تبتل في محراب العلامة الزاهد : محمد المختار الشنقيطي

في زحمةِ هذهِ الأحداثِ المتلاطمةِ ، وما تمخّضَ عنها من المواضيع ِ الفاترةِ ، وفي خِضمِّ التصنيفاتِ الجائرةِ ، والمهاتراتِ البائسةِ ، تنكّبتْ بالكثير ِ من المنتدياتِ الأحوالُ ، وتتابعتْ عليها وعلى كُتّابِها الأهوالُ ، ولجَّ الكثيرُ من أهلِها في الخلافِ ، وأصرّوا على العِنادِ ، وصارتِ الكتابة ُ فيها – إلا قليلاً – نوعاً من العبثِ وضرباً من الهذيان ِ ، وإلى المجون ِ والتهريج ِ أقربَ منها إلى التأصيل ِ والتقرير ِ ، ولم نعُدْ نرى فيها إلا هجوماً وتدابراً ، كأنّنا في معركةٍ أو نِزال ٍ .

تبتل في محراب العلامة الزاهد : محمد المختار الشنقيطي

أقولُ هذا ولا أزكّي نفسي ، أو أستثنيها من هذا ، فأنا منكم ، إن خيراً فخيراً ، أو شرّاً فشرّاً ، وقاتلَ اللهُ دُريدَ بنَ الصمّةِ ، إذ سنَّ الموتَ مع الجماعةِ ولو على حالةٍ لا تسرُّ ، عندما جعلَ رُشدهُ من رُشدِ غزيّة َ – وهي قومهُ – ، وغوايتُهُ من غوايتِها ، وصارَ هذا من السُنن ِ التي تزيدُها الأيّامُ ثباتاً ، مع أنّها طبعٌ ذميمٌ ، وخلقٌ سيءٌ .
هذه الظِلالُ القاتمة ُ من الحال ِ المرير ِ الذي نعيشهُ ، تتطلّبُ منّا وقفة ً نُراجعُ فيها النفسَ ، وواحة ً نتفيّأ في ظلالِها الأنسَ ، ونجدُ في مغانيها الرّاحة َ ، وفي أعطافِها الدعة َ ، وإذا استمرأنا وضعنا المُخزي ، فنحنُ على أعتابِ كارثةٍ فكريّةٍ كُبرى ، فما دامَ الحالُ يُراوحُ في مكانهِ ، بينَ قدح ٍ سافر ٍ يكشفُ مخبوءَ النيّةِ السيئةِ ، وبينَ تصنيفٍ ظالم ٍ يفضحُ خواءَ النفس ِ من الإنصافِِ ، والقلمُ يُبرى ليُكتبَ بهِ ما لا يصلحُ أن يكونَ صحيفة ً على حائطٍ في مدرسةٍ للصبيان ِ ، فإنَّ استصلاحَ الحال ِ وتقويمهُ يحتاجُ إلى زمن ٍ فسيح ٍ ، ونفوس ٍ صابرةٍ ، وهمم ٍ مشحوذةٍ ، ولا يلوحُ في الأفقِ دونَ ذلكَ إلا خرطُ القتادِ ، وسفُّ الرّمادِ ، والحمدُ للهِ على كلِّ حال ٍ .
في طريق ِ الإصلاح ِ للقلم ِ ، والتهيئةِ للفكر ِ ، والدُربةِ للعقل ِ ، هذهِ مادّة ٌ خاصّة ٌ عن شيخِنا العلاّمةِ العابدِ الزاهدِ : مُحمّدِ بن ِ مُحمّدٍ المختار ِ الشنقيطيِّ ، أسعدَ اللهُ أيّامهُ ، وأعلى قدرهُ ومنزلتهُ ، أبثّهُا بينَ يديكم لتكونَ كالغيثِ الذي ينهمرُ فيروي الأرضَ القفرَ اليبابَ ، وكالنّسيم ِ العليل ِ يبعثُ النّشاطَ في النّفوس ِ الحالمةِ ، وكالوردِ العبق ِ الفوّاح ِ في وسطِ القيظِ المُلهبِ يُبهجُ المُهجَ فتنتعشُ وتطربُ ، جمعتُها من خلاصةِ ما سمعتهُ من طلاّبهِ ، أو وقفتُ عليهِ مُعاينة ً ، لعلَّ اللهَ أن يُبعثَ بها الهِممَ من مرقدِها .
هو شيخُنا الفقيهُ المُفسّرُ الأصوليُّ : أبو عبدِ اللهِ مُحمدُ بنُ محمّد المختار ِ بنِ أحمدَ مزيد الجكنيُّ الشنقيطيُّ ، والدهُ رجلٌ من أهل ِ العلم ِ الكِبار ِ ، درّسَ – أعني والدهُ – في المدينةِ النبويّةِ – شرّفها اللهُ – وفي جُدّة َ – حرسها اللهُ – ، وكانَ عالماً فاضلاً من سراةِ الشناقيطِ ، سليل ِ أرومةٍ من ذوي الشرفِ والوجاهةِ ، ومن أهل ِ الفضل ِ فيهم ، وهو ينتسبُ – كما حدّثني قريبٌ للشيخ ِ – إلى الإمام ِ الكبير ِ : المختار ِ بن ِ بونة َ الجكنيِّ – جادَ اللهُ بالرّحمةِ مثواهُ – ، أحدِ كِبار ِ العلماءِ في بلادِ شنقيطَ ، توفّيَ قديماً ، ولهُ مصنّفاتٌ عدّة ٌ منها : طرّة ُ الألفيّةِ ، والاحمرارُ ، وهي من عجائبِ ما ألّفَ في علم ِ العربيّةِ ، أكملَ بهما ألفية َ بن ِ مالكٍ ووشّحها بحاشيةٍ كاشفةٍ لمعانيها، ولهُ قصّة ٌ عجيبة ٌ تدلُّ على كرامةٍ من اللهِ لهُ – بعدَ أن ِ افترى عليهِ بعضُ أهل ِ عصرهِ ونابذوهُ حسداً وبغياً – ، حدثتْ في ساعةِ وفاتِهِ ، حدّثني بها غيرُ واحدٍ من أهل ِ العلم ِ ومنهم شيخُنا مُحمّدٌ ، ولذكرِها موضعٌ آخرُ .
ومن شعرهِ – أي ابن ِ بونة َ – الذي يفخرُ بهِ – وهي قصيدة ٌ مشهورة ٌ – قولهُ :
نحنُ ركبٌ من الأشرافِ مُنتظمٌ ********* أجلُّ ذا العصر ِ قدراً دونَ أدنانا
قد اتخذنا ظهورَ العيس ِ مدرسة ً ********* بها نُبيّنُ دينَ اللهِ تِبيانا
ومن أرادَ الوقوفَ على ترجمتهِ ، فلْيُراجعْ كِتابَ ” الوسيطِ في تراجم ِ أدباءِ شنقيطَ ” ، وهو مطبوعٌ مُتداولٌ .
ومن عجائبِ ما يُذكرُ عن والدهِ ، ما حدّثني بهِ شيخي مُحمّدٌ نقلاً عن شيخِنا الإمام ِ : مُحمّدٍ العُثيمين ِ – برّدَ الله مضجعهُ – أنَّ والدهُ كانَ يحفظُ كتابَ ” البدايةِ والنهايةِ ” للإمام ِ ابن ِ كثير ٍ – رحمهُ اللهُ – كاملاً ، وقد كرّرَ شيخُنا نقلَ هذا الكلام ِ غيرَ مرّةً ، وأخبرني الشيخُ أنَّ والدهُ كانَ من كِبارِ الضابطينِ لعلمِ التأريخ ِ والنّسبِ ، وذكرَ شيئاً من ذلكَ أيضاً العلاّمةُ : بكرُ بنُ عبدِ اللهِ أبو زيدٍ – شفاهُ اللهُ ومتّعهُ بالعافيةِ – ، في كتابهِ ” طبقاتُ النسّابينَ ” وغيرهُ .
ومن فضائلهِ – أعني والدهُ – جلَدهُ وصبرهُ ، فقد أوتيَ صبراً عظيماً على ما ابتلاهُ اللهُ بهِ من الأمراض ِ وتقلّبِ الأحوال ِ ، وبقدر ِ ما كانَ يعظمُ بهِ البلاءُ ويشتدُّ عليهِ الكربُ ، كانَ يزدادُ في الثباتِ صبراً واحتساباً ، من ذلكَ أنّهُ كانَ لا يكرهُ البنج والمخدّرَ في الجراحةِ ، فحصلَ عليهِ حادثٌ اقتضى جراحة ً فامتنعَ من قبول ِ البنج ِ ، وأجريتْ لهُ العمليّة ُ وخيطتْ جلدة ُ رأسهُ وهو في كامل ِ وعيهِ ، ولم يزدْ على أنْ كانَ يذكرُ اللهَ تعالى ، ولهُ في هذا أخبارٌ عجيبة ٌ ، ذكرها شيخُنا في دروسِهِ ومحاضراتهِ ، وأتى على شيءٍ منها العلاّمةُ : مُحمّدٌ المجذوبُ – رحمهُ اللهُ – في كتابهِ ” علماءُ ومفكّرونَ عرفتهم ” ، في جزءهِ الثالثِ ، فلْيُراجعْهُ من أرادَ الوقوفَ على ذلكَ .
وُلدَ شيخُنا في المدينةِ النبويّةِ سنةَ 1381 هـ ، كما حدّثني بذلكَ ، ودرسَ فيها دراستهُ النظاميّةَ ، وأكملَ الدراسةَ المتوسّطةَ والثانويّةَ في معاهدِ الجامعةِ الإسلاميّةِ التابعةِ لها ، ثمَّ أكملَ دراستهُ الجامعيّة َ في الجامعةِ الإسلاميّةِ ، في كلّيةِ الشريعةِ ، وتخرّجَ منها ، ثُمَّ عُيّنَ بها معيداً ، وحضّرَ رسالتهُ الماجستيرَ فيها ، وكانَ عنوانُ رسالتهِ ” القدحُ في البيّنةِ في القضاءِ ” ، ولم تطبعْ بعدُ ، ثُمَّ حضّرَ رسالتهُ في الدكتوراه ، وكانَ ينوي ابتداءً أن تكونَ في تحقيق ِ جزءٍ من كتابِ الإمام ِ ابن ِ عبدِ البرِّ – رحمهُ اللهُ – ” الاستذكارُ ” ، ثمَّ عدلَ بعدَ مشورةٍ لبعض ِ مشايخهِ إلى أن تكونَ رسالتهُ في الجراحةِ وأحكامِها ، فاختارَ ذلكَ الموضوعَ ، وكانتْ أطروحتهُ بعنوان ِ ” أحكامُ الجراحةِ الطبيّةِ والآثارُ المُترتبة ُ عليها ” ، وقد أجيزتْ بمرتبةِ الشرفِ الأولى ، مع التوصيةِ بالطبع ِ ، وطبعتْ مراراً ، وأخذَ شيخُنا عليها جائزة َ المدينةِ المنوّرةِ للبحثِ العلميِّ .
هذهُ نبذة ٌ يسيرةٌ عن مولدِ الشيخ ِ ودراستهِ وشهاداتِهِ .
أمّا عن علمهِ وفضلهِ وديانتهِ ، فهذا أمرٌ علمهُ جميعُ من عرفَ الشيخَ أو بلغهُ خبرهُ ، واستقرَّ في نفوسهم ، لما سمعوهُ من علمهِ ووقفوا عليهِ من فضلهِ وآثار ِ صلاحهِ ، فالشيخُ لهُ منظرٌ يُنبئُ عن مخبرهِ ، فلا يراهُ أحدٌ إلا ويذكرُ اللهَ تعالى ، فوجههُ وضيءٌ ، طلقُ المُحيّا ، مبتسمُ الثغر ِ ، ناتئُ الجبهةِ وبها أثرٌ للسجودِ ، وأسنانهُ بها فلجة ٌ زيّنتْ طلعتهُ ، وسيما الصلاح ِ وآثارُ الهُدى تتقاطرُ من حال ِ الشيخ ِ وهديهِ وسمتهِ .
حينَ الحديثِ عن علمهِ ووفرتهِ ، فإنَّ الأمرَ لا يحتاجُ إلى كبير ِ برهان ٍ أو تأكيدٍ ، فمن سمِعَ دروسَ الشيخ ِ أو محاضراتِهِ ، علِمَ حقّاً غزارة َ محفوظهِ ، ودقّة َ فهمهِ ، وكثرة َ اطّلاعهِ ، وسعة َ مواردهِ ، فقد درسَ الشيخُ الفقهَ والحديثَ والتفسيرَ على والدهِ مِراراً ، ومن جملةِ ما قرأهُ : الكتبَ الستّة َ وتفسيرَ القرءان ِ مِراراً ، إضافة ً إلى عشراتِ المتون ِ في الفقهِ وأصولهِ وأصول ِ الحديثِ والعقيدةِ وغيرِها ، ولهُ دِراية ٌ عجيبة ٌ بمذاهبِ الفقهاءِ وأقوالِهم ، فهو يستحضرُ كِتابَ ” بدايةِ المُجتهدِ ونهايةِ المُقتصدِ ” لابن ِ رُشدٍ الحفيدِ ، ولا تكادُ تمرُّ مسألة ٌ إلا ويذكرُ فيها أقوالَ أهل ِ العلم ِ ومذاهبَهم وأدلّتهم ، ثُمَّ لا يكتفي بذلكَ فحسب ، وإنّما يُرصّعُ البحثَ بالترجيح ِ والموازنةِ بينَ الأقوال ِ ، بطريقةٍ تدلُّ على فقه النفس ِ ، وشيخُنا وإنْ كانَ على طريقةِ المالكيّةِ في التقرير ِ والتفريع ِ ، إلا أنّهُ لا يعتمدُ إلا ما صحَّ بهِ الدليلُ ، وترجّحَ لهُ بموجبِ المقارنةِ بينَ الأقوال ِ ، وهو في دروسهِ يُلقي بحسبِ ما يتهيأ لهُ ، فقليلاً ما يُعدُّ أو يُراجعُ للدرس ِ ، وإنّما يأتي إلى مجلسهِ ويُقرأ عليه ، فينطلقُ كالسيل ِ الهادر ِ ، ولا يُعرفُ انتهاءِ الدرس ِ إلا بسكوتهِ .
وطريقتهُ في التدريس ِ كطريقةِ أصحابِ المطوّلاتِ من كُتبِ الفقهِ ، إذ يذكرُ المسألة َ وفروعها ، ويُطيلُ النفسَ فيها ، فينتظمُ درسهُ أبوابَ الفقهِ أصولاً وفروعاً ، ويذكرُ في كلِّ مسألةٍ أقوالَ أهل ِ العلم ِ فيها ، ويوردُ أدلّتهم وافرة ً تامّة ً ، ثمَّ يذكرُ أجوبةٍ كلٍّ ، حتّى يصلَ إلى ما يختارهُ ويُرجّحهُ ، فيذكرُ وجهَ اختيارهِ ، ويُجيبُ على أدلّةِ الآخرينَ ، كلُّ ذلكَ صارَ طبعاً فيهِ وعادة ً ، فلا يتكلّفُ شيئاً في درسهِ البتّة َ .
وقد توفيَ والدُ شيخِنا في سنةِ 1406 هـ ، ولشيخِنا من العمر ِ 25 عاماً ، وحينَ وفاتهِ أجازهُ بالفُتيا والتدريس ِ ، وكان ابتداءُ شيخِنا بالقراءةِ على والدهِ وعمرُه عشرُ سنواتٍ ، كما أخبرَ بذلكَ في دروسهِ .
وشيخُنا كثيرُ القراءةِ والمطالعةِ ، ولهُ عناية ٌ خاصّة ٌ بالكتبِ ومعرفة ٌ بها ، ومكتبتهُ كبيرة ٌ ، ورثَ أكثرَها عن أبيهِ ، فيها نفائسُ الطبعاتِ وأندرُها ، وقد حدّثني صاحبٌ من طلبةِ العلم ِ ، أنّهُ تناقشَ مع شيخِنا في مسألةٍ ، فذكرَ صاحبُنا للشيخ ِ أنَّ ابنَ تيميّة َ يرى رأيهُ ، فقالَ شيخُنا : لقد قرأتُ الفتاوى ثلاث مرّاتٍ ، ولم يمرَّ عليَّ هذا الكلامُ ! ، فإذا كانتِ الفتاوى قرأها ثلاث مرّاتٍ ، فكيفَ يكونُ شأنُ غيرها من الكتبِ والرسائل ِ ؟ ، ومن عجيبِ ما وقعَ لي معهُ أنّي مرّة ً أتيتُهُ فرِحاً أريدُ إلزامهُ بأمر ٍ ما في مسألةٍ فقهيّةٍ ، فذكرتُ لهُ وجهها ، فقالَ وهو يبتسمُ ابتسامة َ القرير ِ : انظرِ الجوابَ عنها في كتابِ ” شرح ِ مُختصر ِ الخرقيِّ ” للإمام ِ الزركشيِّ ، وكانَ الكتابُ حديثَ الطباعةِ ، فعجبتُ من سرعةِ قراءةِ الشيخ ِ للكتابِ ، بلهَ وقوفهُ عليهِ ! .
كما أنَّ لشيخِنا جلداً وصبراً ومُجاهدةً على بثِّ العلم ِ ونشرهِ ، وذلك أنَّهُ كانتْ لهُ ثلاثُ مجالسَ يُقرئُ فيها الفقهَ ، أحدُها بجُدّةَ والأخرى بمكّة َ والثالثة َ بالمدينةِ ، وكانَ يأتي هذهِ الدروسَ برّاً بسيّارتهِ ولوحدهِ ، ولا يكادُ يبيتُ في جُدّة َ إلا قليلاً ، ودرسهُ في مكّة َ يوم الثلاثاءِ في شرح ِ كتابِ ” زادِ المُستقنِع ” فإذا قضى منهُ ربّما سافرَ إلى المدينةِ ، ويعودُ في الغدِ إلى جُدّةَ ليُلقي فيها درسهُ في شرح ِ كتابِ ” سُنن ِ الترمذيِّ ” ، فإذا فرغَ من درسهِ وانتهى سافرَ إلى المدينةِ مرّة ً أخرى ، لأنَّ لديهِ درساً في المسجدِ النبويِّ يومَ الخميس ِ في شرح ِ كتابِ ” عمدةِ الأحكام ِ ” ، وهكذا حياتهُ ، سفرٌ ونصبٌ في سبيل ِ العلم ِ ونشرهِ ، على ما يعانيهِ من المرض ِ واعتلال ِ الصحّةِ ، وقلّما تجِدُ معهُ رفيقاً في السفر ِ ، وذلكَ أنّهُ لا يُحبُّ أن يشقَّ على أحدٍ من طلاّبهِ أو رِفاقهِ ، فإن حصلَ وسافرَ معهُ أحدُهم ، أخذَ منهُ العهدَ على أن يكونَ الشيخُ هو صاحبَ النفقةِ والزادِ ، وأن يكونَ الآخرُ هو الأميرَ ، فإن رضيَ بذلكَ فبها ونعمتْ ، وإلا فإنَّ عذرَ الشيخ ِ بيّنٌ وواضحٌ في تركهِ .
وهذا يقودُنا للحديثِ عن كرم ِ الشيخ ِ وسخاءهِ ، وواللهِ – الذي لا إلهَ إلا هوَ – أنّي لم رجلاً أكرمَ ولا أسخى ولا أجودَ من شيخِنا :
لا تطلبنَّ كريماً بعدَ رؤيتهِ ! ********** إنَّ الكِرامَ بأسخاهم يداً خُتموا
وقد صحبتُ النّاسَ ورأيتُ غنيّهم وفقيرُهم وعالمهم وجاهلهم وشريفهم ووضيعهم ، ولكنّي لم أرَ رجلاً لا يرى المالَ شيئاً ، ولا يُبالي بهِ ، كشيخِنا ، فقد كانَ نفّاحَ اليدِ ، كثيرَ الصدقةِ ، لا يردُّ سائلاً ، ولا ينظرُ فيما يخرجُ من جيبهِ من مال ٍ ، بل يمدُّ يدهُ فإن خرجَ الرّيالُ وهبهُ ، أو خرجتِ الخمسمائة ُ وهبها ، كلّها عندهُ سواءٌ ، وأصحابُ الحاجةِ يقصدونَ إلى الشيخ ِ ويتصدّونَ لهُ ، لعلمهِم بسخاءِ يدهِ وطلاقةِ وجههِ ، ولهُ صدقاتٌ معروفةٌ مُستمرّة ٌ ، وصلة ٌ للغرباءِ ، ووصلٌ بالأرحام ِ ، وكنتُ إذا زرتهُ أكرمني إكراماً عظيماً وبالغَ في ذلكَ ، وما أتيتهُ إلا وكنتُ في بيتهِ بمنزلتهِ فيهِ ، أجلسُ وأنا ربُّ الدار ِ ، وهو يخدمُ ويقومُ ويأتي بنفسهِ ، وربّما أعانهُ بعضُ إخوتهِ ، ولا تكادُ تزورُ الشيخَ إلا وتشعرُ ذاتَ الشعور ِ الذي شعرتُهُ أنا ، فهو مُتهيئٌ للجودِ والكرم ِ بالفطرةِ .
وفي بيعهِ وشراءهِ لا يُماكسُ ولا يترادُّ مع البائع ِ ، وإنّما يشتري بنفس ٍ طيّبةٍ ، وربّما يزيدُ في السعر ِ ، وكنتُ معهُ مرّة ً فوقفَ لتعبئةِ السيّارةِ بالوقودِ ، فدفعِ للعامل ِ مُستحقّهِ ولم يأخذ ما تبقّى من المال ِ ، بل تركهُ للعامل ِ ، وهذه عادة ٌ معروفة ٌ للشيخ ِ ، أنّهُ لا يكادُ يستردُّ ما بقيَ لهُ من مال ٍ إلا نادراً ، كرماً منهُ وسخاءً ، كما أنّهُ إذا قبلَ الهديّة َ كافأ صاحبَها ولا بُدَّ بأحسنَ منها ، بل إنّهُ مرّة ً حضرَ مأدبة ً أقامها لهُ رجلٌ قعيدٌ لا يمشي لحادثٍ أصابهُ ، فلمّا انتهتِ المأدبة ُ قصدَ الشيخ ُ إلى أحدِ الشبابِ وأعطاهُ مبلغاً وقالَ لهُ : ادفعه إلى صاحبِ المنزل ِ ، فلمّا جاءَ الرّجلُ بالمال ِ إلى صاحبِ المنزل ِ ، تفاجأ وإذا بهِ يوازي ما دفعهُ على المأدبةِ ، وقد حدثني بهذه القصّة ُ صاحبُ الدعوةِ شخصيّاً .
وبلغهُ مرّة ً أنَّ أحدَ طلاّبهِ مرضتْ أمّهُ ، فما كانَ من شيخِنا إلا أن أدخلها أحدَ المستشفياتِ الخاصّةِ على نفقتهِ ، إلى أن برئتْ ، وهو في هذا من عجائبِ الزمان ِ ، رعاية ً لحقوق ِ طلاّبهِ وأصفيائهِ ، وسؤالاً عنهم ، ووقوفاً معهم في حالاتِ العُسر ِ والكربةِ والضيق ِ ، ولا أعرفُ رجلاً من طلاّبهِ إلا وللشيخ ِ عليهِ يدٌ أو صنيعة ٌ ، يفعلُ ما يفعلُ بنفس ٍ طيبةٍ وصدر ٍ رحبٍ ، وواللهِ إنّهُ كانَ يهتزُّ للبذل ِ والعطاءِ والصلةِ كما يهتزُّ الغريبُ بالوصل ِ واللقاءِ ، ويهبُ الأعطية َ كأنّما يهبُها لنفسهِ ، لا يستكثرُ شيئاً أو يتعاظمُ مالاً .
هذا بالرغم ِ من قلّةِ المال ِ في يده ِ ، وعدم ِ اكتراثهِ بطلبهِ ، واكتفاءهِ بما يأخذهُ من تدريسهِ بالجامعةِ فقط ، فقد كانَ الشيخُ كثيراً ما ينسى راتبهُ في الجامعةِ ، ولا يأخذُهُ إلا بعدَ أن يتّصلَ بهِ المُحاسبُ ويذكّرهُ بذلكَ ، كما أنّهُ حينَ وُهبَ جائزة َ المدينةِ المنوّرةِ للبحثِ العلميِّ ، قامَ وأعلنَ في مُجتمع ِ الحفل ِ أنّهُ تبرّعَ بكامل ِ مبلغ ِ الجائزةِ للجمعيّةِ الخيريّةِ في المدينةِ النبويّةِ ، وعندما طبعَ كتبهُ لم يأخذَ عليها أجراً ورفضَ رفضاً تامّاً ، وإنّما شرطَ على بائعِها أن تُخفضَ قيمتُها حتّى يتمكّنَ طلاّبُ العلم ِ من شراءه ، مع أنّهُ كتابهُ راجَ رواجاً عظيماً ، وطُبعَ أكثرَ من خمس ِ طبعاتٍ ، كما أنّهُ مؤخراً طبعَ ما بقيَ من أجزاءِ كتابِ والدهِ ، وقامَ بتوزيعهِ مجّاناً .
وهناكَ بيوتاتٌ كثيرة ٌ في المدينةِ النبويّةِ تقومُ على ما يُرسلهُ الشيخ ُ لهم من صدقاتٍ وهباتٍ ، وقد وقفتُ على شيءٍ من ذلكَ بنفسي ، وسمعتُ من غيري من الإخوةِ طرفاً صالحاً .
وهذا غيضٌ من فيض ٍ في حال ِ الشيخ ِ مع الصدقةِ والصلةِ والبذل ِ ، ومن عرفَ الشيخَ علِمَ أنّي قصّرتُ في وصفهِ ، وأمسكتُ عن كثير ٍ من حالهِ فيهِ ، خشية َ أن لا أنسبَ إلى المجازفةِ والمبالغةِ .
ولشيخِنا والدة ٌ يبرُّ بها بِرّاً عظيماً ، فهو إنّما يُكثرُ السفرَ إلى المدينةِ ويُقلُّ من المبيتِ خارجَها رِعاية ً لها ، وبِرّاً بها ، وقد كنتُ في مجلسهِ يوماً بعد صلاةِ المغربِ ، فقامَ الشيخُ يُصلّي الراتبة َ ، فسمِعتُ صوتاً يُنادي : مُحمّد ! مُحمّد ! ، فقامَ شيخُنا وقطعَ صلاتهُ وخرجَ ، فعلِمتُ أنَّ هذهِ أمّهُ ، وقد حدّثني – أعلى اللهُ قدرهُ – أنَّ تركَ الرقية َ والقراءةَ على المرضى بطلبٍ من أمّهِ ، فلا تجدُ الشيخَ قارئاً على مريض ٍ أبداً ، بِرّاً بأمّهِ وصيانة ً لها ، وفي أحدِ دروسهِ حرّجَ باللهِ العظيم ِ أنْ لا يحضرَ دروسهُ رجلٌ عاقٌّ لوالديهِ ، أو ممتنعٌ عن برّهم ، وقالَ : لولا أنّي لا أريدُ أن أحرجَ أحداً ، وإلا لأمرتهم بالخروج ِ الآنَ من الدرس ِ ، وإذا تكلّمَ عن برِّ الوالدين ِ خشعتْ جوارحهُ ، ورقَّ قلبهُ ، ودارتْ الدمعاتُ في عينهِ ، وشفّتْ روحهُ ، رضيَ اللهُ عنهُ وأعلى قدرهُ .
ويمتدُّ برّهُ ويتسلسلُ ليصلَ إلى أشياخهِ وإخوانهِ من أهل ِ العلم ِ ، فلهم عندَ الشيخ ِ منزلة ٌ وقدرٌ عظيمٌ ، فلا يكادُ الشيخ ُ في دروسهِ يذكرُ أهلَ العلم ِ إلا عقّبَ على أسماءهم بالترحّم ِ عليهم ، والدعاءِ لهم بالرضى عنهم ، وهذه من حسناتهِ الكبيرةِ ، والتي غرسها في طلاّبهِ وأحياها فيهم ، فلا يمرُّ عليهِ اسمُ العالم ِ أو الشيخ ِ إلا ودعا لهُ ، وترّحمَ عليهِ ، وأمرَ قارئهُ أن يفعلَ ذلكَ ، برّاً بهم ومعرفة ً لقدرِهم ، فهو يرى أنَّ لهؤلاءِ الأجلّةِ مكانة ً عظيمة ً علينا ، فهم أصحابُ الفضل ِ والسابقةِ ، ولا بُدَّ أن يُعرفَ فضلُهم ، ويُدعى لهم .
والشيخ ُ لا يسمحُ لأحدٍ كائناً من كانَ أن يقعَ في عرض ٍ عالم ٍ بمجلسهِ ، أو ينتقصَ منهُ ، وأشدُّ ما رأيتُ الشيخَ غاضباً حينُ ينتهشُ عرضُ عالم ٍ ، أو يُنالُ منهُ بحضرتهِ ، فيغضبُ الشيخ ُ غضبة ً مضريّة ً ، ويخرجُ عن طبيعتهِ المعروفةِ بالسماحةِ واللين ِ واليسر ِ ، طاعة ً للهِ ولرسولهِ – صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ – ، ثمَّ عِرفاناً لحقِّ أهل ِ العلم ِ ولمكانتِهم ، وقد كُنتُ بحضرتهِ ومعنا رجلٌ في ضيافةِ الشيخ ِ ، وكانَ الرّجلُ يشربُ الشاي ، فإذا بهِ يقولُ للشيخ ِ : يا شيخُ ! ، ألا ترى أنَّ الشيخَ عبدَ العزيزَ بنَ باز ٍ يحتاجُ إلى إعادةِ نظر ٍ في بعض ِ الفتاوى ! ، وقد فهِمَ شيخُنا من حديثِ الرّجل ِ أنّهُ يقصدُ الغضَّ من الإمام ِ بن ِ باز ٍ – نوّرَ اللهُ قبرهُ – ، فلم يجدْ شيخُنا بُدّاً من أن أمرَ الرّجلَ بالخروج ِ من بيتهِ ، وقالَ لهُ : لا يجمعُني ومتنقّصُّ الشيخ ِ بن ِ باز ٍ سقفٌ، فخرجَ الرّجلُ من بيتِ الشيخ ِ ، وحدّثني الشيخُ لاحقاً أنَّ الرجلَ جاءهُ بعد أسبوع ٍ وهو يقولُ : أشهدُكَ يا شيخُ أنّي أتوبُ إلى اللهِ من الكلام ِ في الشيخ ِ بن باز ٍ وغيرهُ من أهل ِ العلم ِ .
والشيخ ُ ابنُ باز ٍ – رحمهُ اللهُ – أحبُّ النّاس ِ إلى قلبهِ من أهل ِ العلم ِ بعدَ والدهِ ، وقد قالَ لي مرّة ً : الجامعة ُ الإسلاميّة ُ انتهتْ بعد الشيخ ِ بن ِ باز ٍ ، و حينَ جنازةِ الشيخ ِ في مكّة َ – شرفها اللهُ – رآهُ بعضُ الإخوةِ متأثّراً باكياً .
أمّا الغيبة ُ والنميمة ُ والبهتانُ ، فهي عندَ شيخِنا من أكبر ِ الكبائر ِ ، ولا يسمحُ لأحدٍ أن يغتابَ أحداً أو يغضَّ من قدرهِ مهما كانتِ الدوافعُ والمبرّراتُ ، وقد كانَ لهُ مجلسٌ في بيتهِ يومَ الجمعةِ بعدَ صلاةَ العصر ِ كلَّ أسبوع ٍ ، يأتي إليهِ طلبة ُ العلم ِ للفائدةِ والمناقشةِ ، فكثرَ في مجلسهِ دعاة ُ الفتنةِ ، من الذينَ ينتقصونَ العلماءَ ، ويُثيرونَ الفتنَ ، ويقتاتونَ على التصنيفِ ، فما كانَ من شيخِنا إلا أن أغلقَ مجلسهُ ، وفضَّ ذلكَ المحفلَ ، وشيخُنا يُكثرُ من ذكر ِ قصص ِ العلماءِ في حفظِ اللسان ِ والتصوّن ِ عن الوقيعةِ في الصالحينَ ، فقد كانَ هذا دأبُ والدهِ ، بل هو دأبُ الصالحينَ جميعاً ، أنّهم أملكُ ما يكونون لألسنتهم ، فلا يذكرونَ أحداً إلا بالجميل ِ ، ويُمسكونَ عن الكلام ِ والتجريح ِ ، طاعة ً للهِ وديانة ً وقُربى ، على العكس ِ من الكثير ِ من دعاةِ الفتنةِ والسعاةِ بالباطل ِ ، الذين جعلوا ألسنتهم ناراً تأكلُ أعراضَ أهل ِ العلم ِ، ومقارضَ تقرضُ في مناقبِهم وتُذيعُ مثالبَهم .
والحديثُ عن عفّةِ اللسان ِ وصيانتهِ عن اللغو ِ ، يدعو حتماً للحديثِ عن الورع ِ والتواضع ِ ، وهذا من آثار ِ شيخِنا الحميدةِ ، أنّهُ ورعٌ متواضعٌ ، تشهدُ بذلكَ أفعالهُ وتدلُّ عليهِ آثارهُ ، خاصّة ً فيما يتصلُ بالفُتيا ومسائل ِ العلم ِ ، فقلَّ أن تُرى لهُ مسألة ٌ يُخالفُ فيها الإجماعَ ، أو ينتحي فيها طرائقَ أهل ِ الشذوذِ والتفرّدِ ، بل يسلكُ مسالكَ أهل ِ العلم ِ ، ولا يحيدُ عنهم ، فليستْ للشيخ ِ مسألة ٌ أو فتوى إلا ولهُ فيها سلفٌ وأثرٌ ، وقد كانَ كثيراً ما يُسألُ فلا يجيبُ ، ويكتفي بقولهِ : اللهُ أعلمُ ، أو يُحيلُ على أهل ِ العلم ِ الكِبار ِ ، وفي مجالسَ عدّةٍ رأيتُهُ يُحيلُ على شيخِنا ابن ِ باز ٍ – رحمهُ اللهُ ورضيَ عنهُ – ، وبعدَ موتهُ سمعتهُ يُحيلُ أكثرَ من مرّةٍ على الشيخ ِ العلاّمةِ المفتي عبدِ العزيز ِ آلَ الشيخ ِ – حفظهُ اللهُ – ، وما كانَ يفعلُ ذلكَ عن قلّةِ في علمهِ ، أو نقصاً في أهليّتهِ ، إنّما يفعلهُ ورعاً وتحوّطاً ، وبلغَ من تواضعهِ بينَ يدي أهل ِ العلم ِ ، أنّهُ امتنعَ دهراً من إلقاءِ الدروس ِ في بلادِ القصيم ِ ، لمكان ِ شيخِنا الإمام ِ ابن ِ عُثيمينَ – رحمهُ اللهُ ورضيَ عنهُ – ، وحتّى عندما ألقى محاضرةً هناكَ ، امتنعَ من أن يُجيبَ على الأسئلةِ فقهيّةٍ ، تواضعاً منهُ ، ورِعاية ً لحقِّ الأكابر ِ من العلماءِ ، وعندما ألقى درسهُ في مكّة َ بحضرةِ الإمام ِ بن ِ باز ٍ – رحمهُ اللهُ – لم يجلسْ على الكرسيِّ في مكانهِ المعتادِ مرتفعاً ، إنّما جلسَ على الأرض ِ ، كما يجلسُ الطلاّبُ ، وأكملَ درسهُ ، ثمَّ أبى عن الإجابةِ على الأسئلةِ ، وأحالها على الشيخ ِ ابن ِ باز ٍ – رحمهُ اللهُ – ، على حالةٍ من الاعترافِ بحقِّ أهل ِ العلم ِ ، وتواضعاً معهم وأدباً ، في طريقةٍ نادرةٍ قلَّ أن نجدَ لها نظيراً ، في زمن ِ التعالم ِ والتعالي ونفخ ِ الذاتِ وانتشار ِ الأنا ! .
أذكرُ مرّة ً أنَّ امرأة ً اتصلتْ عليهِ وأنا بحضرتهِ ، ففهمتُ من ردِّ الشيخ ِ أنَّها تسألُ عن أمر ٍ معيّن ٍ ، فلمّا قضى الشيخُ جوابهُ ، تغيّرتْ نبرة ُ صوتهِ ، ثمَّ قالَ لها : يا أختي في اللهِ ! ، واللهِ ما أفتيكِ ولا أفتي غيركِ إلا وأنا أتمثّلُ الجنّة َ والنّارَ أمامَ عينيَّ ، فإذا أفتيتكِ خُذي فتوايَ واكتفي بها ، وكنتُ كثيراً ما أسمعُ منهُ هذا الكلامَ ، فرضيَ اللهُ عنهُ ما كانَ أدينهُ للهِ وأخشاهُ ! .
وللحديثِ عن عبادةِ الشيخ ِ وتقواهُ وخشيتهُ وقعٌ آخرُ ، فقد عُرفُ الشيخُ بخشيتهِ وعِبادتهِ ، فهو رجلٌ عامرُ القلبِ بالإيمان ِ – نحسبهُ كذلكَ واللهُ حسيبهُ – ، وأثرُ ذلكَ بادٍ على وجههِ وسمتهِ وجوارحهِ ، ويعلمُ اللهُ أنّي إذا رأيتُ الشيخُ أشعرُ براحةٍ عظيمةٍ ، وتنفرجُ منّي الأساريرُ ، وينزاحُ ما يهمّني أو يغمّني من وصبِ الدّنيا ونصبِها ، لأنّي لا أراهُ إلا وأرى نوراً أجدُ أثرهُ في ومضاتِهِ ، أكادُ أقبسُ منهُ دونَ أن أرى لهُ جذوة ً تمدّهُ ولا أظنُّ مصدرها إلا في صدرهِ ، فهو حينَ يدخلُ إلى درسهِ يدخلُ مُطأطأً رأسهُ ، متواضعاً للهِ جلَّ وعلا ، في هيئةٍ من الإزراءِ بالنفس ِ ، والتعظيم ِ للهِ ، تكادُ تأخذُ القلوبَ وتأسرُ الألبابَ ، وإذا صلّى إماماً فإنَّ لصوتهِ وقعاً على النفوس ِ ، فهو يقرأ بخشوع ٍ وتبتلٍّ ، تقرأ في ثنايا ترتيلهِ الخشية َ والخوفَ ، وتسري إليكَ الهيبة ُ والسكينة ُ ، وقد صلّى بنا مرّة ً أحدُ الإخوةِ أماماً وبكى في صلاتهِ ، والشيخُ خلفهُ ، وكنتُ في خلفِ الصفوفِ ، وصوتُ الشيخ ِ وبكاؤهُ يصلُ إلينا في آخر ِ المسجدِ ، فدمعتهُ سريعة ُ الوكوفِ ، وقلبهُ تغشاهُ رقّة ٌ دوماً ، وعندما شرحَ حديثَ غزوةِ الطائفِ ، تغيّرَ وجههُ ، ونشجَ نشيجاًَ كتمَ معهُ بكاؤهُ وعبرتهُ ، إلا أنّهُ لم يتمكّنْ من ذلكَ في محاضرتهِ ” واتقوا يوماً تُرجعونَ فيهِ إلى اللهِ ” ، إذ انفجرَ باكياً في مبتدأها ، لأنّه ذكرَ فيها الحشرَ والنشرَ والموتَ ، وهذه عادة ُ الشيخ ِ في حديثهِ في الرّقائق ِ ، لا يكادُ يُمسكُ عينهُ وقلبهُ ، تغشاهُ الرّقة ُ ويعلوهُ الخوفُ والوجلُ ، وتستجيبُ عينهُ لداعي ذلكَ ، فيقطعُ حديثهِ كثيراً بالبكاءِ والنشيج ِ .
وقد حدّثني صاحبٌ لي أنّهُ طافَ مرّة ً على إثر ِ الشيخ ِ في مكّة َ ، في رمضانَ في عشرِها الأواخر ِ ، قالَ صاحبي : والشيخُ يبكي بصوتٍ مرتفع ٍ ، كنتُ أسمعهُ من خلفِ النّاس ِ ، وقد فعلَ ذلكَ في مدّةِ الطوافِ كلّها .
ومن أعجبِ قصصهِ في العبادةِ والتبتّل ِ ، ما حدثنيهِ أحدُ طلاّبِ الشيخ ِ أنَّ الشيخَ دعاهم مرّة ً إلى مزرعتهِ في المدينةِ النبويّةِ ، وبعدَ انتهاءِ العشاءِ وخروج ِ الشيخ ِ ، بقيَ بعضُ الإخوةِ في المزرعةِ ، فجاءهم حارسُ المزرعةِ وجلسَ معهم ، وحدّثهم عن الشيخ ِ خبراً عجيباً ، مفادُهُ أنَّ الشيخَ كانَ يأتي المزرعةَ يوميّاً ويُصلي على أرضِها مباشرةً من بعدِ العشاءِ إلى صلاةِ الفجر ِ ، ويبكي ويبتهلُ للهِ ويضرعُ بالدعاءِ ويلهجُ بالثناءِ بينَ يديهِ ، قالَ الحارسُ : وقد رأيتهُ كثيراً يُعفّرُ جبهتهُ بالسجودِ في الترابِ وينشجُ نشيجَ الطفلَ ويبكي للهِ تباركَ وتعالى .
وقد سمعتُ هذه القصّة أكثرَ من مرّةٍ ، من أكثرَ من مصدر ٍ ، وبمثل ِ هذهِ الأخبار ِ والقصص ِ يتبيّنُ للجميع ِ ، أنَّ هذه المكانة َ السامية َ للشيخ ِ ، والمنزلة َ العالية َ ، إنّما بلغها بالعبادةِ والزهدِ والانقطاع ِ إلى اللهِ ، وبالعمل ِ الصالح ِ والعلم ِ النافع ِ ، إذ أعرضَ عن القيل ِ والقال ِ ، وتفرّغَ لبناءِ نفسهِ وإصلاح ِ حالهِ ، فآتاهُ اللهُ ثمرة َ ذلكَ في الدّنيا علوّاً في الدرجةِ ، ورِفعة ً عندَ الخلق ِ ، وما عندَ اللهِ خيرٌ وأبقى بإذن ِ اللهِ .
وبمثل ِ هذهِ الأعمال ِ الصالحةِ والذخائر ِ العظيمةِ ، حفِظَ اللهُ شيخَنا في علمهِ ونفسهِ وعقلهِ ، وبوّأهُ رُتبة ً عظيمة ً ، ووقعَ للشيخ ِ من القصص ِ ما يُؤذنُ أنَّ ذلكَ حفظ ٌ من اللهِ لهُ ، وعناية ٌ ربّانية ٌ خاصّة ٌ ، فكثيراً ما كانَ الشيخُ يقودُ سيّارتهُ مسافاتٍ طويلة ً وهو نائمٌ ، لا يدري عن الطريق ِ ، ويستيقظ ُ فجأة ً وهو قريبٌ من أحدِ الحواجز ِ ، أو على وشكِ الجنوح ِ إلى جانبِ الطريق ِ ، وقد سمعتُ هذا بنفسي من الشيخ ِ ، ولم أشكَّ قطُ – حينَ حدّثني بها – أنَّ هذا من حفظِ اللهُ لهُ ورِعايتهِ بهِ ، كأنّما يُهيّئهُ لأمر ٍ عظيم ٍ .
ومن أعظم ِ ما يدلُّ على مناقبِ الشيخ ِ ومكانتهِ ، قصّة ٌ وقعتْ وانتشرتْ في أوساطِ النّاس ِ في المدينةِ النّبويّةِ ، وهي حادثة ٌ معروفة ٌ ، مُلخّصُها أنَّ رجلاً – واسمهُ معروفٌ – من هواةِ التصنيفِ والوقوع ِ في الأعراض ِ ، لمزَ شيخنا في عرضهِ ووقعَ فيهِ بكلام ٍ بذيءٍ مُستقبح ٍ ، لا يجترأ قلمي على ذكرهِ مُخبراً بهِ وآثراً ، فكيفَ بي أن أقولهُ مُعتقداً لهُ ! ، وروّجَ ذلكَ الأفّاكُ الأثيمُ الكلامَ على الشيخ ِ ، ونشرهُ بينَ النّاسَ ، فدعا عليهِ شيخُنا ، وواللهِ ما مرّتِ الأيّامُ إلا والرّجلُ يُلقى عليهِ القبضُ في قضيّةٍ أخلاقيّةٍ وهي اللواطُ – أجارنا اللهُ وإيّاكم منها – ، بعدَ أن افترى على شيخِنا وقذفهُ في عرضهِ ، وهكذا ينتصرُ اللهُ لأوليائهِ ، ويذودُ عنهم .
ولعلَّ هذا يكونُ ذكرى لإخوانِنا الذين ابتلوا بالوقيعةِ في أعراض ِ أهل ِ العلم ِ ، أن يستلهموا منها العظة َ والعبرة َ ، قبلَ أن يقعوا في شركِ الفضيحةِ في الدّنيا ، وسوءِ الخاتمةِ عندَ الموتِ .
وللشيخ ِ موقفٌ مُباركٌ في رعايةِ حقِّ الجماعةِ وولاةِ الأمر ِ ، فهو يرى طاعتهم والسمعَ لهم ، وحينَ وقعتِ الأحداثُ الأخيرة ُ بادرَ باستنكار ِ ذلكَ والتشنيع ِ على فاعلهِ ، وحثَّ الشبابَ على لزوم ِ الكتابِ والسنّةِ ، وعدم ِ الخروج ِ على ولاةِ الأمر ِ ، ودعاهم إلى ضبطِ سلوكِهم وأحوالِهم ، وترشيدِ حماسِهم وتهدئةِ فورتِهم ، وذكرَ الولاة َ بخير ٍ ودعا لهم بالحفظِ والصلاح ِ ، وهذا هو موقفُ أهل ِ الحكمةِ والعدل ِ في الأحداثِ الجسام ِ ، أن يكونوا مع الجماعةِ ، ويقفوا في صفِّ الأمّةِ ، وأن لا يشقّوا عصا الطاعةِ أو يُحدثوا ثلمة ً يلِجُ منها الأعداءُ .
وفي ذاتِ الوقتِ كانَ شيخُنا من أشدِّ النّاس ِ تأثّراً بحال ِ إخوانهِ من المسلمينَ في الخارج ِ ، وقد سمعتهُ كثيراً ما يقنتُ لهم ، ويُذكّرُ بحقهم ، بل كانَ يبكي بكاءً شديداً عندما تقعُ حادثة ٌ للمسلمينَ أو مظلمة ٌ ، ويدعو النّاسَ للدعاءِ لهم ، والصدقةِ عليهم ، والقنوتِ في الصلواتِ ، فهو رجلٌ يحملُ همَّ إخوانهِ ، ولا تكادُ تمرُّ حادثة ٌ إلا وذكّرَ بما وقعَ لهم ، وقنتَ لهم وبكى تأثّراً بحالهم ومصابِهم .
وأختمُ بأمرين ِ :
أوّلهما : أمرُ الشيخ ِ بالمعروفِ ونهيهُ عن المنكر ِ ، فهو آمرٌ بالمعروفِ ناهٍ عن المنكر ٍ ، يقومُ بحقِّ اللهِ في هذا الأمر ِ ، ومن ذلكَ أنَّ مجموعة ً من الرافضةِ – عليهم من اللهِ ما يستحقّونَ – كانوا قد تحلّقوا وقوفاً في المسجدِ النبويِّ الشريفِ ، وأوعزوا إلى أشقاهم أن يقومَ ويُشعلَ سيجارة ً ويُدخّنَ في باحةِ الحرم ِ ، وهم حولهُ يحوطونهُ ويحرسونهُ ، قالَ شيخُنا : فلم أتمالكْ نفسي ، ودخلتُ في وسطهم وصفعتُ الرافضيَّ مُخمّساً – هكذا نطقها الشيخُ – على وجههِ ، فخنسَ الرافضيُّ ، وولّى قومهُ الدبرَ على حالةٍ من الخزي والعار ِ .
وشيخُنا يأمرُ من يصلّي وراءَ الرافضةِ بأن يُعيدَ صلاتهُ ، ولفتَ في حديثهِ عنهم – أخزاهم اللهُ – إلى أمر ٍ مهمٍّ ، وهو أنَّ الرّافضة َ قليلاً ما يتوبونَ ، يقولُ شيخُنا : ولعلَّ اللهَ غارَ على أعراض ِ صحابةِ رسولهِ – صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ – فقلَّ أن يوفّقَ أحدهم لتوبةٍ أو تغيير ٍ لمنهجهِ الخبيثِ .
الثاني : لُطفُ الشيخ ِ وظرفهُ وسعة ُ أخلاقهِ ، وهذا أمرٌ يعرفهُ عن الشيخ ِ من لزمهِ أو صحِبهُ ، أنّهُ فكِهُ الخلق ِ ، لطيفُ الرّوح ِ ، ليّنُ العريكةِ ، كثيرُ البشر ِ والمُلاطفةِ والمُداعبةِ لطلاّبهِ وأصدقاءهِ ، أذكرُ مرّة ً أنّهُ دعا بدعوةٍ في محفل ٍ بأن يقبضهُ اللهُ ويُميتهُ في المدينةِ النبويّةِ ، فجلجلَ المجلسَ وصدحوا قائلينَ : آمين ! ، فقلتُ بصوتٍ مرتفع ٍ : اللهمَّ أجمعينَ ! ، فقالَ شيخُنا وهو يبتسمُ : لا ما يصير كذا ! ، بعدين يصير زحمة .
ومرّة ً كنّا في أحدِ القرى معهُ ، وفي المجلس ِ أخلاطٌ من جُفاةِ الأعرابِ ، وقليلي العلم ِ ، ولا يعرفونَ حقَّ أهل ِ العلم ِ أو طريقة َ مُخاطبتهِم ، فبادرَ أحدُهم شيخنا بالسؤال ِ وقالَ : يا شيخ لو فيه رجلين أحدهم مزيّن لحيّته والثاني مدخّن ، مين يصلّي إمام ؟! ، قالَ شيخُنا وهو يبتسمُ : صلّ إنت ، أنت مو مزيّن لحيتك ولا شارب للدخان ، فضحك المجلسُ ، وكانَ غرضُ الشيخ ِ أن يلفتَ النّاسَ إلى السؤال ِ عن مسائلَ ذاتِ فائدةٍ مباشرةٍ ، ولهذا ابتدرتُ المجلسَ وسألتُ سؤالاً يُهمُّ الجميعَ ، فنظرَ إليَّ الشيخُ وقالَ : إيه هذي هي الأسئلة اللي نبغاها .
ومن رأى الشيخ َ علِمَ أنّهُ صاحبُ ابتسامةٍ لا تكادُ تُفارقُ وجههُ ، حتّى في أحلكِ الظروفِ ، وأشدِّ المواضع ِ ، فلا تراهُ إلا وهو يهشُّ ويبشُّ ، ويبتسمُ ويُبدي لكَ السرورَ ، وإذا سلمتَ عليهِ فإنّكَ تخرجُ من وراءِ ذلكَ بشعور ٍ أجمعَ عليهِ من يعرفُ الشيخ َ أو يسلّمُ عليهِ : وهو أنّهُ يعرفكَ وبينكما صُحبة ٌ! ، فلا ينزعُ يداً ، أو يكفُّ عن ترحيبٍ ، أو يقطعُ ابتسامة ً ، حتّى تفعلَ أنتَ ذلكَ ، وهذا من عظيم ِ خلقهِ وسعةِ صدرهِ .
على أنَّ فيهِ حدّة ً تكادُ تُقرأ من كلامهِ وأسلوبهِ ، فينثالُ من جنباتِ بعض ِ حديثهِ وهجُ الحدّةِ ، وزفرة ُ القوّةِ ، إلا أنّهُ يكسرُ ذلكَ كلّهُ بالحلم ِ ، ويردُّ نفسهُ إلى طبيعةِ التروّي .
كما أنّهُ تامُّ المروءةِ وافرُ الخلق ِ ، لا يوجدُ عندهُ ما يقدحُ في مروءةٍ أو يشينُ في طبع ٍ ، وإنّما هو العدلُ والوسطُ في الخلق ِ والطبيعةِ ، مع عفافٍ تامٍّ ، وتصوّن ٍ عظيم ٍ ، وغيبةٍ مأمونةٍ ، وحرص ٍ على أسبابِ السلامةِ ، وبُعداً عن البدع ِ والأهواءِ .
وهذهِ الأخلاق ُ الكريمة ُ والشمائلُ الحميدة ُ ، جعلتْ طلاّبهُ يحرصونَ كلَّ الحرص ِ على التشبّهِ بهِ ، في سمتهِ ودلّهِ وهديهِ وهيئتهِ ، ومن حضرَ دروسهُ فسيرى عجباً ، من تعظيم ِ الطلبةِ لهُ وتوقيرهُ ، وإظهار ِ الإجلال ِ لهُ ، والكثيرُ منهم يحرصُ أن يتزيّا على طريقةِ الشيخ ِ ، وذلكَ أنّهُ يحرصُ على لبس ِ الغترةِ البيضاءِ ، ويحسرُ جبهتهُ ، ويجعلُ غترتهُ في الربع ِ الأوّل ِ من طاقيّتهِ ، وهذه الطريقة ُ في التزيّي امتثلها طلاّبهُ ، وساروا عليها ، لقوّةِ ما أثّرهُ الشيخ ُ فيهم ، فقد وسِعهم بأخلاقهِ وفضائلهِ ، واستحوذ َ على قلوبِهم بشمائلهِ ، حتّى صارَ منهم ملءَ السمع ِ والبصر ِ والجوانح ِ ، وبمثل ِ هذهِ الكرائم ِ من الأخلاق ِ ، والنجائبِ من الخِلال ِ ، فاقَ الشيخ ُ أقرانهُ وألجمَ خصومهُ ، وصدقَ الشّاعرُ إذ يقولُ :
قاتلْ عدوّكَ بالفضائل ِ إنّها ********** أمضى عليهِ من السّهام ِ النُفّذِ
بقيَ أن أذكرَ لكم أنَّ شيخَنا لم يتزوّجْ بعدُ ، وقد ذكرَ سببَ ذلكَ أنّهُ مبتلى ببعض ِ العلل ِ والأمراض ِ ، التي تنتابهُ بين حين ٍ وأخرى ، فإن قدّرَ اللهُ لهُ وتزوّجَ فهذهِ طريقة ُ أنبياءِ اللهِ ورسلهِ – عليهم صلواتُ اللهِ وسلامهُ – ، وإن حالَ بينهُ وبينَ الزواج ِ عرضٌ أو مرضٌ ، فكم من إمام ٍ مفوّق ٍ لم يتزوجَ وملأ علمهُ الخافقينَ ، كابن ِ تيميّة َ والنووي وغيرِهم – رحمة ُ اللهِ عليهم أجمعينَ – ، نسألُ اللهَ أن يكتبَ لشخِنا الشفاءَ العاجلَ ، وأن يمدَّ في عمرهِ ويحفظهُ ، ويُبقيَهُ ذخراً للإسلام ِ والمُسلمينَ .
هذه قطوفٌ يسيرة ٌ من حال ِ شيخِنا ، كتبتُها على عجل ٍ دونَ ترتيبٍ لها أن مراجعةٍ ، والذّهنُ مكدودٌ والخاطرُ هائمٌ في أوديةِ الدّنيا ، والجسمُ قد لعبَ بهِ البردُ وفتَّ في عظامهِ ، لعلَّ اللهَ أن يُحيي بها رُفاتَ الفكر ِ البائدِ ، أو رميمَ القلمَ الجانح ِ ، فنحنُ بحاجةٍ إلى أمثال ِ هؤلاءِ الأئمّةِ الأعلام ِ ، وإلى من يُسدُّ فراغهم ، فقد تصرّمَ جيلُ العلماءِ الكبار ِ ، وبقيَ منهم طائفة ٌ يسيرة ٌ ، ولا ندري ماذا يُحدثُ اللهُ من أمر ٍ ، فإن لم نبتدر ِ الغاية َ ، ونستبقْ إلى العلياءِ والمجدِ ، في العلم ِ والعِبادةِ والصلاح ِ ، فإنَّ حالنا ستكونُ مشينة ً ، وخاتمة ُ فكرِنا ستكونُ غيرَ سديدةٍ ، ولن تُغني عنّا المدائحُ أو الأهاجي ، وإنّما هو العلمُ والعملُ ، واللهُ المستعانُ .
دمتم بخير ٍ .
==========

2011

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة + اثنا عشر =