بندر الشويقي : ملحق (الحلقة الأولى) حول : جناية النقد المسروق

621b2 banedar
بندر الشويقي : ملحق (الحلقة الأولى) حول : جناية النقد المسروق
ملحق (الحلقة الأولى) حول: جناية النقد المسروق.
للقراء الأحبة حقُّ الاعتذار منهم. أو لنَقُل: من فريق القراء الذي يريدُ مواصلة عرض إثباتاتِ (السرقات العلميَّة)، ولا يحبِّذُ الدخول في عرضِ المضامين الفكرية للكتاب قبل إتمام هذه النقطة والفراغِ منها.

أقدِّر وجهة النظر هذه.
وأقدِّر –أيضاً- وجهة النظر الأخرى.
وأخوكم –رُغم ضيق الوقت- يجهدُ في التوسُّط بين الطريقتين.

لكن على جميع الأحوال، فإن مناقشة آراء الكتاب دَينٌ في ذمِّة أخيكم، سوف يفي به قريباً –بإذن الله-. ولعلَّ يوم السبت موعدُ الوفاء –إن شاء الرحمن-.

*****

كنتُ شرحتُ في مطلع (الحلقة الأولى) سبب اختيار (السَّرقات العلميَّة) لتكون مدخلاً للحديث عن الكتابِ، قبل عرض مضامينه وأفكاره.
ثم وصلتني تلك التعليقات الهائجة من المؤلِّفَينِ –شرح الله صدريهما-، في صفحاتهما على مواقع التواصل الاجتماعيِّ. فرأيتُ فيها لهيباً ينضح بالغضب الأحمر من مجرَّد الحديث عن (سرقاتٍ علميةٍ) وقعت في كتابهما.

بعد قراءة تلك الغضبة والثورة العمياء، بدا ليَ أن المدخل كان مناسباً.
لست مُتشَفيَّاً، ولا شامتاً -معاذ الله-. ولست أحبُّ للأخوين سوى الخير والتوفيق للهدى والصَّواب. غير أني أحسبُ أنهما بحاجةٍ لمثل هذا الغضب، علَّهما يفهمانِ ما عجز الكثيرون عن شرحه لهما، أعني سوء أدبهما مع أئمة الإسلام الذي مارساه في الكتابِ تحت اسم “النقد”، و”تاريخ الأفكار”. مع ملاحظة البون الشاسع بين الحديث عن سرقاتٍ علميَّةٍ مقرونٍ بإثباتاته، وبين ما مارسه المؤلفان في كتابهما من همزٍ وغمزٍ لأئمة المسلمين.

تلك الغضبة الناريَّة سوف نحتاجُ لوقفةٍ معها عند الشُّروع في مناقشة أفكار المؤلِّفَين، حيث المفارقة الضَّخمة، والتباين الشاسع بين ما يطلبانه من أدبٍ ورفقٍ معهما، مُقابل ما يفعلانه مع الأئمة والأكابر، مما يعتبرانه “مجرَّد نقدٍ” لا أكثر!!

ما كتبته في الحلقة الأولى، هو -أيضاً- نوعٌ من النقدِ. ثم هو نقدٌ مقرونٌ ببرهانه، والحكمُ بعد ذلك للقراء في تصويبه أو تخطئته. وليس من شرطِ ثبوتِ السَّرقة إقرار صاحبها واعترافه بها. وسياقُ الدَّعوى مع الحجَّة والبرهان، يختلف عن الشتيمة والسِّباب المجرَّد التي رأيتُ الأخوين يحاولان تحوير كلامي إليهما.

الحديث عن (السَّرقات العلميَّة) ليس من نوع السِّباب الدائر في الشوارع والأسواق. بل هو بحثٌ علميٌّ، محلُّه أروقة العلمِ ومدارسه ومصنَّفاته.
ولا أظنُّ الأخوين يزعمانِ لنفسيهما عصمةً أو حرمةً تمنعُ من تقديم نقدٍ مقرونٍ بحجَّته، وهو المعنى الذي استصحباه –دون توفيقٍ- حين تناولا بقلمَيهما أئمة الإسلام بالتشذيب والغمزِ، ثم أجابا المعترضَ بأنه في إيمانه خللاً عظيماً لأنه يعتقد العصمة في أئمة الإسلام!
*****
كما أسلفتُ فما عرضته في (الحلقة الأولى) ليس سوى بعض وقفتُ عليه في كتاب (ما بعد السلفيَّة) مما أزعمُ أنه يندرجُ تحت ما يُسمَّى: “سرقاتٍ علميَّةً”.
جاءت غضبة المؤلِّفَينِ –أنارَ الله قلبيهما-، وجاء حديثُهما المتصل عن الكذب والافتراء الذي وقع عليهما!! وألحَّا كثيراً على إفلاس وعجز فلانٍ عن المناقشة، حين ترك أفكار الكتاب القويَّة، ولجأ للبحث في (السَّرقات العلمية)!!

ومعنى هذا أنهما يريدان مناقشة آرائهما المقرَّرة في الكتاب.

لكن قرأتُ -في الوقت نفسه- قولهما إن من اتهمهما بالسرقة لا يملك المزيد من الحُجَجِ، وأنه لم يقدِّم سوى قليلٍ لا يعدُّ شيئاً بالنسبة لكتابٍ من سبعمئة صفحةٍ!!

لم أفهم ما يريدانه تحديداً!!

هل مطلوبهما المزيد من الأدلة والبراهين على دعوى وجود (سرقاتٍ علميَّةٍ)؟
أم يريدان الإغضاء عن هذه النقطة، والانتقال لنقدِ أفكارهما. تلك الأفكار التي عجزتُ عنها، فلجأتُ للتعلُّق بخُرافة السرقات العلميَّة التي لا تجوز على جنابهما الموقَّر؟

الموقف هنا غير واضحٍ ..
فكما اختلف موقف القراء ..
اختلف –أيضاً- موقف المؤلَّفين ..

وبعدٍ نظرٍ، انتهيتُ إلى خيار المراوحة بين المسارينِ، بمعنى أن أخصٍّصَ الحلقةَ الثانية لمناقشة أهمِّ آراء المؤلفَين في كتابهما، ثم أرجع في حلقةٍ ثالثةٍ إلى حديثٍ إضافيٍّ جديدٍ عن سرقاتٍ علميَّةٍ أخرى وقعت في الكتاب. لنرى حينها هل القضية فقط تتعلق فقط بعشر صفحات من سبعمائة صفحة، أو أن الأمر أوسعُ بذلك.

سنناقش أهم أفكار  الكتابِ في حلقةٍ ثانيةٍ تُنشرُ غداً السبت -بحول الله وقوَّته-. لكن إلى ذلك الحين سأقفُ مع مسألتين اثنتين:

-المسألة الأولى: هل أنا ملزمٌ بمناقشة أفكار الأخوين –أصلحهما الله-؟

أو بعبارة أخرى: هل يسوغُ للأخوين المؤلِّفَين عندما تُعرَضُ تهمة (السَّرقة العلميَّة)، أن يجيبا بأن ذلك الاتهام لا يتضمنُ نقداً علمياً لأفكار الكتاب؟!
وهل من يرى سرقةً علميَّةً في كتابٍ، يكون ممنوعاً من طرح ذلك للناسِ، إلا في سياق مناقشة عامةٍ لأفكار ذلك الكتابِ ومضامينه؟

فبقطع النظر عن إقرار الأخوين بالسرقة، أو عدم إقرارهما، هل عليَّ ملامةٌ لو تناولت بالنقد جانباً واحداً من جوانبِ الخللِ في الكتابِ، ثم تركتُ لغيري مهمة نقد أفكار الكتابِ وتفكيكها؟ وبخاصة أنه كُتب الكثيرُ من ذلك.

لا شيءَ يُلزمُ بذلك .. ولا أحد يقول به.

أقولُ هذا، لأني رأيتُ الأخوين –غفر الله لهما- نزلا إلى مستوى في الكلامِ كان غيرُه أليقَ بهما، فصارا يتحدَّثانِ بلغةٍ تحزيبيَّةٍ، من جنسِ: أن فلاناً ترك مضامين الكتابِ، وذهب إلى الافتراء والتعلُّق بقضيةٍ جانبيَّة طلباً “لإرضاء شهوات الأتباع” و”تسكين خواطرهم”، وأن مسلكَ فلانٍ يمثلُ “هروباً من مسؤولية النقد”!

فليكُن الأمرُ كذلك إن أحبَّ الأخوان.
وليكُن مقصود الشويقي تسكين الأتباع كما يريدانِ.
وليكُن الموافقون على وجاهة تهمة السرقة، مجرَّد أتباعٍ منزوعي العقول.

ليكُن هذا كله صواباً ..
فهل سيغيِّرُ هذا من حقيقة وجود سرقاتٍ في الكتاب؟

ثم ألا يمكن إعادة الكلام في الاتجاه الآخر، فنقول: إن الحديث عن النوايا، وعن تسكين الأتباع، وعن الهروب من مسؤولية النقد، هو في حقيقته هروبٌ من مواجهة ثبوت تورُّط المؤلفَين في السَّرقة؟

وبخاصةٍ أني رأيتُهما يوسِّعان الحديث،  فيذكرُ أحدُهما، -ويوافقه الآخر-: أن الأتباع –والمقصود بهم من سيميل لوجاهة تهمة السرقة-، لن يقرأوا الكتابِ، وإنما “سيرضون بأيِّ شيءٍ يُطَمئنُ خواطرهم على سلامة الصَّنم من الكسر”!

لا جديدَ في هذه اللغة المتعالية، فهي نفسها اللغة الحاضرة في صفحات الكتابِ، وسوف نرى لاحقاً في حلقتنا الثانية، يوم السبتِ -إن شاء الله- أن الصَّنم الذي يتحدَّثانِ عنه لن يكون سوى معتقد أهل السنة –رحمهم الله-.

المسألة الثانية: تعلُّق المؤلفَين بصنيع ابن القيم، للخروج من تهمة السرقة.
حين نُشِرت الإثباتات التي تدين المؤلِّفَين بالسَّرقة من كتاب سيِّد ولد أباه، ذهبا ينقبان في التاريخ، ثم عادا يقولان: ابن القيم وغيره من الأئمةِ فعلوا ذلك. فإن كنا سارقين، فليُقل ذلك عن ابن القيم وغيره من العُلماء الذين كانوا ينقلون عن غيرهم دون عزوٍ أو توثيقٍ.

الجديد في هذا الكلامِ أنه إقرارٌ من المؤلِّفينِ بأنهما فعلا في كتابهما كما فعل ابن القيِّم وغيره من العلماء حين كانوا ينقلون كلام غيرهم دون الالتفات للتوثيق والعزو.

هذا القدر يكفيني لأنتقل إلى النقطة التالية، وهي:
ما حكمُ من يفعلُ في زماننا هذا مثل صنيع ابن القيِّم، ثم يتعلَّل بأن العلماء كانوا يفعلون ذلك؟

كنت سأتعبُ في البحث ومراجعة الكتب من أجل استجلاب ما يجيب عن هذا من كلام المختصِّين والمؤلِّفين في مناهج البحث العلميِّ وآدابه. لكني في غنى عن ذلك كليَّاً. لأن أحد المؤلِّفَين (أحمد سالم) كفاني مؤونة ذلك كلِّه في تعليقٍ كتبه بنفسه قبل بضع سنواتٍ على المسألة نفسها، فذكر وقتها كلاماً يجعل قارئ كلامه الحاليِّ في حيرةٍ من أمره.

في المجلس العلمي بمنتدى الألوكة، جاء طالبٌ في مرحلة الماجستير، يشكو من أستاذه الذي يرمي ابن القيم بالسَّرقة العلميَّة لأنه ينقل من السُّهَيلي دون عزوٍ أو توثيقٍ. فكان ممن أجابَ عن هذا الاتهام أحمد سالم نفسه، الذي كان يكتب تحت اسم (أبي فهر السَّلفي)، كما هو معلومٌ معروفٌ.
فلنستحضر إقرار المؤلِّفَين أن صنيعهما يماثل صنيع ابن القيِّم، ثم لننظر إلى الطريقة التي كان يجيب بها أحمد سالمٍ، عمَّن اتهم ابن القيم بالسَّرقة. فماذا قال؟

قال –سدَّده الله-:
تسميةُ هذا سرقةً هو غفلةٌ عن طرائق أولئك العلماء في التصنيف. وقائل هذا إنما يزن بميزاننا نحن المعاصر، لا بالميزان الذي كان زمان كتابة أولئك العلماء”.

ومما قاله أحمد سالم:
“لابد من الإذعان لحقيقة كونهم ربما فعلوا هذا عارفين ذاكرين، وأن هذا عندهم لم يكن من قوادح التصنيف وإن كان ليس هو الأكمل”.

لم يتوقَّف أحمد سالم عند هذا .. بل أضافَ تنبيهاً إلى أن اتهام ذلك الأستاذ لابن القيم بالسرقة، لا يسوِّغ التشنيعَ عليه، لأن فعله ليس سوى خطأ اجتهادي، وليس من قلة الأدب أو السفاهة!

قال أحمد سالم:
“هذه التهمة خطأ اجتهاديٌّ ينبَّه صاحبه إلى مأخذه. ولكنها بمجرَّدها ليست من قلة الأدب والسفاهة؛ لخفاء مأخذها وجريان العادة المعاصرة على جَعْل ذلك مما ينافي الأمانة العلمية، وتسميته سرقة …”.

وأجاب من اعترض كلامه هذا قائلاً:

وقال منبَّهاً إلى ضرورة مراعاة اختلاف العُرف في زماننا:
“أنت خبيرٌ أنه بميزان المعاصرين الذي يزن به من يعيبُ ابن القيم= ترك عزو مواضع ولو قَلَّت لقائلها ، ينافي الأمانة العلميَّة، ولو كان يعزو لهذا القائل في مواطن أخرى، فما بالك بترك عزو كلام يبلغ العشرين صفحة على ما أذكر؟!!”.


نلحظ هنا أن:
1-اتهام القيم بالسرقة خطأ اجتهادي، لا علاقة له بقلة الأدب والسَّفاهة. ولنتذكر إقرار المؤلفَين بتطابق صنيعهما مع صنيع ابن القيم –رحمه الله-. وعليه فمن اتهمهما بالسَّرقة يفترض أن يكون –على أقل تقديرٍ- مجتهداً، ولا علاقة لتصرُّفه بقلة الأدب والسفاهة!

هذا إذا لم نراعِ النقطة الثانية:

2-العادة المعاصرة –في رأي أحمد سالم- جرت بجعل مثل تصرُّف ابن القيم مما ينافي الأمانة العلميَّة، وسمَّتهُ: سرقةً علميَّةً!

ثم في الخاتمة، يقرر أحمد سالمٍ أن:

3- العرف في زماننا تغير، فأصبح: ترك عزو مواضع ولو قَلَّت لقائلها، ينافي الأمانة العلمية، ولو كان يعزو لهذا القائل في مواطن أخرى.

فماذا بقي؟

أرى الشيخ مشارياً الشثري كان أصاب كبد الحقيقة حين تحدَّث عن السيولة المعيارية التي يعانيها مؤلفا كتاب ما بعد السلفيَّة.

لنا لقاءٌ بحول الله ..

كتبه/ بندر بن عبدالله الشويقي.
19/7/1436هـ

…………………………………………..

رابط النقاش حول تصرف ابن القيم، لمن أحبَّ الاطلاع على تفاصيله:
http://majles.alukah.net/t71699/

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × 2 =