك أو لم يحكم.
(2) الإلزام من معنى الحكم أو من لوازمه.
(3) ذكر فيما بعد حكم تيمورلنك (ت807هـ=1402م)، وكلام ابن حجر (ت852هـ) عنه، وأشار إلى كلام لابن كثير (ت774هـ) في هذه النازلة يعني: كلامه في حكم جنكيزخان (ت624هـ=1227م)، وسيأتي ذكره، ويظهر أنه قدَّم ذكر كلام ابن حجر في حكم تيمورلنك، مع أن كلام ابن كثير في حكم جنكيزخان قبله؛ لأن فيه “أن شرائع الإسلام في بلاد ظاهرة” كما قال. ويفهم من ذكره لهذين الحكمين أن هذا بدء الحكم بالقوانين الوضعية في هذه الأمة أو من بداياته، مع أنه يظهر من فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في جنكيزخان واتباعه (28/510-544) أنهم ليسوا من هذه الأمة.
(4) يعني: أن الحكم بالقوانين الوضعية كفر أكبر مخرج من الملة عند أهل الإسلام بلا خلاف…
(5) إنباء الغُمر بأبناء العُمر (2/ 303) تحقيق الدكتور حسن حبشي، طبع وزارة الأوقاف بمصر.
(6) في إنباء الغمر: يقدِّم [شريعة].
(7) يعني: أن قواعد جنكزخان مثل القوانين الوضعية في هذا الوقت في أنها حكم بغير ما أنزل الله مما وضعه البشر بآرائهم وأهوائهم، وإلا فإن بينها فرقًا في متعلقاتها، وفي قدر الظلم… فالقوانين الوضعية في هذا الوقت لا تتعلق بالعبادة والسنة والبدعة والمعروف والمنكر والطهارة والنجاسة والصحيح والباطل والواجب والجائز وغير الجائز في شرع الله، أما قولهم فيها: يجب ويجوز ولا يجوز؛ فمعناه: في قانونهم، ومع ذلك: ليس في القوانين الوضعية في بلاد المسلمين في هذا الوقت أنه: يجوز للإنسان أن يزني أو أن يسرق أو أن يشرب الخمر، ونحو ذلك من الكفر الصريح…
أما قواعد جنكزخان ففيها -مع ما سيأتي ذكره- منع أن يقال لشيء: إنه نجس… كما ذكر عطا ملك الجويني في تاريخ فاتح العالم جهانكشاي، والمقريزي في خططه المسمى المواعظ والاعتبار. وفيها -كما سيأتي ذكره- العقاب الكبير على العمل الصغير؛ كقتل من أكل ولم يُطْعِم من عنده! وقتل من دخل بين اثنين يختصمان فأعان أحدهما!! وذبح من ذبح حيوانًا، ولم يشق جوفه، ويتناول قلبه بيده؛ يستخرجه من جوفه أولاً!!! ولا يوجد في القوانين الوضعية في هذا الوقت مثل هذه الأحكام. 
(8) في إنباء الغمر: ولذلك بدل ومن ثمَّ. ولا فرق بين العبارتين؛ فالمعنى واحد.
(9) قال ابن عربشاه في عجائب المقدور في نوائب تيمور (455): “كان معتقدًا للقواعد الجنكزخانية، وهي كفروع الفقه في الملة الإسلامية، وممشياً لها على الطريقة المحمدية… ومن هذه الجهة أفتى كل من مولانا وشيخنا حافظ الدين البزازي رحمه الله ومولانا وسيدنا وشيخنا علاء الدين محمد البخاري أبقاه الله وغيرهما من العلماء الأعلام وأئمة الإسلام بكفر تيمورلنك، وبكفر من يقدِّمالقواعد الجنكزخانية على الشريعة الإسلامية”.
(10) في إنباء الغمر: شعائر. وهي أخص من الشرائع؛ فهي شرائع ظاهرة؛ لأن الشرائع ليست كلها ظاهرة.
(11) يعني: أنه ليس لكون شعائر الإسلام في بلاده ظاهرة؛ أثر في الحكم…
(12) ينقل كلامًا مماثلاً.
قال ابن كثير في التفسير: “قوله: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون) ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحْكَم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم اليَساق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله [صلى الله عليه وسلم] فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير”.
وقال في البداية والنهاية 12/139: “ذكر الجويني نتفًا من الياسا من ذلك: أنه من زنا قتل، محصنًا كان أو غير محصن، وكذلك من لاط قتل، ومن تعمد الكذب قتل، ومن سحر قتل، ومن تجسس قتل، ومن دخل بين اثنين يختصمان فأعان أحدهما قتل، ومن بال في الماء الواقف قتل، ومن انغمس فيه قتل، ومن أطعم أسيرًا أو سقاه أو كساه بغير إذن أهله قتل، ومن وجد هاربًا ولم يرده قتل، ومن أطعم أسيرًا أو رمى إلى أحد شيئًا من المأكول قتل، بل يناوله من يده إلى يده، ومن أطعم أحدًا شيئًا فليأكل منه أولًا، ولو كان المطعوم أميرًا لا أسيرًا، ومن أكل ولم يُطْعِم من عنده قتل، ومن ذبح حيوانًا ذبح مثله، بل يشق جوفه، ويتناول قلبه بيده؛ يستخرجه من جوفه أولاً. وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الانبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الانبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدَّمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين.قال الله تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) [المائدة: 50] وقال تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) صدق الله العظيم [النساء: 65]”. اهـ
يلاحظ أن ابن كثير وابن حجر عبَّرا ب: يقدمونها، ولم يقولا: يحكمون بها…
أما قول ابن كثير: “من ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الانبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر” فيحمل على ما قاله في تفسير قول الله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) حيث علله بقوله: “لأنهم جحدوا حكم الله قصدًا منهم وعنادًا وعمدًا”.
(13) هنا: يشير إلى مكان اللقاء، وهو دولة الإمارات العربية المتحدة (حيث تنتج برامج القناة التلفزيونية التي أخرجت اللقاء)، وليس المملكة العربية السعودية، كما يدل على ذلك قول محاوره (عبد الله المديفر) له في بداية الحوار مرحِّبًا: “حياك الله يا دكتور. الحمد لله على السلامة. تعَّبناك”.
(14) يعني: يلزم من التشريع العام المعاندة، بخلاف الظلم في حكم فلا يلزم منه المعاندة.
(15) اعتبر ربط حكم تحكيم القوانين الوضعية باعتقاد القلب قولاً آخر، مع أنه يعتبره معاندة للشرع كما سبق؛ فيفهم من هذا أنه يريد: أنه معاندة بالعمل دون القلب، ولذلك هو كفر عنده، وإن اعتقد الحاكم بالقوانين الوضعية أنه مخطئ، وأن حكمه بالقوانين الوضعية غير جائز، وهذا يعني: أن ترك الحكم بما أنزل الله مع الإقرار به مثل ترك الصلاة مع الإقرار بها، ولكن كان أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
(16) يعني: أن التعبير بـ(مارسها) -وهو تعبير محاوره، وليس نص كلام ابن باز- غير مناسب، وأنه تلطف في وصف ذلك الظلم العظيم والخطأ الجسيم.
(17) لم أجد للشيخ ابن باز في حكم تحكيم القوانين الوضعية إلا قولاً واحدًا، وقد ذكرت في “الإيضاح والتبيين للاختلاف في تحقيق السلفية على مذهبين” أن الشيخ ابن باز نفى أن يكون له قول قديم يخالف قوله المشهور، وقد عُرِضَ عليه تعليق منسوب إليه في حاشية فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد على تفسير ابن كثير لقول الله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) الذي ذكره الشارح في شرحه لباب قول الله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به).
تعليق منسوب إلى باز على كلام ابن كثير على قول الله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون2
فنفى أن يكون هذا التعليق له، وقال: هذا لمحمد حامد الفقي الظاهر. ما علقت أنا على الباب هذا. ما لي تعليق على فتح المجيد. ذاك تعليق على أخطاء أخطأ فيها حامد في طبعة محمد عبد المحسن الكتبي في المدينة، وهي قليلة…
[youtube https://www.youtube.com/watch?v=2KAZ6ZVOtjc?version=3&rel=1&fs=1&showsearch=0&showinfo=1&iv_load_policy=1&wmode=transparent]
فإن كان هذا هو المقصود بقوله القديم فقد تبين أنه ليس قولاً له، وإن كان غيره؛ فلا أدري ما هو!!
(18) تحكيم القوانين الوضعية من النوازل، وعلى فرض أنه بدأ في القرن السابع كما يفهم مما سبق؛ فلم يكن ظاهرة عامة، كما هو في هذا الوقت؛ فيبعد أن يوجد المئات من أهل العلم والتحقيق يرون أنه كفر أكبر، مخرج من الملة، وإن اعتقد الحاكم بالقوانين الوضعية أنه مخطئ، وأن حكمه بالقوانين الوضعية غير جائز. بل أهل التحقيق في الأزمنة المتأخرة ليسوا بالمئات.
(19) شيخ ابن باز المشار إليه هو العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت1389هـ)، وله رسالة في مسألة تحكيم القوانين الوضعية مشهورة ومعروفة، طبعت بمطابع الثقافة بمكة في غرة رجب سنة 1380 هـ. وفي فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (12/284-291) بعنوان: (4465- تحكيم القوانين من الكفر الأكبر)، وفي الدرر السنية في الأجوبة النجدية (16/206-218).
وكنت قد احتملت أنه يعتبر الاعتقاد، ولكنه يعتبر قول من حكَّم القانون: أنا اعتقد أنه باطل، أو قول من جعل قوانين بترتيب وتخضيع: أخطأنا وحكم الشرع أعدل= كذبًا وإخبارًا عن الاعتقاد بخلاف حقيقته التي هو عليها، ودعوى خلاف الواقع، ولكن فتوى صريحة له ألغت هذا الاحتمال، وهي أنه سئل عن: البلدان التي يوجد فيها أسواق البغايا، وتحمى، ولا إنكار؛ هل يدخل هذا في الإباحية؟
فأجاب: يخشى أن يصل إلى الكفر، وقد يكون كالقوانين؛ لأنه أذن عمومي، وإن لم يعتقد أنه حلال.
ويفهم من هذا أنه اعتبر الحكم بالقوانين الوضعية مثل: سب الدين، وقتل النبي، وإلقاء المصحف في الحش، ونحو ذلك من الأعمال التي تنافي إيمان القلب. ولم يتبين لي -ولا عبرة بي- أن الحكم بالقوانين الوضعية مع اعتقاد أنه خطأ عظيم وذنب كبير= كذلك، كما لم يتبين لي: كيف يكون مجرد الإذن بالزنا أو الربا، وإن لم يعتقد الآذن أن إذنه بذلك جائز، وأن الزنا والربا حلال (مجردالإذن بذلك، وليس التصريح بأنهما جائزان)= كفرًا أكبر، مع أن فعل ذلك بإصرار ليس كفرًا أكبر، إن لم يُعْتَقَد أنه حلال؟!
والله أعلم.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة عشر + ثلاثة عشر =