3fd79 alshanqiti
إذا همَّ ألقى بين عينـيه عزمـه *** ونكَّب عن ذكر العواقب جانـبـا
ولم يستشر في أمره غير نفسـه *** ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا[1]
هكذا افتخر الشاعر سعد بن ناشب بعدم النظر في العواقب، ونبذ المشاورة، والاحتكام إلى منطق القوة. لكن للإسلام في الشأن العام رؤية مختلفة، أساسها الشورى والعدل والحرية، وترجيح مصلحة الجماعة المؤمنة على ذات الفرد المتضخمة. وغاية هذه الرسالة أن تسهم في تجلية المبادئ الإسلامية المؤسِّسة لبناء السلطة وأدائها، من خلال استقراء لبعض ما ورد في السنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين من سوابق سياسية في هذا المضمار. ونحاول عبر استنطاق هذه النصوص استنباط إجابات على بعض الإشكالات ذات الصلة بهذا الشأن، مثل:   
· معايير الكفاءة السياسية في الإسلام
· والفرق بين الشورى والمشاورة
· ومن يشملهم الأمر بالشورى والمشاورة
· ومدى الإلزام والإعلام فيهما
· ووضع المشاورة في موضعها
· وتخصيص أهل العلم والخبرة بمكانة خاصة في هذا الأمر
· واعتبار الأغلبية مرجحا وقت التشاور.
· وحق المرأة المسلمة في المشاركة في الشورى والمشاورة
ولسنا نطمح إلى تقديم إجابات شافية على جميع هذه الإشكالات العملية، بل نترك ذلك لأهله المؤهلين له ـ وإنما هي محاولة لكشف جوانب من النموذج الإسلامي في بناء السلطة وأدائها، عسى أن يكون ذخرا للعاملين على بناء سلطة شرعية في البلاد الإسلامية، مع لفت نظر المهتمين بالسياسة نظريةً وممارسةً إلى ثراء السنة النبوية في هذا المضمار، وضرورة الاغتراف منها والاهتداء بهديها.
*الأمير أجير: “إن خير من استأجرت…”
“دخل أبو مسلم [الخولاني] على معاوية [بن أبي سفيان]، فقام بين السماطين فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: مه، فقال [معاوية]: دعوه فهو أعرف بما يقول، وعليك السلام يا أبا مسلم. ثم وعظه وحثه على العدل.”[2] ولم يكن ذلك التابعي اليماني الزاهد ـ وهو يستعمل لفظ الأجير ـ متلاعبا بألفاظه أو متطاولا على قائده، وإنما كان منطلقا من التصور الإسلامي الحق لمنزلة الحاكم وعلاقته بالأمة: إنها علاقة الأجير برب العمل. فالأمة هي رب العمل، والحاكم أجير لها، أنابته لأداء وظيفة الحكم، لقاء أجر مادي معلوم، ومكانة معنوية مشروطة، والتزمت معه بعقد اختياري طرفاه: الأمانة والنصح من الحاكم، والطاعة والنصرة من المحكوم.
ولما كان الحاكم أجيرا للأمة، كان من المطلوب أن يتصف بصفتي الأمانة والقوة اللتين امتدحهما القرآن الكريم في الأجير على لسان ابنة شعيب: “إن خير من استأجرت القوي الأمين.”[3] أما الأمانة فهي تشمل الصفات الأخلاقية التي تكبح جماح الحاكم، وتكون وازعا له من نفسه يمنعه من أن يستأثر بالسلطة والثروة، أو يؤثر بهما ذويه، أو يسيء استعمالهما أيَ نوع من الإساءة كان. وأما القوة، فهي تشمل الخبرات السياسية والعسكرية والفنية التي تمكّنه من الاضطلاع بمهمته على الوجه الأكمل والأصلح للأمة.
*اجتماع الأمانة والقوة في الناس قليل:
وقد اشتهر أفذاذ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماع الأمانة والقوة فيهم، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه “قوي أمين لا يخاف في الله لومة لائم”، وسنورد كامل نص الحديث فيما بعد. ومنهم عتاب بن أسيد رضي الله عنه، الذي ورد فيه من حديث أنس “أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل عتاب بن أسيد على مكة، وكان شديدا على المريب لينا على المؤمنين…”[4]، و”عن عمر بن أبي عقرب سمعت عتاب بن أسيد، وهو مسند ظهره إلى بيت الله يقول: والله ما أصبت في عملي هذا الذي ولاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثوبين معقدين كسوتهما مولاي كيسان.”[5]
كما اشتهر عدد من الصحابة بالأمانة بمعناها السياسي الذي نقصده هنا، منهم أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم “أمين هذه الأمة”، وهو يوليه على نجران: “عن حذيفة قال: جاء العاقب والسيد، صاحبا نجران، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فو الله لئن كان نبيا فلاعنَنَا لا نفلح نحن ولا عقبُنا من بعدنا. قالا: إنا نعطيك ماسألتنا، وابعث معنا رجلا أمينا، ولا تبعث معنا إلا أمينا. فقال [النبي صلى الله عليه وسلم]: لأبعثن معكم رجلا أمينا، فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: قم يا أبا عبيدة بن الجراح. فلما قام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أمين هذه الأمة”[6].
لكن الأمانة والقوة قلما تجتمعان في الشخص الواحد، وإذا اجتمعتا فقل أن يكون ذلك بتوازن، وهنا لب الإشكال. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: “أشكو إلى الله جَلَد الفاجر وعجز الثقة”…
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمل خالد بن الوليد على الحرب منذ أسلم مع أنه أحيانا يعمل ما ينكره النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أنه مرة رفع يديه إلى السماء، وقال: “اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد”…، وكان أبو ذر رضي الله عنه أصلح منه في الأمانة والصدق، ومع هذا، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: “يا أبا ذر إني أراك ضعيفا …لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم””[7].
ففي هذا النص التحليلي يورد ابن تيمية مثالين على عدم التوازن في الأمانة والقوة لدى اثنين من الأكابر: المثال الأول هو خالد بن الوليد رضي الله عنه الذي غلبت عليه صفة القوة، فأحسن الذهبي في وصفه بأنه “سيف الله تعالى، وفارس الإسلام، وليث المشاهد”[8]، لكن قوته الطاغية على أمانته هي التي جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يستنكر قتله قوما أظهروا الإسلام، ويتبرأ إلى الله من فعله. وهي التي جعلت عمر يستنكر قتله مالك بن نويرة، ثم يعزله فيما بعد ويقول: “إن في سيف خالد رهقا”[9].
يعلل ابن تيمية ذلك بقوله: “لم يكن خالد معاندا للنبي صلى الله عليه وسلم، بل كان مطيعا له، ولكن لم يكن في الفقه والدين بمنزلة غيره، فخفي عليه حكم هذه القضية. ويقال إنه كان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، وكان ذلك مما حركه على قتالهم.”[10]
والمثال الثاني هو أبو ذر رضي الله عنه، وقد كان إماما في الزهد والورع وصدق اللهجة ونقاء السريرة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أبى أن يوليه إمارة، وعلل ذلك بضعف أبي ذر الذي يفقده عنصرا من عناصر الكفاءة السياسية بغض النظر عن ورعه الشخصي، إذ إن الأمانة من دون قوة لا تكفي للاضطلاع بأمر المنصب العام، ومثلها القوة من غير أمانة.
ويورد ابن تيمية مثالا آخر على عدم التوازن بين الأمانة والقوة، هو ذو النورين أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه الذي طغت أمانته على قوته فآنس فيه بعض الطامعين ضعفا. قال ابن تيمية: “…وأما عثمان رضي الله عنه، فإنه بنى على أمر قد استقر قبله بسكينة وحِلم وهدى ورحمة وكرم، ولم يكن فيه قوة عمر ولا سياسته، ولا فيه كمال عدله وزهده، فطُمِع فيه بعض الطمع، وتوسعوا في الدنيا، وأدخل من أقاربه في الولاية والمال، ودخلت بسبب أقاربه في الولايات والأموال أمور أنكرت عليه، فتولد من رغبة بعض الناس في الدنيا، وضعف خوفهم من الله، ومنه، ومن ضعفه هو، وما حصل من أقاربه في الولاية والمال ما أوجب الفتنة حتى قتل مظلوما شهيدا.”[11].
*المواءمة والتكامل يحفظان التوازن:
إن عدم اجتماع الأمانة والقوة في أغلب الناس يثير إشكالا عمليا يمكن التخفيف منه من خلال مبدأي المواءمة والتكامل. أما المواءمة، فهي إدراك لملابسات المنصب، وصلة ذلك بأشخاص معينين، بغض النظر عن خبراتهم الشخصية. وهو درس يمكن استنباطه من تأمير النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد على جيش لقتال الروم، رغم أن أسامة رضي الله عنه لم يكن في مستوى كبار المهاجرين والأنصار الموجودين في جيشه من حيث التمرس بالحرب والخبرة بالسياسة. لكن النبي صلى الله عليه وسلم “أرسله إلى ناحية العدو الذين قتلوا أباه، لما رآه في ذلك من المصلحة”[12] مصلحة وجود دافع زائد لديه، يضاف إلى الدافع العام الكامن في نفس كل مؤمن. ويبدو أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يتطلع إلى هذا الأمر منذ مدة: “قال قيس بن حازم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن الراية صارت إلى خالد [في مؤتة] قال: فهلا إلى رجل قتل أبوه، يعني أسامة.”[13]
أما التكامل، فهو أن يكون الحاكم صادقا مع الله ومع الأمة، مدركا لجوانب القوة والضعف في نفسه، فيبحث في رعيته عمن يستكمل به نقصه، ويتدارك به قصوره، حتى ولو كان الحاكم من أهل الأمانة والقوة، لأن التوازن المطلق كمال مطلق، وهو غير متاح للبشر. يشرح شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك في تحليله لتولية الصديق خالدا وتولية الفاروق أبا عبيدة، فيقول: “إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان شديدا في الله فولى أبا عبيدة لأنه كان لينا، وكان أبو بكر لينا وخالد شديدا على الكفار، فولى اللين الشديد وولى الشديد اللين ليعتدل الأمر، وكلاهما فعل ما هو أحب إلى الله تعالى في حقه.”[14]
وإذا آنس الحاكم من نفسه قوة، وكان قادرا على مراقبة ولاته ومحاسبتهم بصرامة، أمكنه تولية كل من لديه خبرة مهما يكن مستوى الأمانة عنده ضعيفا، تأسيا بسنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قال ابن تيمية: “كان عمر بن الخطاب يستعمل من فيه فجور، لرجحان المصلحة في عمله، ثم يزيل فجوره بقوته وعدله.”[15]
إن منطق المواءمة والتكامل هذا هو الذي دفع أبا بكر الصديق إلى التشبث بخالد بن الوليد في وقت ارتداد العرب ورميهم للإسلام عن قوس واحدة، رغم أنه كانت لدى الصديق مآخذ على خالد منها سيفه “المرهق”، وتصرفه في المال، ومخالفته للخليفة، إذ “كان خالد إذا صار إليه المال قسمه في أهل الغنائم، ولم يرفع إلى أبي بكر حسابا، وكان فيه تقدم على أبي بكر يفعل أشياء لا يراها أبو بكر.”[16] لكن بسالة الرجل وتجربته الحربية لم تكن لتسمح للصديق بعزله وهو يواجه مأزق الردة، إدراكا منه لرجحان الاعتبارات العسكرية على غيرها يومذاك. ولهذا “حين أشار عليه عمر بعزله، قال أبو بكر: فمن يُجزئ عني جزاء خالد؟”[17]
*الشورى والمشاورة تعصمان من الزلل:
إذا كانت دراسة حياة الرعيل الأول تبين الضعف البشري والنقص الفطري من حيث صعوبة اجتماع الأمانة والقوة، واستحالة اجتماعهما بتوازن مطلق، وكان الواقع الحسي يشهد ببعد حكامنا عن مستوى ذلك الرعيل في الصدق مع الله ومع الأمة، فما هو الحل العملي لذلك الإشكال المتمثل في عدم اجتماع الأمانة والقوة غالبا؟
لقد قدم الإسلام أروع حل عملي لذلك، وهو سلطان الأمة الذي يتجسد في مبدأين: الشورى في بناء السلطة، والمشاورة في أدائها. فبالشورى تختار الأمة أقرب الناس اتصافا بصفتي الأمانة والقوة، ولا يفرض عليها خيار مسبق بالوراثة أو بالغلبة. وبالمشاورة تستحث الأمة الحاكم الضعيف، وتلجم الحاكم القوي، وتحتفظ بحقها في عزل أي منهما واستبداله بالأصلح.
ورد مبدأ الشورى في قوله تعالي في وصف المؤمنين: “وأمرهم شورى بينهم”[18]، وورد مبدأ المشاورة في أمره تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: “وشاورهم في الأمر.”[19] وما ورد في الكتاب الكريم هنا مجملا، ورد في السنة النبوية السياسية مفصلا بالقول وبالفعل. لكن من المستحسن التمييز منهجيا بين مبدإ الشورى ومبدإ المشاورة، إذ الشورى ترتبط بالمداولات المتعلقة بوجود السلطة ابتداء وبشرعيتها، أما المشاورة فترتبط بالمداولات المتعلقة بأداء السلطة وإدارتها وتسييرها. وهذا التمييز المنهجي مبني على اعتبار شرعي وآخر لغوي:
أما الاعتبار الشرعي، فهو أن المشاورة وردت في القرآن الكريم في سياق الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم: “وشاورهم في الأمر”، أما الشورى فقد وردت في سياق الحديث عن المؤمنين: “وأمرهم شورى بينهم” فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يُؤمر بالشورى،وإنما أُمر بالمشاورة، أما المؤمنون فهم مأمورون بالشورى نصا، ومأمورون بالمشاورة ضمنا، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. وفائدة ذلك في التمييز بين الشورى والمشاورة، هي أن الأنبياء لا يستمدون قيادتهم من الأمة، فهم ليسوا بحاجة إلى الشورى ذات الصلة ببناء السلطة وشرعيتها، لأن شرعية الأنبياء السياسية مسألة اعتقادية، فطاعتهم طاعة لله متعينة: “من يطع الرسول فقد أطاع الله”[20] وبيعتهم بيعة لله لازمة: “إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله.”[21] فحق الأنبياء في القيادة أمر مفروغ منه اعتقادا، وهو تولية من الله تعالى لا من الناس، ولذلك قال تعالى لداود: “يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض.”[22]
وفي قصة الرجل الأزدي ابن اللتبية دلالة واضحة على الفرق بين شرعية الأنبياء السياسية وشرعية غيرهم، حيث ورد في القصة: “قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطب الناس، وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني أستعمل رجالا منكم على أمور مما ولاني الله، فيأتي أحدكم فيقول: هذا لكم وهذه هدية أهديت لي، فهلا جلس في بيت أبيه وبيت أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا؟”[23] وفي روايات أخرى: “قال: أما بعد، ما بالأقوام نوليهم أمورا مما ولانا الله،”[24] “أما بعد، فإني أستعمل رجلا منكم على أمور مما ولاني الله”[25] “إني استعملت أحدكم على العمل مما ولاني الله”[26]، “إنا نستعمل منكم رجالا على ما ولانا الله.”[27] فأسند صلى الله عليه وسلم ولايته إلى الله مباشرة، لا إلى الناس. وبذلك يتضح أن نظرية “التفويض الإلهي” التي قال بها ملوك أوربا في العصور الوسيطة هي نظرية صحيحة في الإسلام بالنسبة للأنبياء فقط. أما غير الأنبياء فهم يستمدون شرعيتهم السياسية المباشرة من الخلق لا من الخالق، وكل ادعاء منهم باستمداد الشرعية السياسية من الخالق مباشرة إنما هي تضليل للخلق وافتراء على الخالق سبحانه..
أما الاعتبار اللغوي الذي نستند إليه في التمييز بين الشورى والمشاورة، فهو الصيغة الصرفية والإيقاع الصوتي: أما صرفيا، فالأصل في الفعل على وزن “فاعَلَ” أن يكون مصدره القياسي على وزن “فِعال”، مثل “قاتل قتالا” أو على وزن “مُفاعلة” مثل “شاور مشاورة.” وبذلك نحمل آية آل عمران “وشاورهم في الأمر” على المشاورة، لا على الشورى.
وأما الإيقاع الصوتي فرغم الاشتراك في الجذر اللغوي فإن لفظ الشورى يوحي بمعنى الانفتاح والتداول غير المحدود بين أطراف غير محدودة العدد أو الصفة، فناسب عملية بناء السلطة التي يشترك فيها الكل مع الكل. أما لفظ المشاورة فهو يوحي بالثنائية والتداول الحصري، فناسب مشاورة الحاكم لعدد محدود من الناس، أو لعموم الناس حول أمر محدد، لكن في عملية ذات طرفين فقط. وليس استعمالنا للإيقاع الصوتي هنا مجرد انطباع، فالإيقاع الصوتي لألفاظ القرآن الكريم له شأن أحيانا في مدلولاتها، كما بينه كل من الجرجاني والزمخشري من الأقدمين. وقد قدم سيد قطب من المعاصرين دراسة تطبيقية لذلك هي كتابه “التصوير الفني في القرآن”، فأتى بنظرات ثاقبة حول مدلول الجرس الصوتي لبعض ألفاظ القرآن الكريم.
*الشورى في بناء السلطة واجبة وملزمة:
كثيرا ما دار الجدل حول إلزامية الشورى وإعلاميتها، بمعنى هل يجب على الحاكم الالتزام بمقتضى رأي أغلب الناس في المسألة المتناولة أم لا. لكن هذا الجدل غالبا ما انطلق من خلط بين الشورى ذات الصلة ببناء السلطة، والمشاورة ذات الصلة بأدائها، فأدى إلى تشويش وبلبلة.
وبالانطلاق من هذا التمييز المنهجي تتضح الصورة أكثر: فالشورى ذات الصلة ببناء السلطة لا بد أن تكون ملزمة، وإلا فقدت مدلولها الشرعي وثمرتها المصلحية. وكل نصوص السنة في الموضوع تدل على وجوبها ابتداء وإلزاميتها انتهاء، بل تتوعد بأسوإ العواقب من يخرج على جماعة المسلمين بعد أن يستقر رأيهم على اختيار قائد يرضونه لدينهم ودنياهم، ومن يفتات عليهم في أمر اختيار قادتهم، وهذا أبلغ وأقوى تعبير عن إلزاميتها.
وأول ما يسترعي الانتباه هنا هو حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أن يترك لأمته حق اختيار قادتها، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لو كنت مستخلفا أحدا دون مشورة لاستخلفت عليهم ابن أم عبد.”[28] وفي روايات أخرى: “لو كنت مستخلفا أحدا على أمتي دون مشورة لاستخلفت عليهم عبد الله بن مسعود”[29] و”لو كنت مؤمرا على أمتي أحدا دون مشورة منهم لأمرت عليهم ابن أم عبد.”[30] وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وقد جهِد النبي صلى الله عليه وسلم واجتهد لأمته نصحا، لكنه لم يلزمها باختيار شخص بعينه قائدا لها من بعده. لذلك روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “قيل يا رسول الله من نؤمر بعدك؟ قال: إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة، وإن تؤمروا عمرا تجدوه قويا أمينا لا يخاف بالله لومة لائم، وإن تؤمروا عليا ـ ولا أراكم فاعلين ـ تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم إلى الطريق المستقيم.”[31] فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا يزكي لأمته الأكفاء من أبنائها، لكنه يترك الأمر في أيديها بكل حرية، فهي صاحبة الحل والعقد والتأمير والعزل، كما هو واضح من قوله صلى الله عليه وسلم: “إن تؤمروا… وإن تؤمروا”. كل ما في الأمر أن على الأمة إتباع مبدأ الشورى عند اختيار القادة، ثم إلزام أولئك القادة بمبدإ المشاورة بعد اختيارهم، حتى يبقى الأمر بيد الأمة بدءا وختاما.
وقد اشتط الشيعة في دعواهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على خلافة علي رضي الله عنه، وهذا الحديث ـ وهو من رواية علي نفسه ـ يرد عليهم. كما اشتط بعض من ردوا على الشيعة من أهل السنة وادعوا أنه صلى الله عليه وسلم نص على أبي بكر بناء على حديث عائشة رضي الله عنها أنها “قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى اكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقول قائل أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر.”[32] والحديث دليل صريح أن النبي صلى الله عليه قرر أن يترك للأمة خيارها في النهاية، وهو ليس صريحا في أنه صلى الله عليه وسلم كان يريد تضمين الكتاب النص على شخص أبي بكر رضي الله عنه، بل من الجائز أن يكون أراد كتابة مبادئ وإجراءات لاختيار الخليفة، لا تعيين اسم الخليفة. كما أن قوله: “ويأبى الله والمؤمنون…” يدل على أن اختيار المؤمنين قائدهم هو الأصل، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يرد مصادرة اختيارهم في نهاية المطاف، حتى وإن كان يرغب في أن يختاروا أبا بكر.
أما ربط بناء السلطة بالشورى، فقد قال فيه عمر رضي الله عنه: “من بايع رجلا دون مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا”[33]، “ألا من بايع رجلا دون مشورة من المسلمين فإنه لا يبايع لا هو ولا من بويع له تَغِرَّة أن يقتلا”[34]، “ألا وإنه بلغني أن فلانا قال لو قد مات عمر بايعت فلانا، فمن بايع امرأ دون مشورة من المسلمين فإنه لا بيعة له ولا للذي بايعه”[35]، وقول عمر: “لا خلافة إلا عن مشورة”[36].
ومن وصية عمر رضي الله عنه وهو على فراش الموت “ثم اجمَعوا في اليوم الثالث أشراف الناس وأمراء الأجناد فأمروا أحدكم، فمن تأمر من غير مشورة فاضربوا عنقه”[37] وفي رواية”تشاوروا ثم أجمعوا أمركم في الثلاث واجمعوا أمراء الأجناد، فمن تأمر منكم دون مشورة من المسلمين فاقتلوه”[38] وفي أخرى: “فمن تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه.”[39]، بل إن في تحذير النبي صلى الله عليه وسلم كفاية للمستكفي: “عن عرفجة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه.”[4]، ومن المعلوم أنه من دون الشورى لن يكون أمر الناس مجتمعا على رجل واحد.
وتدل هذه الأحاديث والآثار دلالة لا لبس فيها على وجوب الشورى المتعلقة ببناء السلطة، وعلى إلزامية نتيجتها، كما تدل على أن السلطة الشرعية قائمة على عقد اجتماعي مقدس هو البيعة الاختيارية من غالب الناس، وأن من خرق قدسية هذا العقد الاجتماعي المقدس فقد أهدر دمه. أما السلطة غير الشرعية فليست بقائمة على تعاقد، وليس لها من حرمة أو إلزام شرعي في رقاب الناس، بل هي من غليظ المنكر الذي يجب تغييره.
ولا يشترط الإجماع في اختيار الحاكم لتعذره عادة، كما نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في أكثر من موضع من “منهاج السنة”، وإنما يكفي حصول أغلبية. بل هذا هو عمل الصحابة رضي الله عنهم. فقد اعترض على بيعة أبي بكر الصديق سعد بن عبادة مدة حياته، واعترض عليها علي بن أبي طالب مدة ستة أشهر، ثم بايع بعد ذلك “ولم يكن بايع تلك الأشهر.”[41]
لكن ذلك لم يؤثر في شرعية قيادة الصديق ووجوب طاعته. كما اعترض على بيعة علي بن أبي طالب عدد من كبار الصحابة في المدينة ـ حصرهم البعض في سبعة عشر ـ واعترض عليها أهل الشام، ومع ذلك “فخلافته صحيحة بالإجماع، وكان هو الخليفة في وقته، لا خلافة لغيره.”[42] ..(يتبع)..
1]البيتان لسعد بن ناشب على المشهور من أقوال مؤرخي الأدب، انظر مثلا ابن قتيبة: الشعر والشعراء 1|149، وإن كان التنيسي نسب البيت الأول منهما إلى مالك بن الريب. انظر التنيسي: المنصف للسارق والمسروق منه ص 136. وقد أورد البيتين أبو حيان ضمنتفسيره آية المشاورة. أبو حيان: البحر المحيط 3/41
[2]الذهبي: سير أعلام النبلاء 4/13
[3]سورة القصص، الآية 26
[4]ابن حجر الإصابة 4|43
[5]ابن حجر: الإصابة 2/451 وقال: “إسناده حسن”
[6]البخاري 4|1592 وابن ماجه 1|48
[7]ابن تيمية: السياسة الشرعية 16-17 وحول حديث :”اللهم إني أبرأ إليك …” انظر البخاري 4/1577 و6/2628 وصحيح ابن حبان 11/53 والبيهقي: السنن الكبرى 9/115 والنسائي: السنن الكبرى 3/474، وعبد الرزاق: المصنف 1/174 أما حديث :”يا أبا ذر …” فقد رواه مسلم 3/1457 والبيهقي في الكبرى 3/129 وفي شعب الإيمان 6/45 والنسائي في الكبرى 4/112 وفي المجتبى 6/255 والبزار 9/435
[8]الذهبي: سير أعلام النبلاء 1/369
[9]ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 5/3
[10]ابن تيمية: منهاج السنة 4/487
[11]منهاج السنة 7/452
[12]منهاج السنة 4/279
[13]الذهبي: سير أعلام النبلاء 2/52
[14]ابن تيمية: مجموعالفتاوى 4/455
[15]ابن تيمية: الخلافة والملك ص 36
[16]ابن حجر: الإصابة 1/414
[17]نفس المصدر والصفحة
[18]سورة الشورى، الآية 38
[19]سورة آل عمران، الآية 159
[20]سورة النساء، الآية 8
[21]سورة الفتح، الآية 1
[22]سورة ص، الآية 26
[23]البخاري 6/2632
[24]ابن حبان 1/373
[25]أبو عوانة 4/391
[26]عبد الرزاق4/54
[27]الطبراني في الأوسط 7/359 وفي الصغير 2/9
[28]رواه الحاكم في المستدرك 3/359 وقال: “هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه”
[29]النسائي 5/73
[30]الطبراني في الأوسط 6/272 والبزار 3/73 وأحمد 1/17. وانظر أيضا في اختلافألفاظ الحديث: الترمذي 5/673 وابن أبي شيبة 6/384 والبزار 3/83 وأحمد 1/76 و1/95
[31]عبد الله بن أحمد بن حنبل: كتاب السنة 2/541 وقال محققه د. محمد سعيد القحطاني: إسناده حسن” والمقدسي: الأحاديثالمختارة 2/86 وقال محققه عبد الملك بن دهيش: “إسناده صحيح”، وذكر ابن حجرأن الحديث “في مسند أحمد بسند جيد”، انظر الإصابة 2/5
[32]مسلم 4|1857 وابن حبان 14|564 والنسائي 4|253 والحاكم 3|542
[33]البخاري 6/255 وعبد الرزاق 5/445
[34]البزار 1/32
[35]ابن حبان 2/148
[36]النسائي 4/272 وابن أبي شيبة7/431
[37]البيهقي في الكبرى 8/151
[38]عبد الرزاق 5/481
[39]صحح إسناده ابن حجر، انظر فتح الباري 7/8
[40]مسلم 3|148 والطبراني في الكبير 17/145 وأبو عوانة 4/412
[41]البخاري 5/1549 ومسلم3/138 وابن حبان 11/153
[42]النووي: شرح صحيح مسلم 15/149
— ج 2
* المشاورة في أداء السلطة دائرة بين الإلزام والاستعلام:
وأما المشاورة ذات الصلة بأداء السلطة وتسييرها، فهي واجبة ابتداء، لكن نتيجتها قد تكون ملزمة للقائد المستشير، أو مجرد استعلام منه وتمحيص للرأي، قبل اتخاذ قراره بنفسه. وتدل السنة السياسية على أن النبي صلى الله عليه وسلم التزم دائما بنتيجة المشاورة في الأمور العامة إلا في حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون لديه وحي من الله من تعالى في الأمر، فليس له خيار سوى الإذعان، وليست مشاورته لأصحابه في هذه الحالة سوى إعلام وإقناع بإتباع التوجيه الرباني في هذا الشأن. ومن أوضح الأمثلة على ذلك صلح الحديبية الذي أصر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، رغم رفض السواد الأعظم من أصحابه للصلح ابتداء، كما يتضح من قصة أم سلمة الآتية.
وسبب رفض المسلمين لصلح الحديبية ابتداء هو أنه “كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه، فكره المؤمنون ذلك وامتعضوا منه، وأبى سهيل إلا ذلك، فكاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك” (1).
وقد كان عمر رضي الله عنه أرفع الناس صوتا برفض هذا الشرط الذي رآه ورآه المسلمون معه مجحفا: “فجاء عمر بن الخطاب فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: بلى، قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا” (2)، وفي رواية: “قال عمر بن الخطاب: فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبي الله حقا؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذن؟ قال إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري” (3)، وفي روايات أخرى: “قال: إني رسول الله ولست أعصي ربي وهو ناصري” (4)، “قال: إني رسول الله ولن أعصيَه ولن يضيعني” (5).
ومن الواضح من بعض روايات هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم لم يُصرَّ على الصلح يوم الحديبية عن رأي منه واجتهاد، ولا خالف عامة أصحابه عن استبداد بالرأي وانفراد، وإنما كان صلى الله عليه وسلم صادرا عن أمر إلهي ليس له أن يحيد عنه، وهو ما تنطق به عبارات الروايات الأخيرة التي أوردناها: “ولست أعصي ربي” “ولن أعصيه” “ولست أعصيه.” فليس لمسلم من عامة الناس ـ فضلا عن خاتم الأنبياء ـ أن يعصي أمر الله تعالى مراعاة لخواطر الناس، أو حرصا على الأخذ بمشورتهم.
الحالة الثانية: إذا كانت عملية المشاورة قد اكتملت، واستقر رأي الجماعة على خيار بعينه، وصدر القرار بتبني ذلك الخيار، بحيث يصبح التراجع والتردد أمرا لا يحتمل، نظرا لما يترتب عليه من ظهور الضعف والتخاذل داخل الصف المسلم. ولعل قصة الخروج إلى قريش لقتالها عند جبل أحد تصلح مثالا هنا. فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم رأى السواد الأعظم من أصحابه بالخروج إلى أحد، ولم يكن ذلك رأيه، بل كان يرى المقام واتخاذ موقف دفاعي في المدينة. لكن حينما ندم بعض الناس على رأيهم الأول، وطلبوا منه الرجوع إلى موقفه الأول، أبى ذلك، لأنه ترددٌ يفضي إلى ظهور الضعف وعدم القدرة على الحسم لدى القيادة النبوية، وهو ما لا يجوز في حق القادة السياسيين والعسكريين الناجحين في أي زمان ومكان، فكيف بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. وقد جاء رده صلى الله عليه وسلم معبرا: “لا ينبغي لنبي يلبس لأْمَته فيضعها حتى يحكم الله” (6)، وفي رواية: “ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه” (7).
والحق أن إصرار النبي صلى الله عليه وسلم على الخروج إلى أحد بعد أن عزم أمره، ليس رفضا لرأي الأكثرين من أصحابه، بل هو إلزام لهم برأيهم الذي ارتأوه، وصيانة لقوة المسلمين وهيبتهم في نفوس أعدائهم، في وقت يوحي فيه التردد بالضعف والتخاذل، وهو أمر لا يحتمل في الحرب.
وكل من الحالتين متضمن في قوله تعالى: “فإذا عزمت فتوكل على الله” (8)، فقد وردت الآية بصيغة المتكلم: “فإذا عزمتُ” (9) بضم التاء وإسناد العزم إلى الله تعالى، وهو ما يقضي بعدم اعتبار آراء الناس إذا ورد وحي يحسم الأمر.
كما وردت الآية بصيغة المخاطب: “فإذا عزمتَ” بفتح التاء، وهو ما يقضي بأن أمر الجماعة إذا استقر على خيار بعينه، واتخذت قيادتها بذلك قرارا، فلا مجال للتراجع، لأن كل تراجع في هذه الحالة ـ خصوصا في أوقات الحرب ـ سيكون تخاذلا وضعفا في لحظة الحزم والحسم، وذلك هو “العزم والتبيُّن” الوارد في كلام الإمام البخاري الآتي. وقد امتثل صلى الله عليه لمعنى الآية ـ على القراءتين ـ يوم الحديبية ويوم أحد.
وقد أحسن الإمام البخاري إذ بوَّب لفقه هذه المسألة بإطناب فقال: “باب قول الله تعالى: وأمرهم شورى بينهم، وشاورهم في الأمر، وأن المشاورة قبل العزم والتبين، لقوله: فإذا عزمت فتوكل على الله. فإذا عزم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن لبشر التقدم على الله ورسوله. وشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أحد في المقام والخروج، فرأوا له الخروج فلما لبس لأمته وعزم قالوا: أقم، فلم يمل إليهم بعد العزم، وقال: لا ينبغي لنبي يلبس لأمته فيضعها حتى يحكم الله.
وشاور عليا وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة، فسمع منهما حتى نزل القرآن فجلد الرامين، ولم يلتفت إلى تنازعهم، ولكن حكم بما أمره الله. وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. ورأى أبو بكر قتال من منع الزكاة فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله، فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تابعه بعدُ عمر، فلم يلتفت أبو بكر إلى مشورة إذ كان عنده حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة وأرادوا تبديل الدين وأحكامه…” (10).
ومهما يكن، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على التمييز بين الوحي الإلهي الذي لا سبيل إلى التعاطي معه غير الإذعان تعبدا لله تعالى وخضوعا، وبين اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم، المنبثق من خبرته البشرية وتجربته في الحياة، وهو أمر يخضع للنقاش والتداول، ومن حقهم مناقشته فيه، وإبداء آرائهم التي قد تكون أقرب إلى الصواب السياسي أو العسكري. ومن أجل هذا التمييز سأله قادة الأنصار حين عرض عليهم الصفقة مع غطفان: “يا رسول الله أوحي من السماء فالتسليم لأمر الله؟ أو عن رأيك أو هواك فرأينا تبع لهواك ورأيك؟ فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء ما ينالون منا تمرة إلا بشِرىً أو قرىً” (11).
ومن قبل سأل الحباب بن المنذر رضي الله عنه يوم بدر: “يا رسول الله أهذا منزل أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا أن نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة” (12).
ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يجد غضاضة في تغيير رأيه حين يتبين الصواب السياسي أو العسكري عند غيره، كما فعل في قضية المنزل يوم بدر، والصفقة مع غطفان يوم الأحزاب. وقد تكشف من نتائج معركة بدر أن الحباب كان مصيبا في نظره العسكري، كما هزم الله جيش الأحزاب في النهاية دون أن يخسر الأنصار ثمار نخيلهم.
ولبعض الفقهاء المعاصرين رأي مستحدَث في لزوم الأخذ برأي الأغلبية في المشاورة، فهو يرى أن الأغلبية الملزمة للحاكم هي الثلثان فقط، لا أقل من ذلك. ودليله حديث ابن غنم الأشعري “أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر: لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما” (13)، وهو حديث ضعيف على أية حال.
فأبو بكر وعمر ـ في تحليل هؤلاء ـ يمثلان أغلبية الثلثين، إذا كانا مع النبي صلى الله عليه وسلم. لكن هذا الرأي ـ على طرافته ـ لا يمنع قبول رأي الأغلبية التي تقل عن الثلثين. وربما لو دقق أهل هذا الرأي الحساب لوجدوا أن الأغلبية من أصل ثلاثة لا يمكن تصورها في أقل من اثنين، فاثنان من أصل ثلاثة أغلبيةُ ثلثين، وأغلبيةٌ مطلقة، وأغلبية بسيطة، في ذات الوقت.
والذي نفهمه من مجمل النصوص التي اطلعنا عليها في هذا الشأن، أن الشورى في بناء السلطة واجبة ابتداء ملزِمة انتهاء، كما بينا من قبل، وأن المشاورة فيها تفصيل:
* فهي واجبة ونتيجتها ملزمة في الأمور العظيمة التي لا تدخل في اختصاصات الحاكم، نظرا لخطورتها وتأثيرها على مجمل الأمة، كإعلان الحرب، وإبرام الصلح…الخ ولذلك نزل النبي صلى الله عليه وسلم عند رأي الأغلبية الراغبة في قتال قريش عند سفح أحد.
وقد جاء الفقه الدستوري المعاصر منسجما مع الفعل النبوي هنا، فمنع السلطة التنفيذية من اتخاذ مثل هذه القرارات المصيرية دون موافقة البرلمان أو استفتاء الشعب بعامة، وهذا أمر منصوص عليه في دساتير كل الدول الديمقراطية اليوم..
* وفي الأمور التي تدخل في صلاحيات الحاكم التنفيذية، والتي لا يستطيع أداء مهمته دونها، كتعيين رجال الدولة التابعين له وعزلهم، فالمشاورة واجبة لكن نتيجتها غير ملزمة له. فبيعة الأمة له تقضي له بحق التصرف في هذه الأمور، والأمة تراقب وتصحح. وليس ذلك بمانع أن يتم تقييده في بعض هذه الأمور لحيويتها، فيكون له اختيار وزرائه وولاته وقادة جيشه مثلا، ثم يقر البرلمان هذا الاختيار قبل نفاذه، كما جرى العرف في بعض الدول اليوم، حتى يكون القرار مركبا، يعبر عن صلاحيات الحاكم ورقابة الأمة في ذات الوقت.
* أما في الأمور الشخصية التي يتحمل الفرد مسؤوليتها ونتيجتها حصرا، فالمشاورة فيها غير واجبة، ونتيجتها غير ملزمة، ولكنها مستحبة للمسلم تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي استشار في أمور عائلية خاصةٍ بعض أقاربه وأحبائه، كعلي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما. والمشاورة بهذا المعنى تخرج عن نطاق بناء السلطة وأدائها، فهي ليست فعلا سياسيا، بل حكمة أخلاقية، تفيد الفرد في حياته الشخصية.
* نماذج من المشاورات النبوية:
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير المشاورة، حتى روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله: “ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم” (14).
ومن مشاورات رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ـ تمثيلا لا حصرا ـ ما يلي:
أولا:مشاورته الأنصار في قتال قريش يوم بدر: عن أنس بن مالك رضي الله عنه “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر، استشار المسلمين فأشار عليه أبو بكر رضي الله عنه، ثم استشارهم فأشار عليه عمر رضي الله عنه، ثم استشارهم فقالت الأنصار: يا معشر الأنصار إياكم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: إذن لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون”، والذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادها إلى بَرْك الغِماد لاتبعناك” (15).
وفي رواية: “فاستشار المسلمين، فأشار عليه أبو بكر رضي الله عنه فسكت، ثم استشار فأشار عليه عمر رضي الله عنه فسكت، فقال رجل من الأنصار إنما يريدكم” (16). وفي روايات أخرى: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور، حين بلغه إقبال أبي سفيان. قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة [أحد قادة الأنصار] فقال: إيانا تريد؟ يا رسول الله! والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نُخيضها البحر لأخضناها. ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برْك الغماد لفعلنا” (17)، “فقال قائل الأنصار: تستشيرنا يا نبي الله…” (18)، “فقالت الأنصار: والله ما يريد غيرنا…” (19).
ثانيا:مشاورته في أسرى بدر، هل ينبغي قتلهم أم قبول الفداء منهم: “فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: لا والله! ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان (نسيبا لعمر) فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهْوَ ما قلت…” (20)، وفي رواية:” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر وعلي: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ (21)…”، ومثلها: “… فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعليا وعمر رضي الله عنهم” (22).
وفي رواية أخرى بصيغة أعم: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تقولون في هؤلاء الأسارى؟” (23)، أو “ما ترون في هؤلاء الأسارى؟” (24)، دون قصر ذلك على أبي بكر وعمر وعلي، بل وردت الاستشارة عامة لجميع الحضور من الصحابة. ورواية الطبراني أصرح في ذلك إذ ورد فيها: “لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسارى استشار فيهم الناس…”، بل فيها: “فجمع أصحابه فقال لهم أشيروا علي فيهم” (25).
ثالثا:مشاورته الناس في الخروج إلى قريش لقتالها عند جبل “أُحد”، أو انتظارها في المدينة، واعتماد خطة دفاعية لصدها، “وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه المشركون يوم أحد كان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم بالمدينة يقاتلهم فيها، فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدرا: تخرج بنا يا رسول الله إليهم فنقاتلهم بأحُد، ونرجو أن نصيب من الفضيلة ما أصاب أهل بدر. فما زالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لبس أداته فلما لبسها ندموا وقالوا: يا رسول الله أقم فالرأي رأيك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه…” (26)، و”عن جابر بن عبد الله قال استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم أحد فقال: … فلو قاتلتموهم في السكك، فرماهم النساء من فوق الحيطان، قالوا: فيدخلون علينا المدينة؟ ما دُخلتْ علينا قط، ولكن نخرج إليهم، قال: فشأنَكم إذن. قال [الراوي]: ثم قدموا قالوا رددنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيه، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا يا رسول الله رأيَك. فقال: ما كان لنبي أن يلبس لأمته ثم يخلعها حتى يقاتل…” (27).
رابعا:مشاورته قادة الأنصار في التنازل لقبيلة غطفان عن نصف تمر المدينة على أن تنسحب غطفان من جيش الأحزاب الذي يحاصر المدينة يومذاك: “عن أبي هريرة قال: جاء الحارث الغطفاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد شاطرنا تمر المدينة، قال [صلى الله عليه وسلم]: حتى أستأمر السُّعود، فبعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وسعد بن الربيع وسعد بن خيثمة وسعد بن مسعود رحمهم الله، فقال: إني قد علمت أن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وإن الحارث يسألكم أن تشاطروه تمر المدينة، فإن أردتم أن تدفعوا إليه عامكم هذا حتى تنظروا في أمركم بعدُ. قالوا: يا رسول الله أوحيٌ من السماء فالتسليم لأمر الله؟ أو عن رأيك أو هواك فرأينا تبع لهواك ورأيك؟ فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء ما ينالون منا تمرة إلا بشِرىً أو قرىً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لغطفان]: هو ذا تسمعون ما يقولون…” (28)، وفي لفظ آخر: “جاء الحارث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ناصفنا تمر المدينة وإلا ملأتها عليك خيلا ورجالا. فقال: حتى أستأمر السعود: سعد بن عبادة وسعد بن معاذ، يعني يشاورهما، فقالا: لا والله ما أعطينا المدينة من أنفسنا في الجاهلية، فكيف وقد جاء الله بالإسلام. فرجع إلى الحارث فأخبره” (29).
خامسا:مشاورته علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد في فراق عائشة رضي الله عنها أثناء محنة الإفك. قالت عائشة: “فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله. فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الودِّ لهم، فقال أسامة: أهْلَكَ يا رسول الله، ولا نعلم والله إلا خيرا. وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير…” (30)، ثم مشاورته جمهور الناس في المسجد حول طريقة الرد على الذين جاءوا بالإفك: “عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ما تشيرون عليَّ في قوم يسبون أهلي، ما علمت عليهم من سوء قط …” (31)، وفي رواية: “أما بعد، أشيروا عليَّ في أناس أبَنُوا أهلي، وايم الله ما علمت على أهلي من سوء، وأبَنُوهم بمنْ ـ والله ـ ما علمت عليه من سوء قط، ولا يدخل بيتي قط إلا وأنا حاضر، ولا غبت في سفر إلا غاب معي” (32).
* وضع المشاورة في موضعها:
يتبين من الأمثلة أعلاه أن حدود المشاورة هي ما يمليه الموقف وتقتضيه المصلحة، وأنها يمكن أن تكون عامة أو خاصة، في أمر عام أو خاص:
ـ ففي الخروج إلى قتال قريش عند جبل أحد، أو قتالها داخل المدينة، استشار النبي صلى الله عليه وسلم جميع الناس، لأنها مهمة عامة تحتاج إلى مشاركة الجميع بالرأي والتنفيذ. فالدفاع عن المدينة واجب الجميع، والنصر أو الهزيمة في ذلك يشملان الجميع، فكان من حق الجميع الإدلاء برأيهم في الإستراتيجية العسكرية الملائمة لتلك المهمة. فجاءت الاستشارة النبوية عامة مطلقة.
– وفي قتال قريش يوم بدر استشار النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار خاصة، وأعرض عن كلام أبي بكر وعمر، لأن الأنصار لم تربطهم بنبي الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بيعة قتالٍ خارج المدينة، وإنما كانوا ملتزمين ـ بمقتضى بيعة العقبة الثانية ـ بحمايته داخل المدينة، فكان لابد من أخذ رأيهم والتأكد من رضاهم بالتزام جديد زائد عن بنود بيعة العقبة. والنبي صلى الله عليه وسلم “كان يتخوف [من الأنصار] أن لا يوافقوه، لأنهم لم يبايعوه إلا على نصرته ممن يقصده [داخل المدينة] لا أن يسير بهم إلى العدو” (33).
ـ وفي بذل نصف تمر المدينة لغطفان لم يستشر سوى قادة الأنصار، لأن الأنصار هم أهل الأرض ومُلاَّك النخيل، وهم الذين سيتحملون عبء تلك الصفقة لو كانت تمت. أما المهاجرون فقد أُخرجوا من ديارهم وأموالهم وتركوها خلفهم بمكة، فلا شأن لهم بأمر الأرض والنخيل في المدينة..
ـ وفي قضية أسرى بدر جمع بين المشاورة العامة والخاصة، فاستشار الجيش كله، لأن لجميع أفراده حقا في الأسرى، واختص أبا بكر وعمر وعليا بمشاورة خاصة، لأن الأسرى من قريش، وفيهم إخوان للمهاجرين وأبناء عمومة وأقارب، فلا يحسن التصرف في رقابهم دون استبيان مشاعر المهاجرين حول هذا الأمر. ولذلك قال أبو بكر: “يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة”.
ـ ونفس الجمع بين المشاورة العامة والخاصة فعله في قضية الإفك، فاستشار أسامة بن زيد وعلي بن أبي طالب في فراق عائشة، فهذا ابن عمه وذاك مولاه، وحري بقضية عائلية مثل هذه أن تظل في محيطها الخاص. أما الجانب العام من الأمر وهو طريقة الرد على الذين جاءوا بالإفك، فقد خطب عموم الناس في المسجد واستشارهم فيهم، لأنها قضية سياسية عامة تتعلق بمقام النبوة وقيادة المجتمع المسلم، وخطر إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.
لكن عموم اللفظ الذي ورد به الأمر بالمشاورة في القرآن الكريم، وأكثر التطبيقات النبوية تدل على أن الأصل في المشاورة في الأمور العامة هو العموم. وقد حاول بعض المفسرين أن يقصر مدلول آية المشاورة على أبي عمر وعمر، لكن عموم اللفظ لم يسعفهم. وقد أحسن القاضي أبو بكر بن العربي في الرد عليهم، فقال: “المراد بقوله: “وشاورهم في الأمر” جميع أصحابه، ورأيت بعضهم قال: المراد به أبو بكر وعمر، ولعمْر الله إنهما أهل لذلك وأحق به، ولكن لا يقصر عليهما، فقصره عليهما دعوى” (34).
ولعل أحسن ضابط هنا حول من تشملهم الشورى والمشاورة، هو ذلك الذي يمكن استنباطه من التعبير القرآني: “وأمرهم شورى بينهم”، فكل من كان الأمر أمره، بمعنى أنه معني بذلك الأمر، متأثر بنتائج القرار السياسي الذي سيتخذ حول ذلك الأمر، فإن من حقه الإسهام في المشورة، سواء أصالة أو نيابة. وقد رأينا كيف حرص صلى الله عليه وسلم على أن يكون المعنيون بكل أمر، المتحملون ثمن القرار السياسي، المتأثرون بثمراته ومآلاته، أول من تتم استشارتهم فيه، مثل المهاجرين في أمر أسرى بدر، والأنصار في أمر تمر المدينة. ومن هنا يتبين أن الشورى ذات الصلة ببناء السلطة لا بد أن تكون عامة، نظرا لتأثر حياة الجميع بنوعية القيادة التي ستقودهم. فاختيار قيادة الدولة أمر عام بطبيعته، فالشورى فيه عامة بداهة. ويشمل ذلك باصطلاحنا المعاصر، حق جميع البالغين رجالا ونساء في التصويت لانتخاب قادة الدولة.
أما المشاورة ذات الصلة بأداء السلطة بعد بنائها، فهي قد تعم أو تخص، أو تأتي تركيبا من العموم والخصوص. إذ قد تكون آثار القرار السياسي عامة فتتعين المشاورة العامة، وقد تكون آثاره محصورة في جزء مخصوص من المجتمع، فتنحصر المشاورة في هذا الجزء من المجتمع. وقد تكون نتائج القرار السياسي مؤثرة على الجميع، لكنها أبلغ تأثيرا على بعض دون بعض، فيتعين التركيب بين المشاورة العامة والخاصة.
* تخصيص أهل الخبرة والمكانة بالمشورة:
ورد عن عمر رضي الله عنه: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يسمر في الأمر من أمر المسلمين مع أبي بكر رضي الله عنه، وأنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه” (35). وقد أكثر النبي صلى الله عليه وسلم من استشارة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وعُرف عنهما “ملازمتهما للنبي في مدخله ومخرجه وذهابه” (36)، حتى غبطهما أمير المؤمنين علي رضي الله عنه على ذلك ـ وحق له أن يغبطهما ـ فقال: “حسبت أني كنت كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر” (37).
وقد أحسن العلامة علي القاري في توصيف العلاقة الشخصية والسياسية بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: “كانا وزيريه في حال حياته، وصارا ضجيعيه بعد مماته” (38)، فليس بمستغرب أن تم تخصيص أبي بكر وعمر باستشارات كثيرة من دون الناس.
وقد اختص النبي صلى الله عليه وسلم قادة الأنصار ـ مثل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ـ بالاستشارة في بعض الأمور التي تخص الأنصار، كمصالحة غطفان على نصف (أو ثلث) تمر المدينة. ويمكن أن نفهم هذا الاختصاص بالمشورة لأبي بكر وعمر وللسعدين من وجهة نظر دستورية على وجهين:
أولهما: أن نعتبر أبا بكر وعمر نائبين عن المهاجرين، والسعدين نائبين عن الأنصار. وفكرة التمثيل والنيابة في المشاورة لها أصل في السنة، ومن أمثلتها بيعتا العقبة، وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عرفاء الناس عن رأيهم في التنازل لهوازن عن سبيهم لما جاؤوا تائبين بعد غزوة حنين. وقد بوب البخاري لهذه القصة: “باب العرفاء للناس” وأورد فيها “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أذن لهم المسلمون في عتق سبي هوازن: إني لا أدري من أذن في ذلك ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤُكم أمرَكم. فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أن الناس قد طيَّبوا وأذِنوا” (39)، و”العرفاء مقام الوكلاء” (40)، وهو ما نسميه باصطلاحنا المعاصر بنواب الشعب من أعضاء البرلمانات ومجالس الشورى.
وثانيهما: أن نعتبر أبا بكر وعمر والسعدين من أهل العلم والخبرة، فاختصاصه صلى الله عليه وسلم لهم بالمشاورة مبني على خبرتهم وعلمهم، لا أنهم ممثلون لعامة الناس من ورائهم. ويشهد لهذا الفهم أن أبا بكر وعمر ـ على خلاف السعدين ـ لم يكونا من زعماء قريش قبل الإسلام، ولا هما ينتميان إلى بيوت القيادة في قريش. كما يشهد له عمل عمر رضي الله عنه. قال البخاري رحمه الله: “كان القراء أصحاب مشورة عمر كهولا أو شبانا، وكان وقافا عند كتاب الله عز وجل” (41)، فعمر كان يختص طائفة من المسلمين بالاستشارة أحيانا، ويصغي إليهم أكثر مما يصغي إلى غيرهم، لعلمهم بكتاب الله عز وجل، الذي هو الأصل والمرجع عند الملمات. وهذا ما يزكي الرأي القائل باختصاص أهل العلم والخبرة باستشارة خاصة.
والذي يظهر من الجمع بين النصوص أن لا تناقض: فاختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعض أهل العلم والثقة والخبرة موجود في السنة، لكنه لا يناقض حق عموم المسلمين في المشاورة. وإنما هو جمع بين المشاورة العامة والخاصة. ويصار إلى المشاورة الخاصة ـ نيابة عن العامة ـ إذا فرضت ذلك ظروف عملية تمنع من استبيان رأي الجميع، كما حدث في شأن سبي حنين. كما يصار إليها حين تقتضي طبيعة الموضوع الاقتصار على بعض دون بعض لأن الأمر يهمهم أكثر، أو لما لديهم من علم وخبرة مكنونة، أو لحساسية الموضوع من الناحية السياسية والأمنية.
* مشاركة النساء: “إني من الناس”…
ومن عموم الشورى والمشاورة أنهما تشملان الرجال والنساء معا. وقد اختلف المفسرون في جمع المذكر ـ مثل صيغة “وشاورهم في الأمر” “وأمرهم شورى بينهم” ـ إن ورد في القرآن الكريم هل يشمل الرجال والنساء أم لا.. لكن الشيخ محمد الأمين الشنقيطي قدم قرينة على خروج آية المشاورة من هذا الخلاف، طبقا لمنهجه في “إيضاح القرآن بالقرآن”، حيث بيَّن أن الأمر بالاستغفار الوارد في آية المشاورة: “فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر”، يشمل الرجال والنساء بصريح قوله تعالى: “فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات” (42).
وشمول أحد الأوامر الواردة في آية المشاورة ـ وهو الاستغفار ـ للنساء يقضي بشمول الأوامر الأخرى لهن ـ بما فيها المشاورة ـ بدلالة الاقتران والتعاطف. ونفس الشيء ينطبق على آية الشورى: فإذا كان النساء داخلات بلا خلاف في تلك الصفات التي امتدح بها الخالق سبحانه عباده المؤمنين من الاستجابة لله، وإقام الصلاة، والإنفاق في سبيل الله، فتلك قرينة كافية على دخولهن في الصفة الرابعة وهي الشورى: “وأمرهم شورى بينهم.”
وبالنظر في السنة السياسية، نجد ما يدعم عموم المشاورة للنساء والرجال على حد السواء. فإذا كان العلماء اختلفوا في شمول جمع المذكر للنساء، فإنهم لم يختلفوا في دخولهن تحت مدلول لفظ “الناس”، وهو أكثر ما استعمل في أحاديث المشاورة: “أشيروا علي أيها الناس” “فاستشار الناس”..الخ، وفي تصحيح أم المؤمنين أم سلمة لجاريتها دليل طريف على ذلك، فعن أم سلمة: “… سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيها الناس، فقلت للجارية: استأخري عني، قالت: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء، فقلت: “إني من الناس” (43).
وقد أورد العلامة ابن حزم هذا الحديث، ثم علق على دلالته في موضوعنا هذا بحجاج تذعن له العقول، فقال: “في هذا بيان دخول النساء مع الرجال في الخطاب الوارد بصيغة خطاب الذكور… فإن قالوا [أي المعارضون لهذا التعميم]: قد تيقنا أن الرجال مرادون بالخطاب الوارد بلفظ الذكور ولم نوقن ذلك في النساء فالتوقف فيهن واجب، قيل لهم: قد تيقنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوث إليهن كما هو إلى الرجال، وإن الشريعة التي هي الإسلام لازمة لهن كلزومها للرجال، وأيقنا أن الخطاب بالعبادات والأحكام متوجه إليهن كتوجهه إلى الرجال إلا ما خصهن أو خص الرجال منهن دليل، وكل هذا يوجب ألا يُفرَد الرجال دونهن بشيء قد صح اشتراك الجميع فيه إلا بنص أو إجماع” (44).
وقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم زوجه أم سلمة يوم الحديبية، ووجد فيما أشارت به تداركا للموقف وإنقاذا للمسلمين من الهلَكة. وذلك حين “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا. قال [الراوي]: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنك وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا…” (45).
وسواء كان ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضي الله عنها على سبيل المشاورة ـ كما نفهم من السياق ـ أو لمجرد الإعلام، فإن أخذه بمشورتها فيه دلالة كافية على دخول المرأة المسلمة في عموم المشاورة، وقيمة خبرتها ورأيها في الشأن العام، وكيف يتجاهل عاقل رأيا أنقذ خير أمة أخرجت إلى الناس من الهلكة؟
وأخيرا ربما يحسن بنا أن نختم هذه الرسالة ببيتين للشاعر بشار بن برد، كما بدأناها ببيتين لبشر بن ناشب. فرغم ما عرف به بشار ـ والله يغفر له ـ إلا أنه عبر في هذين البيتين عن ثقافة إسلامية متحضرة، لا تحتقر الشورى كما احتقرتها جاهلية القبائل، بل تدرك ضرورتها وثمرتها:
إذا بلغ الأمر المشورة فاستــعن *** برأي نصيح أو مشورة حازمِ
ولا تحسب الشورى عليك غضاضةً *** فإن الخوافي قوة للقــوادمِ (46)
أما “الخوافي”، فالريش في مؤخرة جناح الطير، وأما “القوادم” فالريش في مقدمة الجناح، والمعنى أن آراء الرعية عُدة وقوة للقائد، فلا يجوز أن يحقر آراءهم أو يتجاوزها، فلن ُيقلع الطائر في آفاق السماوات بقوة قوادمه دون دعم وسند من خوافيه. “قال الأصمعي فقلت لبشار: إني رأيت رجال الرأي يتعجبون من أبياتك في المشورة، فقال: أما علمت أن المشاوِر من إحدى الحسنين: بين صواب يفوز بثمرته أو خطإ يُشارَك في مكروهه. فقلت: أنت والله أشعرُ في هذا الكلام منك في الشعر” (47).
فلتكن هذه خاتمتنا، آملين أن يقهر الحق القوة، ويهزم العقل الجهالة، ويسود العدل والحرية، وينتصر بيتا بشَّار على بيتيْ سعد في نهاية المطاف…
1] البخاري 2/967
[2] البخاري 3/1411 والبيهقي 9/2والنسائي 6/463 وابن أبي شيبة 7/385 وأحمد 3/485 وأبو يعلى 1/365 والطبراني فيالكبير 6/9 وأبو عوانة 4/296
[3] البخاري 2/978 والبيهقي في الكبرى 9/ وعبد الرزاق 5/339وأحمد 4/33 والطبراني في الكبير 2/14
[4] ابن حبان 11/4
[5] ابن أبي شيبة 7|388
[6] البخاري 6/2682 و” اللأمة الدرع وجمعها لؤم… ومنها قيل: قد استلأم الرجل إذا لبسها فهو مستلئم” القاسم بن سلام: غريب الحديث 4|327
[7] الحاكم 2|141 والبيهقي 7|41
[8] سورة آل عمران، الآية 159
[9] تفسير البيضاوي 1/3
[10] البخاري 6/2682 وانظر أيضا ابن حجر: تغليق التعليق 5/33
[11] الطبراني في الكبير 6|28 وأبو نعيم: معرفة الصحابة 3|1251 وقال الهيثمي ” ورجال البزار والطبراني فيهما محمد بن عمرو وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات” انظر الهيثمي: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 6|133
[12] ابن هشام: السيرة النبوية 3| 167 وابن حزم: جوامع السيرة ص 112
[13] أحمد 4/7 وقال الهيثمي: “رجاله ثقات إلا أن ابن غنملم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم” الهيثمي 9/53 كما ضعفه الألباني في “سلسلة الأحاديث الضعيفة” الحديث رقم 18.
[14] سنن الترمذي 4/213ونحوه في سنن البيهقي الكبرى 9/218 ومصنف عبد الرزاق 5/331 ومسند أحمد 4/328 وقالالحافظ ابن حجر في فتح الباري 13/34: “رجاله ثقات إلا أنه منقطع” وقال ابن كثير في إرشاد الفقيه 2/387: “فيه انقطاع”.
[15] البيهقي في الكبرى 1/19 والنسائي 5/92 وأحمد 3/15 وصحح إسناده الذهبي في المهذب 8/498 والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، الحديث رقم 334.
[16] أبو يعلى6/47وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، الحديث رقم 334: “صحيح على شرط الشيخين”
[17] مسلم، الحديث رقم 1779، وأحمد 3/257
[18] أحمد 3/188
[19] ابن حبان 11/23
[20] مسلم 3|1385 وعبد بن حميد 1/41 ونحوه عند أبي عوانة 4/255 والبزار 1/37
[21] ابن حبان 11/115 والبيهقي في الكبرى 6/32
[22] أحمد 1/3
[23] الحاكم 3|24 والترمذي 4/213 والبيهقي 6/321 وابن أبي شيبة 6/496
[24] أبو يعلى 9|116
[25] الطبراني في الكبير 1/114
[26] صحح إسناده ابن حجر في تغليق التعليق 5/33 وحسنه في فتح الباري 13/341
[27] النسائي 4/389 وانظر أيضا البيهقي 7/41 ومسندأبي عوانة 4/358
[28] الطبراني في الكبير 6/28 وقال الهيثمي: “رواه البزاروالطبراني… ورجال البزار والطبراني فيهما محمد بن عمرو وحديثه حسن، وبقية رجالهثقات” مجمع الزوائد 6/132
[29] مجمع الزوائد 6/132
[30] البخاري 2/499 ومسلم 4/2133 وابن حبان 1/17 والنسائي 2/495 وأحمد 6/196 والطبرانيفي الكبير 23/53 وعبد الرزاق 4/415 وأبو يعلى 8/327
[31] البخاري 6/2683
[32] البخاري 4/178 ومسلم 4/2138والترمذي 5/332 وأبو يعلى 8/336 وأحمد 6/59 والطبراني في الكبير 23/16. وأبَنواأهلي “معناه عابوا أهلي أو اتهموا أهلي وهو المعتمد، لأن الأبن بفتحتين التهمة.وقال ابن الجوزي المراد رموا أهلي بالقبيح.” فتح الباري 8/47
[33] فتح الباري 7|287
[34] ابن العربي: أحكام القرآن 1/299
[35] الحاكم 2/246 والبيهقي 1/452والترمذي 1/315 وأحمد 1/25 وابن خزيمة 2/186 وأبو يعلى 1/173 وحسنه الترمذي، وقالابن حجر: “أخرجه الترمذي والنسائي ورجاله ثقات …إلا أن في إسناده اختلافا علىعلقمة” فتح الباري 1/213 وصححه الشيخ مقبل الوادعي بصيغة أخرى في كتابه: “الجامع الصحيح” 2/564.
[36] كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 4|424
[37] البخاري 3|1348 ومسلم 4|1858 وابن ماجه 1|37 والنسائي في السنن الكبرى 5|39 وفي فضائل الصحابة 1|7
[38] بدر الدين العيني: عمدة القاري شرح صحيح البخاري 8|2
[39] البخاري 6/2625 والألباني: صحيح سنن أبي داود (الحديث رقم 2342) وعبد الرزاق 5/38
[40] يوسف بن موسى الحنفي: معتصر المختصر 1/235
[41] البخاري 6/2682
[42] سورة محمد، الآية 19
[43] مسلم 4/1795
[44] ابن حزم: الإحكام في أصول الأحكام 3|341-342
[45] البخاري 2/978 وابن حبان 11/5 والبيهقي في الكبرى5/215 وأحمد 4/33 والطبراني في الكبير2/14
[46] الجاحظ: البيان والتبيين 1|582
[47] أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني 3|211

2010

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة عشر − 3 =