أين أخطأ الشيخ الشريف حاتم العوني؟

أين أخطأ الشيخ الشريف حاتم العوني؟

 كتبه : بندر الشويقي

 

قبل حوالي أربع سنوات أبدعَ الشيخُ الشريفُ د.حاتم بن عارف العَوني وأحسنَ أيما إحسانٍ في مقالته المعنونة بـ “الحجاز والتسامح الديني”. تلك المقالةُ التي جاءت رداً على ما سوَّدته (مي يماني ) داعيةً لحلِّ ما سمَّته مشكلة ضياع هوية الحجاز الدينية، من خلال الدعوة لما دعته (تنوعاً مذهبياً)

في تلك المقالة كان الشيخ حاتم يكتبُ بطريقةٍ علميةٍ منهجيةٍ، ويطالب (مي يماني ) بتحديد حقيقة هذا التنوُّع المطلوب و حدوده المقترَحة. كان يقولُ لها: “لكي يكونَ نقاشي لهذا الحلِّ علمياً موضوعياً، وعميقاً بعيداً عن السطحية الصحفية ـ التي تعوَّدنا في العالم الثالث أن نعالج بها الأمور ـ أودُّ أن أفهم المقصودَ من ذلك الحلِّ، أو بصورةٍ أوضح: ما هو التنوُّع الدينيُّ الذي تطالب الكاتبةُ به؟ وتعدُّه الحلَّ الأمثلَ لمنطقة الحجاز؟ وما هي صورة هذا التنوع؟ ومتى سيصل هذا التنوع الحدَّ المرضي عندها؟”.

كانَ هذا قبل أربع سنواتٍ، واليومَ رأينا الشيخ حاتماً ـ غفر الله له ـ يفارق النقاشَ الموضوعيَّ، ويبتعد عن الطرح العلميِّ العميق، ويلجأ للبحث السطحيِّ الصحفيِّ المعتاد في العالم الثالث. وذلك في إجابته لسؤالٍ عن التكفير الموجود في تاريخ ابن غنام وتاريخ ابن بشر، وعلاقة الشيخ محمد بن عبدالوهاب به.

أما أن التاريخين تضمنا تكفيراً فذاك واقعٌ معروف

بل إن التكفير موجودٌ في كتب ورسائل الشيخ محمد بن عبدالوهاب نفسه.

لكن هل (التكفير ) مما يعابُ بإطلاقٍ كما هو شائعٌ في الكتابة الصحفية الرائجة اليوم؟

أو أن الذي يعابُ (الغلو ) في التكفير على طريقة الخوارج البدعية؟

ثم التكفير الموجود في كلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى أيِّ النوعين ينتمي؟

هنا موضع البحث الذي كان ينبغي تحريره.

لا أحد يستطيع منعَ البحث العلمي، أو يحولُ دون نقد رأي لفلانٍ أو فلانٍ من لدن الصحابة وإلى اليوم. بشرط أن يكون منهجُ النقدِ علمياً يعتمد الحجةَ و البرهان، ولا يلجأ لإرسال الدعاوى مجرَّدةً غير محرَّرة. وبخاصةٍ حين يتعلَّق الأمر بأحدِ رموز أهل السنة والجماعة كالشيخ محمد –رحمه الله-.

 

ولتوضيح الفرق بين المنهج السَّطحيِّ الشائع في الكتابة الإعلامية، و بين منهج النقد العلميِّ الصادق في نتائجه، دعونا نتأمل الفرق بين هاتين العبارتين:

(محمد بن عبدالوهاب كفَّر أهل البلد الفلاني ).

(محمد بن عبدالوهاب كفَّر من يدعو غير الله ).

العبارة الأولى إذا جاءت في مقام النقد، فهي مثالٌ للطرح الإعلامي الفارغ الذي يهدف للتهويل والشناعة. وأما العبارة الثانية، فهي عبارة العالم والباحث الذي يفتش عن علة التكفير ليحكم بصحته أو خطئه حسب ميزان الكتاب والسنة.

الشيخ محمد – رحمه الله – كسائر الأئمة من أهل العلم، لم يكن يكفِّر بالتشهي، ولا بناءً على انتماءاتٍ قبليةٍ، أو تقسيماتٍ إقليميةٍ. بل كان كلامه كلُّه يدور مع مسائل التوحيد والشرك. فحيث وجدت علة التكفير بشروطه المعروفة أنزل الحكم الشرعي على مستحقه حسب ما يؤديه إليه اجتهاده. 

 

والجزيرة العربية في ذلك الوقت لم تكن تحت سلطان حاكمٍ واحدٍ، بحيث يتم معالجة الواقع من خلال مطالبته بإزالة مظاهر الشرك. بل كانت ولاياتٍ متفرِّقة، ففي حال ممانعة طائفةٍ ما من قبول ما يدعو له الشيخ من إخلاص التوحيد لله –سبحانه- ونبذ الشرك، فإن الطريق الوحيد المتبقي هو الجهاد.

 

والذي يريدُ الاعتراضَ العلميَّ على شيءٍ من منهج الشيخِ، إما أن يجادل بالدليل في أصل الحكمِ من جهة التنظير، أو ينازع في تحقُّق مناط الحكم على أرض الواقع. أما التهويل بأن الشيخ كفَّر فلاناً، أو أهل البلدِ الفلاني، أو أن في كلامه تكفيراً للمخالفين، مع الإعراضِ عن النظر في علة هذا التكفير وسببه، فهذا خطاب من يريد الشناعة ولا شيءَ غيرها. ومثلُ هذا يجب ألا ينتظر من الآخرين أن يبحثوا معه بحثاً علمياً.

 

لستُ أعني بكلامي هذا أن الشيخ حاتماً أراد بكلامه مجرَّد الشناعة. لكن مقصودي أنه استخدم خطاباً ليس له، وإنما هو خطاب يشبه خطابَ خصوم الدعوة الإصلاحية من القدماء والمحدثين، الذين ظلوا يردِّدونَ أن الشيخ يكفر مخالفيه ويستبيح دماء المسلمين مع إقرارهم بالشهادتين.

 

أصحابُ هذا الخطاب لو كانوا في الصَّدر الأول، لرفعوا أصواتهم بأن الصِّديق وسائر الصحابة -رضي الله عنهم- كفَّروا بني حنيفةَ وسفكوا دماءهم، مع أنهم يشهدون ألا إله إلله، وأن محمداً رسول الله! وأن عليَّاً -رضي الله عنه- قتل وحرَّقَ أناساً من أصحابه مقرِّين بالشهادتين. وأن علماءَ الإسلام أفتوا بكفر حكام مصر العبيديين وأوجبوا قتالهم مع أنهم مقرِّون بالشهادتين! ونحو ذلك من الخطابات الإعلامية الفارغة من العلم والتحقيق.

 

الشيخُ حاتم -رعاه الله- ورد إليه سؤالٌ مجمَلٌ. وصاحبُ السؤال لم يذكر مسألةً معينةً استشكلها من كلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب، بل كان يسأل عن التكفير الموجود في تاريخين من تواريخ الدعوة الإصلاحية. فجاء الشيخ حاتم ليجاري السائل، وليعطي جواباً مجملاً حمل في طياته تخطئةً للشيخ في تقريرهِ لمسائل التكفير، ثم طالب (أتباع الشيخ! ) بكتابة نقدٍ لتلك الأخطاء، التي لم يذكُر منها شيئاً.

 ومن الطبعي أن يثير مثلُ هذا الجوابٍ العائم انتقادَ أهل الاختصاصِ الذين يدركونَ ما يُشنِّع به خصومُ الدعوة الإصلاحية، ويفترونه على إمامها، من وصمه برأي الخوارج، وأنه يكفِّر أهلَ الإسلام، ويستبيح دماءهم بغير وجه حقٍ.

و زاد الأمر سوءاً تصرُّف مشرفي موقع (الإسلام اليوم )، حين وضعوا للفتوى أولَ الأمر عنواناً غريباً مستفِزاً لم يرد في كلام السائل ولا في كلام المجيب: (الوهابية بين الغلاة فيها والغلاة عنها )!

(الوهابية ) في الأصل عبارة نبزٍ وانتقاصٍ. وأكثر ما ترِد على ألسنة الروافض والخرافيين من خصوم دعوة التوحيد. و مقصودهم بها تصنيف دعوة الشيخ على أنها فرقةٌ عقديةٌ حادثة لها أصولٌ خاصةٌ تتميز بها عن أصول أهل السنة.

فهل كان الشيخ محمد – رحمه الله – مجدِّداً للدعوة السُّنية السَّلفية؟

أو أنه كان منشِئاً لطريقةٍ جديدةٍ مخترعةٍ اسمها: (الوهابية )؟

هذه النقطة كانت ولا زالت من أكبر مواضع النزاع مع خصوم تلك الدعوة المباركة -على صاحبها الرحمة و الرضوان-. والعنوان الذي وُضع لفتوى الشيخ حاتم جعلها تصب في سياق الخيار الثاني، وهو ما أجلُّ الشيخ حاتماً عنه. وإن كنتُ لمست في كلامه نبرة التبرِّي والتنصُّل من دعوة الشيخ، حيث تكرَّرت في فتواه عبارة: (أتباع الشيخ محمد! )، وهو يطالب أولئك الأتباع بانتقاد أخطاء الشيخ.

هذه الكلمة يمكن فهم المقصود منها حين يكون البحث مع صوفي مخرِّف أو رافضي ممخرق، أو مع شخصٍ يعيش خارج النطاق الجغرافي لتلك الدعوة. أما حين يكون الكلام مع مثل الشيخ حاتم بمشربه السَّلفي، فمن العسير فهم مراده بكلمة (أتباع الشيخ محمد ). 

 

فمن هم هؤلاء الأتباع؟.. وما مذهبهم؟.. وما الأصل الجامع لهم؟

 

الموفَّقون من محبي الطريقة السلفية، كانوا ولا زالوا لا يعرفون لدعوة الشيخ محمد نسباً إلا نسبَ الطريقةِ السَّلفية. فكانت تلك الدعوة في نظرهم ثمرةً من ثمار طريقة السلف ومنهجهم. فأصلها معروفٌ، ونهجها واضحٌ. و مذ شاعت تلك الدعوة في جزيرة العرب، وعرف أهلها حقيقتها، لم يوجد في تلك الجزيرة صاحبُ سنةٍ يتحدث عن شيءٍ اسمه: (أتباع محمد بن عبدالوهاب )، كما تكرَّر ذلك على لسان الشيخ حاتم -غفر الله له-، وكما فعلَ مشرفو موقع الإسلام اليوم حين أثبتوا شيئاً اسمه (الوهابية ).

مشرفو الموقع تفضلوا –مشكورين- بتصحيحِ خطئهم، وغيروا لاحقاً عنوان الفتيا، فأزالوا منه لفظة (الوهابية ). و لو كنتُ أتحدثُ عن موقعٍ ينتمي لبقعةٍ أخرى من بقاعِ العالم الإسلامي، لقلتُ خطأٌ يسيرٌ، مشى فيه كاتبه على اصطلاحٍ شائعٍ لا يعرفُ دلالته. لكن حين يكونُ الحديث عن موقعٍ نشأ القائمون عليه في قلب تلك الدعوة الإصلاحية، فنحن أمام خللٍ يستدعي وقفةَ مراجعةٍ و تأملٍ. وبخاصةٍ أن العنوان بقي مثبتاً قرابة الأسبوعين وسط تعجب القراء واستنكارهم.

لندع هذا، ولنرجع لجوابِ الشيخ حاتم، وسنجد فتواه تضمَّنت قسمين:

القسم الأول:

تضمن مقدمة في بيان (غلبة الخير ) في دعوة الشيخ.

والقسم الثاني:

تضمن كلاماً كثيراً في ذمِّ الغلاة من أتباعِ الشيخ -رحمه الله- .

 

تخلل ذلك سطران في ذم المنافرين لدعوة لشيخ أحال فيهما على مقالةٍ له سابقة.

وقد استغرق القسم الثاني الجزءَ الأكبر و (الأشدَّ حرارة ) في الفتوى. أما القسم الأول فقد ظهرَ فيه حرص الشيخ حاتم على التحرُّز في عباراته، والتزام الثناء (النسبي ) على دعوة الشيخ محمد -رحمه الله-. فتلك الدعوة في رأي الشيخ حاتم:

خيرها أكثر من شرِّها، عند محاكمتها لزمن ظهورها.

وهي أقرب للحقِّ بمراحل من الواقع الإسلامي في زمنها.

وأتباعها في ((باب المعتقد )) أولى بالسلف من غيرهم (وإن أخطؤوا ).

هذه عبارات الشيخ حاتم -وفقه الله-. وهي عبارات المعتذر الموافق على التهمة. فإن لم يكن التعبيرُ خانه، فلست أفهم من كلامه إلا أن هناك خللاً جلياً في دعوة الشيخ محمد-رحمه الله-، يستدعي الاعتذار والتصحيح. لكن دعوته تبقى هي الأولى والأقرب إذا ما قورنت بغيرها، وبالواقع الإسلامي في زمنها.

 

فكل ما حصَّله الشيخ -رحمه الله- أنه (الأقرب للحق مقارنةً بغيره )، و أن (أتباعه أولى بالسلف من غيرهم )، وأن (خير دعوته أكثر من شرها ).

هذا كله (إذا حُوكمت الدعوة لزمن ظهورها )!

هذا الكلام لو قاله رجلٌ من أطراف بلاد الإسلام، ممن لا يعرفون حقيقة دعوة الشيخ محمد -رحمه الله-، لعددنا كلامه هذا من مناقبه وفضائله وإنصافه. لكن أن يصدر من مثل الشيخ حاتم، في فضله وعلمه وقربه مشربه الأثري، فهنا يكون الإشكال.

وقد رأيتُ بعض ذوي الجهالةِ فرحوا بكلام الشيخ حاتم، وشرعوا في سرد الشواهد لكلامه بالطريقة التهويلية البعيدة عن التحرير العلميِّ للمسائل التي كان الشيخُ يكفِّر بها. فنقلوا كلاماً في تكفير فلان، أو تكفير أهل البلد الفلاني، لكن لم يبحثوا في علةِ هذا التكفير، ولم ينقلوا مسألةً واحدةً كفَّر بها الشيخ، تستوجب الاعتراضَ والرَّد. فهم بهذا سلكوا الطريقةِ الإعلامية التي تجعلُ كلَّ تكفيرٍ غلواً وتطرُّفاً.

الذي يريد الحديث عن دعوة الشيخ محمد -رحمه الله- يحتاج أن يكون لديه تصورٌ تامٌ لحقيقة المسائل التي كان الشيخ يتحدث عنها، ويبني أحكامه عليها. فالشيخ لم يكن صاحب كلامٍ وتنظير مجرَّدين. بل كان صاحبَ دعوةٍ وشجاعةٍ وجهادٍ و جرأةٍ في الحق. و التنظيرات التي يذكرها الفقهاء في أبواب الردة، وجدت طريقها لأرض الواقع على يديه بعدما تهيأت له دولةٌ ترفع لواء دعوته.

وفي ظني أن كلَّ عالمٍ سلفيٍّ مصلحٍ لو واجه مثل الواقع الذي واجهه الشيخ، وتهيأ له مثل ما تهيأ للشيخ، فستكون النتيجة واحدةٌ: إصلاحٌ وتجديد، يصاحبه تكفيرٌ وقتالٌ لأناسٍ مقرِّين بالشهادتين، لكن تلبَّسوا بما يناقضها. تماماً كما وقع ذلك للصحابة تحت قيادة رأس المجدِّدين أبي بكرٍ الصديق -رضوان الله عليهم أجمعين-.

وليس هناك فرقٌ بين الإيمان بنبوة مسيلمة، وبين العكوف على الأضرحة بالدعاء والاستغاثة والنذر والذبح في نقضِ أصل الإيمانِ وإثبات حكم الكفر والردة، حتى مع الإقرار بالشهادتين 

هذا ابن تيميةُ ـ رحمه الله ـ لست أشك أن الشيخ حاتماً يعدُّه من الأئمة المصلحين المجدِّدين. والمطَّلع على كلامه يرى فيه كثيراً عباراتٍ من مثل: (من قال كذا فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل )، (ومن فعل كذا، فإنه يستتاب وإلا قتل )، و(من قال بكذا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ). و(الطائفة الممتنعة عن شيءٍ من شعائر الدين يتعين على قتالها ). وكثيراً ما يحكي الإجماع على مثل هذه الأحكام.

فلو وُجدت في عصر ابن تيمية طائفةٌ ممتنعةٌ تأخذُ بشيءٍ من هذه المكفِّرات، ثم تهيأ للشيخ سيفٌ ودولةٌ تعتمد فتياه، وأنزل هذه الأحكام النظرية على أرض الواقع، فترتب على ذلك تكفيرٌ ودماءٌ. فهل سيتحدث الشيخ حاتم عن شيءٍ اسمه (أتباع ابن تيمية )؟!

سؤالنا للشيخ حاتم -غفر الله له- :

مَن عبد غير الله بدعاءٍ أو ذبحٍ أو نذرٍ. ما حكمه؟

 

وإذا دُعي هذا لإخلاص التوحيد لله فأبى وكابر؟ كيف يكون التعاملُ معه؟

 

وإذا اجتمع على ذلك أهلُ بلدٍ. أو تعصَّب بعضهم لبعضٍ. فهل يسوغ قتالهم؟

 

أحكامٌ شرعيةٌ هي محلُّ اتفاقٍ من جهة التنظير. لكن غيابُ التطبيقِ العمليِّ جعل بعضَ الناس يستنكرها وينفر منها. أما الشيخ محمد -رحمه الله-، فلما تيسر له تنزيل هذه الأحكام، أقدمَ على ذلك بشجاعةٍ، فنجحَ في تأسيس دعوةٍ واضحة في نهجها وتصوراتها، تجاوبت معها أرجاء الجزيرة في وقته، ثم شاعت من بعده في أرجاء العالم الإسلامي.

مما توقفت عنده في كلام الشيخ حاتم حماسته و نبرته الخطابية في إثبات شيوع الغلو في (أتباع الشيخ محمد ) -على حد تعبيره- ، فهو يقول:

((كم هم من أتباع الشيخ (رحمه الله ) قديماً وحديثاً الذين خطَّؤوا الشيخ أو مدرسته في بعض الأقوال؟! ومن منهم كان قد علا صوته مطالباً بضرورةِ إعادة النَّظر في بعض الآراء؟! هل يمكن أن تكون بعضُ آراء شيخ الإسلام ابن تيمية قابلةً للنقد (كتسلسل الحوادث وفناء النار وغيرهما)، وكذلك لا يخلو عالمٌ من خطأ، خاصةً في العلم الذي أكثر من الخوض فيه، ثم لا يكون للشيخ محمد بن عبد الوهاب أخطاء أسوةً بغيره؟! إن كان له أخطاء، فلماذا لا تدرس؟ ولماذا لا ينبَّه عليها. والأهم: لماذا يصمت أكثر الأتباع عن نقد الشيخ باحترامٍ كغيره من أهل العلم)). اﻫ.

مثلُ هذا الكلام (الإنشائي ) مما يستكثر صدوره ممن هو في مثل مقام الشيخ حاتم. فحاصل هذا التقرير (الخطابي ) أن الشيخ محمداً بما أنه أكثر من الخوض في مسائل التوحيد والشرك، فلابدَّ أن يكون قد أخطأ فيها!! وبالتالي يجب أن يعلو صوت (أتباعه ) بالمطالبة بإعادة النظر في بعض آرائه!!

لا أدري من أين جاء الشيخ حاتم -سامحه الله- بمثل هذا المنطق الذي يوجبُ وقوعَ الخطأ من كلِّ عالمٍ يكثر الخوضَ في مسائل التوحيد والشرك، والكفر والإيمان!

لن أتوقف كثيراً عند التمثيل غير الموفَّق بمسألتي (تسلسل الحوادث، أو فناء النار )، فليس هذا موضعه. لكن ما أريد التنبيهَ عليه أن الشيخ محمداً -رحمه الله- لم يدخل في مضايق المباحث الكلامية والفلسفية؛ إذ لم تكن هذه معركته مع مخالفيه. بل كانت خصومته معهم حول قضية الإيمان الكبرى (توحيد العبادة )، فلأيِّ شيءٍ يفترض الشيخ حاتم ضرورة وقوع أخطاء من الشيخ في هذا الباب بخصوصه. مع ملاحظة أن الحديث هنا عن خطأٍ محضٍ يستدعي رفع الصوت بالنكير، وليس عن خطأٍ يحتمل الصواب.

الأغربُ في هذا كلِّه أنه الشيخ حاتماً بعدما طالب (أتباع الشيخ محمد! ) برفع أصواتهم ببيان أخطاء شيخهم، ثم كُتبت بعض التعقيبات من أهل الاختصاص، مطالبةً بإبراز أمثلة للأخطاء التي يطلب مراجعتها ونقدها. اعتذر الشيخ حاتم بأنه (ليس من المصلحة تطويل الجواب وذكر شواهده )، ثم أحالَ على تاريخ ابن بشر وابن غنام الذين كان السؤال عنهما. وكأن المعترضين على كلامه ينكرون وجود التكفير في هذين الكتابين!!

التكفير موجودٌ في تاريخ ابن بشر، وفي تاريخ ابن غنام، بل في رسائل الشيخ محمد نفسه. لكن موضع البحث: أين المسألة التي أخطأ الشيخ محمد بن عبدالوهاب في التكفير بها؟ هذا ما يُفترض أن يبرزه الشيخ حاتم إن أراد الطرح العلميَّ؟

وأخشى ما أخشاه أن يكونَ الخللُ لدى الشيخ حاتم نفسِه في تصوُّر مسائل الإيمان، كما هي عادة الكثير ممن يعترضون على الشيخ محمد انطلاقاً من تصوراتٍ خاطئةٍ لديهم. أقولُ هذا لأني رأيتُه في رسالته عن (الولاء والبراء ) جوَّز ثبوتَ الإيمان الباطن لمن يعلن بلسانه أنه (يحب دين الكفار)! بل إنه حكم بإيمان من يصطفُّ في جيش الكفار محارباً النبيَّ – صلى الله عليه وسلم-! وهذه لوثة إرجاءٍ لا تأتي على مذهب غالية الجهمية الذين يجعلون الإيمان بالنبيِّ – صلى الله عليه وسلم – تصديقاً مجرَّداً من التوقير والتعظيم والإذعان. وهذا ما نزَّه الله عنه الشيخ محمد بن عبدالوهاب –رحمه الله-. فمثلُ هذا الكلام هو الحريُّ بالمراجعة والتصحيح.

 

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 − 13 =