أجهزة الاستخبارات الفكرية

هذا البحث كُتب بمداد من دماء المسلمين والمجاهدين.. ! كان يجب أن نفهم بـ “نور الوحي” دون الحاجة لـ “مداد الدم” ولكن.. المكر والكيد؛ تكاد من شدته تزول الجبال !
هذا البحث محاولة للنجاة بعد أن غرقنا في عمق التيه البعيد، وبعد احتراق طاقات الملايين – من الأعمار والأرواح والدماء والأموال والأعراض – من المسلمين، كان يجب أن نفهم بـ “نور الوحي” دون الحاجة لــ “الدخول في التيه البعيد” ولكن.. ليقضي الله أمراً كان مفعولا.
هذا البحث كان يجب أن نفهمه منذ حوالي مائة سنة إبان سقوط الخلافة.. ولكن شاءت إرادة الله، أن ندخل “الملك الجبري والطواغيت” ويبتلي الله من يشاء، ويمحص من يشاء، ويتخذ من الشهداء من يشاء، وها هي ملامح الطريق تتكشف، ونحن على مرحلة الخروج من هذه المرحلة.. إلى خلافة على منهاج النبوة بإذن الله.

هذا البحث محاولة لتجميع أجزاء الصورة المبعثرة، والمفتتة، والمخفية.. لترتسم الصورة كاملة أمام عقل المسلم.. الذي يحاول العدو اختراقه من كل طريق، وبأي وسيلة !! حتى ولو كانت هي الدين ذاته !
هذا البحث ضرورة هامة لمن يبحث: أين يضع ثمرة قلبه، وصفقة يديه؟ لمن يريد أن يعرف معالم “فسطاط إيمان لا نفاق فيه”.. وملامح “فسطاط نفاق لا إيمان فيه”، في واقع فتن كقطع الليل المظلم!

لمن يبحث عن طريق نجاة!

أجهزة الاستخبارات الفكرية

والآن.. وبعد أن أصبح الكثير من أبناء الحركة الإسلامية جنوداً للعلمانية – بدرجات متفاوتة – وجزءاً من خطة العدو !!
وجب علينا “اختراق” المحددات الفكرية والأمنية لـ “أجهزة الاستخبارات الفكرية”.. التي تتغير محدداتها بمرونة عالية، وسرعة فائقة.. طبقاً لظروف الواقع، وتبعاً لانتصارات الإسلام !
ووجب لذلك وضع معايير دقيقة صارمة للعمل والنموذج الإسلامي الصحيح..
فما هي محددات أجهزة الاستخبارات الفكرية ؟
وكيف يتم الاختراق الفكري ؟
وكيف نفهم المتناقضات في سلوك الأجهزة الفكرية ؟
وما هو الفرق بين المحددات الفكرية والحركية لكل منطقة من مناطق الجهاز ؟
ما هي “نقطة الفاعلية القصوى” التي عندها تنهار “أجهزة الاستخبارات الفكرية” ودولها وحضاراتها وخدمها وعبيدها ؟

نقطة البداية

نقطة البداية.. بداية انهيار العالم الإسلامي وتفتيته – بعد الحرب العالمية الأولى والثانية – وأصبح بعدها تابعاً لـ “قوى الجبر الصليبية”، وتحت “قيادة الطواغيت”، فبسقوط الخلافة دخلنا مرحلة “الملك الجبري والطواغيت”.. وأصبحت عملية التحكم في هذه الأمة الكبيرة، وخلافتها المترامية الأطراف – والتي كانت تحكم العالم من حدود الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً – أصبحت عملية التحكم فيها تتم بصورة علمية، دقيقة، ممنهجة.. والهدف أن لا تعود مرة ثانية لهذه الصورة مهما كلف الأمر، فإن عودتها يعني انهيار الحضارة الغربية، ويعني أن هي التي ستحكم العالم مرة أخرى كما حكمته أول مرة !
من ضمن الأجهزة التي تساهم في إخضاع الأمة لقوى الجبر الصليبية.. “أجهزة الاستخبارات الفكرية” وهي من أخطر الأجهزة، وتضم أكبر عقول البشرية، وصانعي القرار، وخريجي أعرق الجامعات، وخزانات التفكير، ولها ميزانيات مفتوحة؛ ومنوط بها مهام عظيمة وخطيرة.. مثل:
(1) تفريغ الإسلام من الشرع، والجهاد.
(2) تفريغ الإسلام من مضمون رسالته العالمية.
(3) الاختراق والعبث الفكري تجاه قيادات العمل الإسلامي.
(4) وضع المحددات والمؤشرات التي يتحرك عليها خط الفاعلية.
(5) تحديد ورسم خط الفاعلية.. وتحديد المنطقة الآمنة والمنطقة الخطرة.
(6) التنسيق بين الأجهزة الفكرية الأخرى لتوسيع الرؤى وتحديد ما هو مناسب لكل دولة على حدا.
ولعل أهم مكونين لأجهزة الاستخبارات الفكرية هما:
(1) خط الفاعلية.
(2) المحددات، المؤشرات.

خط الفاعلية

تضع النظم الجاهلية خطاً بينها وبين الإسلام، تسميه “خط الفاعلية” الذي به تحسب وتحدد ما تسمح به من هذا الدين، وما تمنع..! فهي تسمح بكل شيء قبل هذه “الفاعلية”.. من خطب ومحاضرات وندوات وكتب ومشاركة سياسية وبرلمانات…إلخ ، وتسمح لكل داعية أو سياسي – قبل خط الفاعلية – أن يتكلم فيما يحلو له في “حدود” الدائرة المرسومة له، بل وتدعم الحكومات هذه الجهود لأنها “قبل خط الفاعلية.. أي: بلا فاعلية” من جانب، ومن جانب آخر: أنها تستهلك جهد الناس ومشاعرهم في قضايا “هامشية”..
وتحديد خطوط الفاعلية هذه، لا يتم بشكل عشوائي أو عفوي أو اجتهادي.. إنما يقوم به “جهاز استخبارات فكري” على وعي بالحراك الديني والثقافي والفكري والواقعي للمجتمعات.. فتجد – مثلاً – ما هو ممنوع في بلد، يُسمح به في بلد آخر، وليس كما يتوهم البعض أنها “الحرية” ولكنها “خطوط الفاعلية” التي تختلف من بلد آخر..
وجهاز الاستخبارات الفكري هذا، يعمل على رصد كل حراك فكري وواقعي داخل المجتمعات، ويرصد مدى تأثيره على أمن “النظم الجاهلية” ويضع الخطة المناسبة لاحتواء وتفريغ هذا الفكر.
وخطوط الفاعلية التي يضعها هذا الجهاز الاستخباراتي، هي التي تحدد حركة العاملين للإسلام تحديداً.. لأن الإسلام هو عدو النظم الجاهلية.. إذ أنه النظام الوحيد الذي لا يقر بشرعية تلك الأنظمة، وليس هذا فحسب، بل من أصول مبادئه تحطيم كل الأنظمة الجاهلية.. ولأن المعركة تبدأ في الأفكار التي تحدد السلوك، فلهذه الخطوط ولهذا الجهاز الاستخباراتي أهميته القصوى، ورجاله المتميزين.
والوظيفة الأولى والأساسية لخطوط الفاعلية، والجهاز الاستخباراتي هو: المحافظة على “الخدر العام” لجموع الأمة، وأي أحد كائناً من كان يحاول إيقاظ هؤلاء النائمين، فهو المجرم، المعتدي، الذي تعتبر فعلته هذه “جريمة تستحق الإعدام”.
لذا، فهم يدرسون هذا الدين بوعي، وينظروا إلى مفاصله وقواعده، لتوجيه الضربات القاتلة إليه، ويتركون البقايا تلوكها ألسنة الدعاة كيفما شاءوا !
ولا عجب فيما قامت به المؤسسة الأمريكية “راند” – عام 2004 م – في دراسة الإسلام المناسب لمنطقة الشرق الأوسط، وبالطبع تُرسم ملامح هذا الإسلام الذي تقره مؤسسة “راند” بما لا يتعارض مع مصالح أمريكا وعملائها في الأنظمة الحاكمة، واسمته “الإسلام المدني الديمقراطي” ولا عجب أن ترصد 1.3 مليار دولار، لترسيخ هذا الدين الذي يُخدر مشاعر الناس، ويُدخلهم في نوم عميق لا تستفيق منه إلى ما شاء الله..! فلا تبخل في تلميع بعض الدعاة، وإقامة المؤتمرات، وتخصيص القنوات.. كل هذا حتى يظل النائمون هادئون.. ولكم يكسب هؤلاء حين تظل الأمة في نومها الكئيب هذا.

إن المسألة تبدو غريبة على بعض من أزعجتهم هذه الكلمات أو أقلقت منامهم.. ولكن حين يستفيقون، ويستيقظون، ويتحركون للعمل لدين الله كما جاء من السماء.. عقيدة، وشريعة، و”نظام” تتمثل فيه هذه العقيدة، وتلك الشريعة.. سوف يدركون تماماً هذه الحقيقة البديهية.
فعندما يصل أحد إلى “مرحلة الفاعلية” في فكره أو عمله أو حركته.. تُشن عليه حرب شعواء لا هوادة فيها.. فالصعود إلى خط الفاعلية أو تجاوزه، من شأنه أن يحرك العقول الراكدة، والنفوس المستكينة، والقلوب الميتة، الأمر الذي إن حدث عن نطاق شامل في كيان الأمة، يمكن أن يغير وجه التاريخ، ويضع ملامح جديدة للمستقبل.
وإذا حدث أن تجاوز فعل أحد “مرحلة ما قبل الفاعلية” وصعد إلى “مستوى الفاعلية” دون أن يلحقه أذى من “النظم الجاهلية” فسوف يعملون على نزع فتيل الفكرة قبل أن تنفجر في قلوب العبيد النائمين وتسري في دمائهم.
ونزع الفتيل هذا يتم إما بزيادة جرعة التخدير، بكثير من المشكلات الحياتية التي تأخذ الإنسان في دوامة لا نهاية لها، أو بعض من المخدرات الجنسية والفكرية.

فما هو خط الفاعلية هذا ؟

الفاعلية: هو أن يسود نظام الإسلام في الأرض، رغم أنف الطغاة والمتكبرين والمتجبرين.. وحين يقترب أحد من هذا الأمر بقول أو فعل أو حتى خاطرة.. فقد ارتكب جريمة في حق الطغاة.. وهي فعلاً كارثة للطواغيت، وخلاص للإنسانية.
نعم.. إن هذه دعوة الإسلام.. في كل الأرض، يريد أن يحكم ويسود، يريد أن يسود عدله وشرعه، وتصوراته وقيمه، وأخلاقيته وسلوكياته، ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل وأنزل الكتب: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ♂ [الحديد : 25] ومهما بُذل من تضحيات في النفس والمال، فهو قليل في هذا الطريق.
هذه هي الفاعلية التي لا يريدها الأعداء.. وهذا هو الإسلام الذي يَقض مضاجع الطغاة.
أما ما هو دون ذلك من حديث عن الإسلام، فلا يضر مصالح الطغاة في شيء، بل على العكس.. يستخدمونه – عن طريق الكهنة – لترسيخ تسلطهم، وملكهم..!
ولا عجب أن الحديث عن جزئيات الإسلام منفصلة عن روحه وأصل أصوله وهو “النظام الذي يتمثل فيه” لا يأتي بشيء في الواقع، سوى نفوس مشوهه، وسلوكيات متناقضة، وعقول حائرة، وقلوب تائهة، ومزيد من المشكلات التي تتعقد يوماً بعد يوم، وجيلاً بعد جيل.. ثم تعود لتتساءل: أين السبيل ؟ وتعود الكَرة من جديد.. بحث في الفراغ، وحديث في الفراغ، وعمل في الفراغ !.
فلا مفر أمام كل مسلم، وبخاصة الدعاة إلى الإسلام، إلا أن يصدعوا بدعوة الحق، وليفعل الله بدينه وعباده ما يشاء، ولا يخافوا في الله لومة لائم.. فهما كانت التضحيات، فالحق أحق أن يتبع.

محددات، ومؤشرات أجهزة الاستخبارات الفكرية

لكل منطقة من مناطق الجهاز الفكري محددات ومؤشرات.. يتحرك المؤشر لأعلى، ولأسفل بدقة ومرونة.. طبقاً لحالة “ظهور وانتشار الإسلام” على أرض الواقع، فيتحرك المؤشر طبقاً لذلك.. إذا كان للإسلام انتصاراً يتحرك المؤشر لأعلى ليفسح المجال لحرية محدودة ومحددة للإسلام، ليحبط بها انتصارات الإسلام الواقعية، وإذا كان الإسلام في انحسار؛ يتحرك المؤشر لأسفل ليضيق عليه الخناق أكثر، رغبة منه في القضاء عليه تماماً !
والصورة المثالية “المنطقة الخضراء” لـ الوضع الذي رُسم بعد سقوط الخلافة ويضمن عدم عودتها من جديد، هو: أربع نقاط لا مجال للتفاوض أو البعث أو حتى الاقتراب منها أو وجود مصدر تهديد أو إزعاج لها:

(1) أمن ما يُسمى “إسرائيل” (عسكري الحضارة الغربية).
(2) عدم عودة الخلافة وتوحيد الأمة (احترام حدود سايكس بيكو).
(3) عدم الاجتماع على الإسلام، والانتساب للشرع والتحاكم إليه (احترام القومية والقوانين الوضعية الغربية).
(4) الحفاظ على النفوذ الغربي وإمدادات الطاقة والنفط داخل بلادنا “فالحضارة الحالية كلها قائمة على الطاقة والنفط” (حماية اقتصاد اليهود العالمي).
وتصبح “المنطقة الحمراء” – التي تعني نشوب حرب عالمية – هي قيام عمل حقيقي لهؤلاء الأربعة: [ إسرائيل – الخلافة – الشرع – النفوذ الصليبي والنفط ]..
وتكون “المنطقة الرمادية” التي تلي المنطقة الخضراء، هي: مجرد “محاولة” الخروج من المنطقة الخضراء للتحرر من هذه العبودية، وعندها يتحرك المؤشر وفق دقة بالغة، وعملية مدروسة تتحكم فيها أكبر عقول الاستخبارات وصناع القرار.
وتكون “المنطقة الصفراء” هي: “النجاحات الجزئية” للخروج من المنطقة الرمادية، وعندها تبلغ الاستعدادات الدرجة القصوى، لعدم الوصول إلى المنطقة الحمراء ! مثل الدفع بالمشاركة السياسية أو غض الطرف عن “ثورات وطنية” تحت السيطرة.. وبهوية علمانية !!

إذن.. نحن أمام أربع حالات للمؤشر ومحدده:

المنطقة الخضراء = حيث العلمانية مستقرة، وناجحة والناس إليها مطمئنون.
المنطقة الرمادية = حيث العلمانية مضطربة، وفاشلة، والناس يحاولون البحث عن بديل، وخروج منها، والسماح بممارسة بعض شعائر الإسلام !
المنطقة الصفراء = حيث وجود “نجاحات جزئية” ضد العلمانية، والسماح بمشاركة سياسية !
المنطقة الحمراء = حيث الاقتراب من مناطق الخطر التي تعني حرباً عالمية: [ إسرائيل – الخلافة – الشرع – النفوذ الصليبي والنفط].
والآن إلى دراسة كل مؤشر على حدا..

المنطقة الخضراء

الحالة الخضراء والآمنة والمثالية للمحدد والمؤشر هي:
(1) الانسلاخ التام من الإسلام.
(2) تأليه الإنسان.. وضع الإنسان مكان الإله !
(3) اتباع ملة الجهاز “العلمانية” المتطورة عن النصرانية.. قلباً وقلباً.
(4) الجهل، وعدم الرغبة في تعلم أبسط بديهيات الإسلام.
(5) النفور من لغة القرآن، والجهل بها، والاستخفاف بها، والتحدث بلغات أخرى.
(6) اندثار شعار الإسلام مثل الأذان، الحجاب، الصلاة… إلخ.
(7) عدم الاهتمام بالغيب والتفكير الروحي، والركون إلى الحياة الدنيا روحاً وفكراً وعملاً وتخطيطاً.
(8) إلغاء التعليم الديني، وتجفيف منابعه.
(9) التفكير من خلال المناهج الفكرية الوضعية كـ (الرأسمالية – الليبرالية – الاشتراكية – البرجماتية – الديمقراطية – الشيوعية… إلخ ).
(10) اعتبار الحضارة الغربية هي القدوة والمثال.. ونهاية التاريخ.
(11) السيطرة على مناهج التربية والتعليم، والإعلام، والثقافة، والفن.. حتى تكون علمانية خالصة.
هذه هي الصورة المثالية التي يكون فيها المؤشر في المنطقة الخضراء، وفي حالة استرخاء، وفي استقرار تام، ولكن غالباً ما تحدث إخفاقات سياسية وإدارية لوكلاء الصليب نتيجة الفساد والظلم والاستبداد فيفشلون في إنجاح العلمانية، وتضطر الناس للبحث عن بديل، وتجد أصوات تنادي أن الطريق هو الإسلام !
وكل منطقة من مناطق الجهاز لها حد أدنى، وحد أقصى..

وهذه المنطقة الخضراء..

الحد الأدنى: يعني الاستقرار والصورة المثالية فالمؤشر في حالة مستقرة، ومجرد ارتفاعه لأعلى يعني: اضطراب في حالة الاستقرار، والحد الأدنى للمؤشر هنا هو علو العلمانية، واندثار الإسلام وشعائره.
الحد الأقصى: يعني ارتفاع المؤشر لأقصى درجة داخل “المنطقة الخضراء” وإنذار بالخروج من هذه المنطقة كلها إلى المنطقة الأخطر التي تليها وهي: “المنطقة الرمادية”.. وفي هذه المنطقة يتوقف الهجوم على الإسلام، ويتوقف الخطاب المُعادي له، ويتخفف من الحديث عن الإباحية والإلحاد… إلخ.
وما بين الحد الأدنى والحد الأقصى تتأرجح “محددات” المؤشر، ويجب أن نفهم أن مؤشر الجهاز ومحدده لا يعمل بصورة جامدة أو منفردة.. بل هو شديد المرونة، سريع الحركة.. ويعمل في أكثر من منطقة في وقت وحد ليكون المُخرج النهائي من “أجهزة الاستخبارات الفكرية” صورة ضبابية غير قابلة للتفسير !

المنطقة الرمادية

وحدها الأدنى: هو الحفاظ على “الهوية العلمانية” مصونة، وتوقف الخطاب المُعادي للإسلام !
وحدها الأقصى: هو الحفاظ على “الهوية العلمانية” مصونة، والسماح بممارسة شعائر الإسلام.. كالحجاب، والصلاة… إلخ “علمانية معتدلة” !
ولا ننسى.. ما يُسمح به في بلد، قد يُمنع في بلد آخر، طبقاً للعوامل الاجتماعية والنفسية.. ووفق ما يحدده الجهاز من خطورة.
يبدأ الناس في البحث عن هذا “الإسلام” وماذا يمكن له أن يحل من مشكلاتهم ! فيتلقون الإسلام وهم بهذا الإرث الهائل من العلمانية.. فيستجيب إليه “الذرية” الشباب الغير مُثقل بلوثات العلمانية، ويقبل عليه بقلوب طاهرة، بينما يتكلس ويتجمد الكبار على ما ألفوه أول مرة..
ويأتي الإسلام “بعضاً” من ثماره.. فيضطر “مؤشر أجهزة الاستخبارات” بالتحرك لأعلى لاحتواء هذه الثمار، وعدم تركها إلى أن يستفحل أمرها.. فتسمح بما كان هو ممنوع سابقاً، فليكن هناك مثلاً:
حجاب وعدم التضيق عليه، من باب “الحرية الشخصية”.
صلاة جماعية، من باب “الحرية الشخصية”.

تخفيف القبضة الأمنية والملاحقات على دعاة الإسلام.
ثم يراقب الجهاز أثر هذه المساحة التي تركها، هل مازالت تتحرك لأعلى، وتريد الدخول في “المنطقة الصفراء” أما رضيت بهذا الوضع ؟
إذا رضيت بهذا الوضع.. سيعمل الجهاز من خلال “أجهزة الإعلام” عن إفساد المساحة التي سمح بها، ليعود المؤشر مرة ثانية إلى “المنطقة الخضراء” والوضع المستقر.. لأن الأصل في الجهاز، والحالة المثالية هي: “بقاءه في المنطقة الخضراء”..
وإذا وجد أن أثر هذه المساحة يتجه للدخول في “المنطقة الصفراء” سيعمل الجهاز من خلال “أجهزة الأمن” على تقويض الدعاة وإفشال حركتهم، ومحاولة تجميدهم عند “المنطقة الرمادية”..

ويتم في هذه اللحظة “الاختراق الفكري” للدعاة وأصحاب العمل الإسلامي.. باستخدام “سلاح البرجماتية”! كالتالي: إن أي حركة للأمام ستهدد “مصلحة الدعوة” وأنه يجب الحفاظ على “المكتسبات الحالية وعدم التفريط فيها”، وعدم “التهور” للانتقال لدرجة أعلى.. فإن البقاء في “المنطقة الرمادية” أفضل بكثير من “المنطقة الخضراء” للعلمانية التي كانت تحظر حتى الحجاب، وتحارب مظاهر التدين..
انظر إلى ثمرة ما نحن فيه من صلاة وحجاب وشعائر ونحن في “المنطقة الرمادية”.. يجب أن نحافظ على هذه المكتسبات ولا نفرط فيها، ونتحرك بهدوء وحكمة وروية.. وبمرور الوقت سيتغير الناس، وسيقتنعون بنا وبمنهجنا.. هذه هي “عملية الاختراق” لمنع أي محاولة للانتقال من “المنطقة الرمادية” إلى “المنطقة الصفراء”.

المنطقة الصفراء

الحد الأدنى منها: المشاركة السياسية في النقابات والبرلمانات باسم الإسلام.
الحد الأقصى منها: الوصول إلى كرسي الحكم “ضمن إطار الدولة العلمانية”.. وغض الطرف عن “قيام ثورات وطنية” تكون تحت السيطرة والتقويض، و”ضمن إطار هوية الدولة العلمانية” !
الإسلام يملك قوة ذاتية، لا يدري أحد متى وكيف ينبعث ؟! وسيظل ينبعث إلى يوم الدين..!
وعندما ينجح البعض في الخروج من “المنطقة الرمادية” إلى “المنطقة الصفراء” وتفشل معه عملية “الاختراق الفكري” التي كانت تؤمل قعوده عن الحركة والانطلاق للأمام..
والمنطقة الصفراء: منطقة واسعة جداً، والعمل فيها بالنسبة لأجهزة الاستخبارات معقد، وصعب، ودائم التغير لاتساع رقعة هذه المنطقة، وتعدد خطوطها.. وابتعادها ظاهرياً عن العلمانية، تبدأ هذه المنطقة بنقطة “السماح بالدعوة” وتنتهي إلى نقطة “السماح بممارسة السياسة” داخل إطار الدولة العلمانية !
السماح بالدعوة: تحدد أجهزة الاستخبارات الفكرية – وبمعاونة أجهزة الأمن – مجال الدعوة المسموح به، فلا يخرج عن إطاره المرسوم فلا حديث عن قضايا سياسية أو نوازل الأمة.. الحديث فقط في مجال: ( الأخلاق – العبادات – الرقائق – حديث…إلخ ) ولو ظلت الدعوة آلاف السنين لا يجب أن تخرج عن هذه المحددات !
ولكل منطقة داخل البلد الواحد محدداته الخاصة، فيما يُسمح به في محافظة، يُمنع في أخرى! وهذه تحددها الطبيعة والتركيبة الاجتماعية لأهل المحافظة، وغيرها من العوامل الدقيقة التي يصعب رصدها !!
وتتم عملية الاختراق الفكري كالتالي:

انظر في حال أهل المنطقة الخضراء – أهل العلمانية المحضة – وانظر إلى حال أهل المنطقة الرمادية، كيف كانوا والآن الدعوة نجحت وأتت ثمارها فها هي: [ الصلاة – والقيام – والاعتكاف – وانتشار الحجاب – واللحية – والمعاهد الدينية – وحفظة القرآن – والقنوات الدينية… إلخ ] فيجب المحافظة على هذه المكتسبات من أجل “مصلحة الدعوة” وعدم التهور والاندفاع أكثر من ذلك.. بفعل شباب طائش متحمس لا يفهم الواقع والمصالح والمفاسد.
السماح بالسياسة: مجرد السماح بالسياسة أمر يزعج أجهزة الاستخبارات ولا تفضل أن يدخله أحد باسم الإسلام، فهذا يُعقد ويُصعب من طبيعة عملها، وعلى كل حال يجب توظيف كل شيء، والاستفادة من كل وضع.. فيتم السماح بممارسة السياسة في إطار محدد ودقيق، لا يتجاوز موضوعات: “الخدمات العامة – التطوير الاقتصادي – بعض العدالة الاجتماعية” ولا يتطرق بأي صورة من الصور إلى “هوية الدولة العلمانية القومية” أو يتطرق إلى “تحكيم الشريعة وحدودها” فشرط الممارسة السياسية معقود على بعض الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية فقط لا غير؛ التي تخفف من حالة الاحتقان جراء الظلم والفساد، كما لا تفضل أجهزة الاستخبارات أن يبقى من يمارس السياسة “بوجه إسلامي” – ولو صورياً – مدة طويلة حتى لا يظن الناس أن الإسلام قادر على إدارة حياتهم أفضل من العلمانية !

وتتم عملية الاختراق الفكري كالتالي:
انظروا أين كنتم؟! انظروا كيف كان أهل المنطقة الخضراء والرمادية.. بل انظروا إلى أهل الدعوة في “المنطقة الصفراء” المسموح لهم فقط بالدعوة..؟! أما أنتم: فالآن لكم صوت ووجود، والآن أنتم في البرلمان والحكومة والنقابات… إلخ تستطيعون أن تصلوا متى سنحت الفرصة، وتصلحوا قدر المستطاع ، ولا يُكلف الله نفساً إلا وسعها! وهذا هو المتاح، فيجب الحفاظ على هذه المكتسبات من أجل “مصلحة الدعوة” والإسلام الآن له دور سياسي، فلا يمكن التهور، والاندفاع للأمام.. بفعل طائش متحمس لا يفهم الواقع وفقه الاستضعاف..!!
ولا يمكن ترك “المتاح الواقعي” إلى “الخيال المثالي”.. وهذا هو غاية الجهد، والوسع.. ويجب أن نتحرك وفق آليات “الديمقراطية” فالنظام الدولي، والمجتمع الدولي، والمؤسسات الدولية.. تنزعج من مجرد ذكر الإسلام في “مؤسسات الحكم” فيجب وإن كنا بوجه إسلامي، احترام النظام الدولي، وعلمانية الدولة، وحدود سايكس بيكو ! فنحن لا نقدر على مواجهة النظام الدولي، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها !!
في هذه “المنطقة الصفراء”: تموج العديد من الأفكار والتيارات التي تنتسب للإسلام.. لكنها لا تخرج عن “محدد الدعوة والسياسة”، فهناك من يمارسها “دعوة محضة”، وهناك من يمارسها “سياسة برجماتية خالصة”، وهناك من يحاول دمج الاثنين معاً، وهناك من يحاول تكثيف العمل السياسي بجرعة إسلامية عالية حتى ولو كانت تقترب من “الشريعة”!! وهناك من يطرح “مشروعات لتطبيق الشريعة”..!
كل هذه الأشكال والصور يحاول الجهاز النظر في أخطرها طرحاً وقوة.. ثم يدفع بـ “الأقل” طرحاً وقوة ليواجه به الأخطر، دون تدخل أو كبير جهد منه..!
أي: يضرب “أقوى” مشروع سياسي إسلامي، بـ “أضعف” مشروع سياسي إسلامي، وينتصر للأضعف والذي يسهل “السيطرة عليه والتحكم فيه”.

وفي النهاية.. تكون شروط المشاركة السياسية:

(1) الإقرار بشرعية النظم القائمة، وهويتها العلمانية.
(2) الاعتراف بحدود سايكس بيكو.
(3) عدم التعرض لإسرائيل ( المقصود: عدم العداء أو الوقوف على الحياد أو عدم التفوق العسكري عليها ).
(4) تشكيل حكومة وحدة وطنية، وعدم انفراد الإسلام بصورة سياسية وحيدة.
(5) عدم التدخل في شؤون الدول المجاورة، والإبقاء على النفوذ الغربي كما هو.. دون محاولة الانفلات منه أو مشاركته السيطرة والهيمنة.
(6) عدم الاقتراب من الجيوش وأجهزة الأمن بأي صورة من الصور لتغيير عقيدتها القتالية أو الأمنية فهي أُنشت فقط لحماية “الهوية العلمانية”.

وفي هذه “المنطقة الصفراء”: يُسمح بالمزج بين الإسلام والعلمانية، ومحاولة الاقتراب في مساحة مشتركة بينهما.. فتكون – مثلاً – القناة الإعلامية الواحدة تقدم مزيج من الإسلام والعلمانية ! لتخرج شخصية “المتدين العلماني” الذي يحافظ على بعض شعائر الإسلام – يمارس الإسلام على الطريقة النصرانية – ويؤمن كذلك بعلمانية الدولة وعلمانية السياسة والاقتصاد !
وفي هذه المنطقة يظل مؤشر الجهاز في حالة ترقب وتحفز دائم، فهي منطقة غير مأمونة، وغير مريحة.. وقد تحدث انقلابات فكرية في أي لحظة، لذا يقظة الجهاز لكل كلمة وموضوع تكون حاضرة دوماً !!
وينشط الجهاز في هذه المنطقة للعودة بالناس مرة واحدة ليس إلى المنطقة الرمادية بل إلى “المنطقة الخضراء” وهي العلمانية الخالصة.. فهذه نقطة الاستقرار لديه ! ويحاول إفشال “الإسلام السياسي” من كل طريق؛ ويستعمل بكثافة “أجهزة التوجيه والإعلام” في إطلاق الإباحية جنباً إلى جنب مع القنوات الدينية.. في محاولة منه لـــ :
(1) تفريغ العاطفة الدينية في عبث القنوات الدينية.
(2) ترسيخ إفلاس الإسلام – في ذهن الناس – وعدم قدرته على المواجهة وإدارة الحياة.
(3) إطلاق عقال الشهوات والتكثيف المستمر في الإباحية والعري اللفظي والجسدي والمعنوي حتى تفتك بالبنية السوية للإنسان.. وتخر قواها عن حمل شيء ذات قيمة، فتركن للمتاع وتلتصق بالأرض، ويستسهل عليها العودة إلى العلمانية المحضنة.. بل إلى الإلحاد.
وينشط الجهاز في هذه المنطقة أيضاً، ويدفع بأجهزة الأمن لتخفيف قبضتها الأمنية ووحشيتها..!! حتى يأمنها العامل في الدعوة والسياسة، ويشعر أنها تغيرت، وأنها تابت عن ما اقترفته من قبل، ومع العشور بالأمن يتم اكتشاف كل الخطط، وكل الكوادر، وكل المساحات التي كانت مجهولة للأجهزة الفكرية والأمنية؛ وبذلك:
(1) تستعد أجهزة الاستخبارات للمواجهة المحتملة مع الأفكار الجديدة.
(2) محاولة إحباط الأفكار الجديدة قبل البدء في تنفيذها أو دعوة الناس إليها.
(3) الضربة الأمنية الاستباقية الخاطفة، دون أن ينتبه أحد.

المنطقة الحمراء “وهي عين الإرهاب”

الحد الأدنى منها: ” المقاومة – الجهاد – الوطنية المحدودة بحدود قطعة الأرض التي يسمح بها الصليب” وحركات التحرر الوطني، والثورات الوطنية المُسلحة.. دون الخروج عن “هيمنة الصليب” وقرارات “المجالس والهيئات الدولية”، وتهديد أنظمة الطواغيت المنتهية صلاحيتها.. ولا مشكلة في استبدالهم”.
الحد الأقصى منها: هو “نقطة الفاعلية القصوى” وهي: [ الخلافة والجهاد العالمي وإزالة الحدود وتوحيد الأمة – استئصال ما يُسمى “إسرائيل” – تحكيم الشرع، والاجتماع على الإسلام، وإلغاء الدولة القومية والمدنية! – طرد النفوذ الغربي الصليبي.. والتحكم في تسعير وإمدادات النفط ] وهي تعني: حرباً عالمية!
مجرد الانتقال إلى “المنطقة الحمراء” يعني إعلان الحرب، ونهاية هذه المرحلة هي “الحرب العالمية” بكل معاني الكلمة على الحقيقة لا المجاز !!

يتم الانتقال لهذه المنطقة نتيجة لثورة فكرية، وإفلاس مشروعات الدعوة والسياسة.. وتكوّن جيل حي من الشباب لم تستطع أجهزة الاستخبارات أن تصل إليه، ربما لكثرة الشباب، أو لسرعة رد الفعل، وعدم استئذان القيادات المخترقة فكرياً في المناطق السابقة، فانطلقت – ربما بعفوية – إلى “المنطقة الحمراء” دون الحاجة إلى كبير فهم أو تنظير أو تعقيد.. فكانت على فطرتها السليمة البسيطة !!

نحن الآن في منطقة: [ أمن إسرائيل – الاجتماع على الإسلام والانتساب للشرع – عودة الخلافة – النفوذ الغربي وإمدادات النفط ]
أي عمل يهدد إسرائيل أو النفوذ الغربي أو يحاول الاجتماع على الإسلام وعودة الخلافة فهذا “إرهاب عالمي” خطر على البشرية كلها، وأكبر خطر يهدد الوجود الغربي كله بما فيه ( أمريكا وأروبا كلها والصين وروسيا واستراليا…إلخ ) يهدد كل القوى الاقتصادية العالمية ومجلس الأمن والبنك الدولي ومجموعة الدول الصناعية الكبرى! هذا بلا أدنى مبالغة على الحقيقة..

وأي عمل في هذه المنطقة.. سيكون لا شك عسكري أي ليس بدعوي ولا سياسي وخارج عن محددات المنطقة الصفراء كلها !
هنا.. تبلغ حالة الخطورة والإنذار درجتها القصوى، ويبدأ العمل بأسلوب مختلف تماماً عن محددات المناطق السابقة كلها؛ فنحن أمام خطر داهم يتهدد الحضارة الغربية كلها، وليس مجرد تهديد يهدد “هوية العلمانية ودينها”!
وهناك ستُستخدم كل الأسلحة، وكل الوسائل، وكل الإمكانيات !

لنتناول أولاً بمزيد من الشرح محددات الخطورة في المنطقة الحمراء:

أمن إسرائيل: المقصود به تفوق إسرائيل عسكرياً وأمنياً على المنطقة العربية مجتمعة، والخطر الحقيقي لها: هو محاولة استئصالها من جذورها، وطرد اليهود منها، واسترداد بيت المقدس كاملاً.
الشرع: المقصود به الاجتماع على الإسلام، والانتساب للشرع، والتحاكم إليه، فيعلو.. ولا يُعلى عليه، ويقام كاملاً – على الحاكم والمحكوم – بحدوده ومقاصده.. ويكفر بالهوية العلمانية ويكفر بالاجتماع على القومية.. ويكفر بالدولة القومية والمدنية.
الخلافة: المقصود به تحطيم حدود سايكس بيكو، وإزالة كل الآثار المترتبة بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، وعودة دولة الخلافة كنظام سياسي واجتماعي للمسلمين؛ لتكون هي القوة الظاهرة.. ولتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.. في “كل” أرض الله.. فلن توقفها حدود، ولا تعترف إلا بنظام وشرع الله.

النفوذ الغربي وإمدادات النفط: وهو الأثر المترتب على ما سبق، والمقصود منه: طرد النفوذ الغربي، وهيمنته واحتكاره للثروة، وتمتع الأمة باستخراج نفطها، وتسعيره، واختيار العملة التي تبيعه بها – وليس كما هو الآن احتكار بيعه وشراءه بالدولار فقط – هذا غير باقي الثروة.. وإذا كانت أي مشكلة ولو صغيرة في إمدادات النفط تحدث هزة في الأسواق العالمية كلها، فبمجرد تسعير النفط بالعملة التي تختارها الأمة.. يعني انهيار الاقتصاد العالمي في ساعات !! ويعني تحرير وتطهير اقتصاد الأمة من دورة رأس المال العالمي التي يتحكم فيها اليهود !
تبدأ المنطقة الحمراء بمحاولة الاقتراب من هذه المحددات، وتنتهي بالحرب العالمية !

أجهزة الاستخبارات الفكرية.. تدرك ذلك بكل وضوح، وتستعد له، وتعمل بدقة، وتراقب بشدة، وتتحرك بحذر، فهي ليست – كما يظن البعض – في غفلة ! أو لا تدرك خطورة الإسلام! بل هي ما أُنشئت إلا لتواجه “خطر الإسلام” وتحبط عمله، ولتضع العلمانية مكانه.. كما سبق الشرح في المناطق الخضراء، والرمادية، والصفراء!
وفي كل منطقة من مناطق أجهزة الاستخبارات الفكرية نقطة بداية “حدأدنى”، ونقطة ذروة “حد أقصى”.. فهي لا تريد أن يصل الإسلام إلى نقطة الذروة في المنطقة التي هو فيها، بل تريد أن يبقى في قاع المنطقة الخضراء حيث العلمانية الخالصة، فإذا ارتفع، عملت على أن يبقى في الحد الأدنى من المنطقة التي هو فيها، فإذا بلغ الحد الأقصى من منطقته عملت على ألا ينتقل إلى المرحلة والمنطقة التالية التي هي أكثر خطورة .. بمعنى:

أنه إذا كان الإسلام في المنطقة الرمادية، عملت أجهزة الاستخبارات على أن يبقى في “الحد الأدنى” منها، وإذا ارتفع إلى “الحد الأقصى” من المنطقة الرمادية، عملت على أن لا ينتقل إلى “المنطقة الصفراء” فإذا انتقل إلى المنطقة الصفراء عملت على أمرين:

(1) ضرب المنطقة الصفراء عن طريق “محددات المنطقة الرمادية”.
(2) محاولة عدم وصوله إلى الحد الأقصى من المنطقة الصفراء وبقاءه في حدها الأدنى؛

عن طريق عمليات الاختراق الفكري المستمر والتي سبق شرحها، وهكذا في كل منطقة: ضرب المنطقة الأعلى عن طريق “محددات المنطقة الأسفل”، والعمل على عدم تجاوز الحد الأقصى للمنطقة التي هو فيها !

أما في “المنطقة الحمراء” فسيكون الضرب من جميع الاتجاهات، بالقوة المفرطة، بكل الوسائل، بكل المحددات، بكل شيء بلا استثناء !!
سيتم ضرب المنطقة الحمراء عن طريق جميع محددات المنطقة الخضراء من العلمانية المحضة.
وسيتم الضرب عن طريق جميع محددات المنطقة الرمادية، وأدواتها.
وسيتم الضرب عن طريق جميع محددات المنطقة الصفراء، وأدواتها ووسائلها، ورجالها بل ودولها !!
وأخيراً سيتم ضرب مناطق “المنطقة الحمراء” ببعضها البعض..! أي: ضرب “الحد الأقصى” من المنطقة الحمراء عن طريق محددات “الحد الأدنى” منها.. في صورة شديدة التعقيد من المكر لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية !!

كل السهام، وكل الضربات، وكل القذائف الفكرية، والأمنية، والاستخبارية، والعسكرية.. متجهة صوب نقطة واحدة فقط لا غير “الحد الأقصى من المنطقة الحمراء” ؛ لأن هذه نقطة “الفاعلية القصوى”، ونقطة التحول الكبرى في التاريخ البشري كله !!
كيف سيتم الآن الاختراق الفكري، ونحن في المنطقة الحمراء حيث الفاعلية والتأثير بمنطق القوة؟

ستحشد أجهزة الاستخبارات الفكرية كلها أدواتها “الفكرية والأمنية والإعلامية” وجميع محددات المناطق “الخضراء والرمادية والصفراء”.. لضرب “المنطقة الحمراء” كلها مجتمعة ! فهدف أجهزة الاستخبارات النزول من “المنطقة الحمراء” نهائياً إلى “المنطقة الخضراء” حيث المؤشر الفكري مستقر، وراسخ.. في صورة العلمانية الخالصة السابق شرحها..

ولكن الجهاز مضطر الآن أن يحشد محددات المناطق الأخرى؛ ليخرج من المنطقة الحمراء، ولو إلى الصفراء مؤقتاً.. لكن مجرد الوصول للمنطقة الحمراء.. يسبب وحده – حتى دون تحقيق شيء يُذكر – خسائر اقتصادية هائلة على الحضارة الغربية !!
ولكن هناك مشكلة كبيرة لأجهزة الاستخبارات.. إن “الاختراق الفكري” الذي نجحت فيه في المناطق السابقة، وأتى ثماره من “التحكم والسيطرة”، لن يجدي نفعاً مع من دخل المنطقة الحمراء بالفعل، فمجرد الدخول للمنطقة الحمراء يعني “الكفر” بالمناطق السابقة، وعدم الالتفات لقياداتها المخترقة فكرياً !!
إذن.. محددات المناطق السابقة ورجالها ليس لديهم القدرة على كبح جماح ما يحدث في “المنطقة الحمراء” ربما قادرة على الإزعاج أو احداث اضطرابات لكن غير قادرة على إيقاف الاتجاه لـ “نقطة الفاعلية القصوى” لأن رجال المراحل السابقة ساقطو الاعتبار والقيمة والمعنى لمن دخل هذه المنطقة !

فما العمل ؟!!

البديل الفكري الوحيد المتبقي هو “استخدام” “الحد الأدنى” من المنطقة الحمراء في ضرب “الحد الأقصى” ونقطة الفاعلية القصوى التي سيحدث عندها التغيرات الكبرى في الحضارة الغربية كلها ! وتغير وجه العالم كله !
وما المطلوب ؟!!

اختراق “الحد الأدنى” للتحكم والسيطرة فيه، وذلك لـ:
(1) ضرب الحد الأقصى به.
(2) تقويض الانتقال لـ “نقطة الفاعلية القصوى”.
(3) إهلاك كلهما ببعضهما البعض.
(4) الانتظار لحين التدمير الذاتي، ثم الإجهاز عليهم جميعاً، وسحق المنطقة الحمراء كلها.

كيفية الاختراق ؟!!

الآن هناك جماعات مجاهدة ومقاتلة تتحرك في “المنطقة الحمراء”.. والهدف هو عدم الوصول لـ “الحد الأقصى” ونقطة الفاعلية القصوى وهي: ( الخلافة – الاجتماع على الإسلام والانتساب للشرع – تحرير بيت المقدس وزوال إسرائيل – طرد النفوذ الغربي )..
تكون عملية الاختراق من أصعب وأعقد وأشد ما يكون، ويعجز جهاز واحد على أن يقوم بها وحده، فيُحشد فيها كافة أجهزة الاستخبارات الفكرية، والاستخبارات الأمنية، ومؤسسات صناع القرار، وخبراء الحروب، وعلماء النفس والاجتماع.. حشد عالمي مهيب لعملية الاختراق فالأمر ليس لعبة سياسية هذه المرة، هذه المرة الحضارة الغربية والوجود الصليبي كله على المحك !!

تبدأ عملية الاختراق عن طريق مشايخ غير رسميين ومحسوبين على الجهاد، ويتم الاختراق الفكري لهؤلاء المشايخ في ظل ظروف نفسية وواقعية شديدة التعقيد، وجميعها يتم بصورة “غير مباشرة” ! لا تُشعر الشيخ أنه يبيع ضميره أو منهجه للطواغيت.. كلا، بل يجب أن يتم الاختراق وهو يشعر أن ثابت على مبدأه لم يُبدل ولم يُغير !! بل ويسمحون له أن يكفر الطاغوت علناً – “مؤقتاً” – في سبيل تمرير الاختراق الفكري ! في صورة من الكيد والمكر يكاد لا يتصورها عقل !

كل الاختراق سيتم بـ “صورة غير مباشرة” بمعنى: أن يأتي الاختراق من شخصية يأمنها الجميع، ويُبجلها الناس، وتحظى بالتأييد.. يتم الاختراق بصورة متأنية، بطيئة.. حيث أهل “المنطقة الحمراء” ليسوا بسذاجة أهل المنطقة الصفراء والرمادية، فمجرد دخولهم “المنطقة الحمراء” يعني أنهم على درجة كبيرة من: الوعي والذكاء والمرونة والحركة.. ولا يمكن خداعهم بسهولة، كما لا يمكن التعاطي مع “أيديولوجياتهم” ببساطة ! فهم يحاولون قبل الدخول للمنطقة الحمراء إلى تحصين أنفسهم “فكرياً” لذا لابد من “الاختراق الغير مباشر” !
بعدها يتم نفس الأسلوب السابق في الاختراق، وهو “سلاح البرجماتية”: “محاولة عدم القفز للأمام من أجل مصلحة الدعوة، والحفاظ على المكتسبات، والمصالح والمفاسد… إلخ” أي حجة، أي سبب.. المهم التكبيل عن القفز للأمام مهما كلف ذلك، وبمجرد النجاح في عدم الاندفاع للأمام، فهم على يقين بأنهم قادرين على الإرجاع إلى الخلف.. حتى قاع المنطقة الخضراء من العلمانية المحضة !

فكيف سيتم اختراق الجهاد ؟

مفهوم الجهاد في الإسلام: أنه من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا في “كل” أرض الله.. ومعنى هذا أن الشريعة ستكون حاكمة، والخلافة قائمة، وزوال إسرائيل، وطرد النفوذ الغربي !
سيتم اختراق هذا المفهوم من خلال ثلاث اتجاهات، وكلها عن طريق إدخال الفكر البرجماتي على الجهاد؛ ليفسده:
(1) الاتجاه الأول: تبديل مصطلح الجهاد الذي يحمل دلائل “الخلافة – الشريعة – زوال إسرائيل – طرد النفوذ الغربي” واستبداله بـ “المقاومة” و”النضال الوطني” و”الثورات”.
(2) الاتجاه الثاني: تحجيم وتقويض مصطلح الجهاد بمفهومه العالمي ليصبح “جهاد محلي مستأنس” لا يتعد حدوده، ولا يُغضب الطواغيت.
(3) الاتجاه الثالث: الدفع بـ”الإسلام المدني الديمقراطي “الإسلام السياسي” “الإسلام الإصلاحي الوسطي المعتدل” ليمتص الحالة الجهادية، بل ويعملون على إنجاحه – مؤقتاً – من كل طريق، بل ويُسلّمون له دولاً بأكملها، حتى يُثبتوا أنه ناجع، وفعال، ومفيد !!
ونلحظ الآتي:

(1) الخروج من رسالة الجهاد وهدفه.
(2) تحجيم وتقويض الجهاد.. بحدود الأرض التي يسمح بها الصليب الدولي.
(3) الجهاد أصبح مستأنساً، محلياً.. تحت “السيطرة والتحكم”.
(4) محاولة الخروج نهائياً من مصطلح “الجهاد” إلى “مقاومة ونضال وطني”، كـ “حركات التحرر” في أي بلد بها محتل أجنبي.
(5) استبدال ما يسمونه بـ”الإسلام الأصولي” ( الشرع والجهاد) بـ “الإسلام المدني الديمقراطي” ( التعددية الوطنية والقومية ).

فإذا نجحت أجهزة الاستخبارات في الوصول إلى هذه المرحلة.. انتقلت إلى المرحلة التالية بـ “طريق غير مباشر” أيضاً:
وهي: الدعم المادي اللامحدود لـ “تنظيمات الجهاد التي تم اختراقها فكرياً”.. بنفس الأسلوب المعتمد في كل المناطق: “عدم الانطلاق للأمام حفاظاً على المكتسبات” مع إضافات هامة هنا مثل:

(1) عدم إثارة غضب القوى الدولية الصليبية.
(2) عدم تأليب وتجميع الأعداء علينا.
(3) السماح بالتصريح أو الدعوة لإقامة “صورة شكلية” من الشرع في المناطق المجاهدة؛ لإقناع الاتباع.. والحديث عن “مشروع إسلامي” !
(4) دعوى التركيز في هدف مرحلي والخطوات الحالية.. والانغماس فيها.
(5) إقامة تحالفات جهادية علمانية ديمقراطية ليبرالية وطنية ثورية.. هدفها ذوبان مفهوم الجهاد، وتحويله لـ “المقاومة الوطنية” !!
وبهذا يتم تقويض الجهاد، فلقد أصبح هو أيضاً تحت “التحكم والسيطرة الفكرية” عن طريق الاختراق، و”السيطرة الأمنية” عن طريق الأموال والعملاء، و”السيطرة الدولية” عن طريق القوة العسكرية.. ويصبح في النهاية مصيره:
إما دولة علمانية في حال استطاعت العلمانية ابتلاع “الجهاد المحلي” وهذه هي الصورة التي تريدها أجهزة الاستخبارات.
وإما دولة علمانية بوجه إسلامي..
وإما دولة بشكل إسلامي هويتها علمانية “المنطقة الصفراء”..
وإما دولة بنظام إسلامي شكلاً، لكنها تحت “هيمنة الصليب”، وتحت النفوذ الغربي، وتأمن إسرائيل، وتقيم الشرع شكلاً لكنها تجتمع على القومية، ولا تتجاوز حدود سايكس بيكو..!!
أجهزة الاستخبارات الفكرية مستعدة لأن تُسلم دولاً بأكملها لــ “الإسلام المدني الديمقراطي”، ومستعدة لأن تقبل بأن يقوم الشرع شكلاً – بشرط الاجتماع على القومية العلمانية ولا تتجاوز حدود سايكس بيكو – ومستعدة أن تحشد الدعم والاعتراف الدولي الصليبي؛ كل هذا في سبيل أن لا يصل أحد إلى “نقطة الفاعلية القصوى” التي يحدث عندها “انهيار النظام الدولي” وقيام “حرب عالمية” !!
* * *

أقوى أسلحة الجهاز :

البرجماتية الفكرية والمادية هي أقوى أسلحة الجهاز.. والوسيلة الناجعة للاختراق، ويحترف الجهاز استعمال هذا السلاح جيداً “البرجماتية” وتعني: المنفعة أو المصلحة الذاتية للفرد أو الحزب أو الجماعة.. ويتم استعمال هذا السلاح بصورة متعددة منها: إن في ذلك “مصلحة الدعوة” أو هذا من “السياسة الشرعية” بينما ليس ثمة شرع قائم ابتداء !! وأن هذا هو “أفضل المتاح” أو “الحفاظ على المكتسبات الحالية، والصبر على ما هو دون المتاح” أو “انظر إلى الآخرين كيف حالهم؟ وما حل بهم؟.. أنتم أفضل حالاً بكثير” أو “هناك مؤامرة لضرب الدعوة الإسلامية، ويجب التراجع أو مهاجمة الفيصل الآخر حافظاً على الدعوة”!! هذا من “الناحية الفكرية”..

أما من “الناحية المادية”: فما أسهلها.. وتدور بين الترغيب والترهيب: من قتل، وتعذيب، وسجن، واغتصاب… إلخ، وما بين: التمويل، والدعم، والظهور الإعلامي، والمشاركة السياسية في جميع المؤسسات حتى ولو على رأس الحكم !… إلخ.
المهم الانزلاق إلى “البرجماتية”، وعند الانزلاق يصبح كل شيء تحت “السيطرة والتحكم” !! وسبحان الله.. عندما بدأ النبي ☺ دعوته حاول معه الكفار نفس هذه الحيل الشيطانية.. الترغيب بأن يكون هو سيد القوم، وأغناهم مالاً، وبين الترهيب بالتآمر على قتله، ومحاربته هو وأتباعه ☺.. ولكنه – وهو مستضعف – قال: “يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه، ما تركته”! [السيرة النبوية/ابن هشام]

وهذه الحيل الشيطانية قديمة منذ الأزل.. منذ أن خُلق آدم  !
ويتم استخدام سلاح البرجماتية في جميع مناطق الجهاز: الخضراء، والرمادية، والصفراء، والحمراء:

في المنطقة الخضراء “العلمانية المحضة”: البرجماتية.. متاع الحياة الدنيا، وإن هي إلا حياتنا الدنيا، والتفكير المادي المصلحي للحظة الآنية، عبادة اللذة، واهتلاب المتعة.. بلا أي ضوابط، عبادة المال والمتاع.
في المنطقة الرمادية “العلمانية المعتدلة.. التي تسمح ببعض شعائر الإسلام”: البرجماتية.. ساعة لقلبك، وساعة لربك.. التوازن بين المتاع، وبين ممارسة شعائر بصورة شخصية، تنبع من “الحرية الشخصية”، وتأتي تلبية لحاجة الروح، وشهوة إشباع الحاجات الروحية من العبادة، وتأتي البرجماتية كذلك في صورة الحفاظ على مكتسبات لم تكن في “العلمانية المحضنة” كالحجاب والصلاة وبعض أشكال الدعوة.
في المنطقة الصفراء “المشاركة السياسية باسم الإسلام!”: البرجماتية.. هي تحقيق إصلاحات، والحفاظ على الدعوة، والدفاع عن مصالح المسلمين، والوصول إلى الحكم أولاً ! وإن هذه مكتسبات لم يصل إليها المسلمون والإسلام من قبل في العصر الحالي، ويجب عدم تركها إلى غيرها مما هو ليس بمتاح، أو لا يمكن تحقيقه الآن.

في المنطقة الحمراء “الجهاد”: البرجماتية.. عدم تجميع الأعداء علينا، وعدم إثارة غضبة الطواغيت، ومحاباة طاغوت على آخر، وتحديد الجهاد بحدود قطعة أرض يسمح بها الصليب، وعدم السماح بخروج الجهاد عن فكرة “التنظيم” ويبقى تنظيماً حتى يأكل بعضه بعضاً أو تُسرق ثمرته !
ويجب الحفاظ على مسيرة الجهاد، وانظر لفشل الدعوة والمشاركة السياسية.. وإن العالم يتحزب علينا، ثم قبول التبرعات، والتمويل، ثم تغير المواقف والفتاوى.. ثم يتحول الجهاد إلى “مليشات مسلحة” و”أمراء حرب” !! أو إلى “مقاومة وطنية شريفة!” أو لـ “ضرب الحد الأقصى من المنطقة الحمراء” أي: قتال أهل الجهاد الغير مخترق!
وإن البرجماتية ليست فقط قادرة على إفساد الجهاد، والدعوة؛ بل قادرة على إفساد الدين كله.. وأخطر أنواع البرجماتية هي “البرجماتية الفكرية”، التي يُهدم فيها الدين باسم “مصلحة الدعوة” وبـاسم “الدين” نفسه !!
* * *

الشخصية المهتزة فكرياً :

الشخصية المهتزة فكريا تنشأ نتيجة عدم القدرة على فهم طبيعة عمل الجهاز، ولا تستطيع الاستقرار على رأي، أو الرسوخ نحو فكرة ! فطبيعتها الفكرية “المهتزة والمتقلبة” تنشأ كرد فعل على حركة “محددات” الجهاز الفكري! وتظهر ملامح هذه الشخصية بوضوح في الحالة التي يتحرك فيها مؤشر الجهاز وينتقل سريعاً في توقيت واحد بين المناطق الخضراء والرمادية والصفراء والحمراء، ويتغير المؤشر طبقاً لكل حالة، وظرف، وبلد.. في توقيت واحد؛ تجد هذه الشخصية عاجزة عن فهم الواقع المحيط – رغم قدرتها العقلية وعلمها ونيتها الطيبة !- وتجد أنها تنفعل مع حركة كل “محدد” في منطقة ما من مناطق الجهاز..!
فتجدها تفرح إذا كان المؤشر عند الدرجة القصوى من المنطقة الصفراء “المشاركة السياسية” وتروح تثبت بالأدلة الشرعية وغيرها صحة هذا المسلك ! ثم يتغير المؤشر فيرتفع إلى المنطقة الحمراء “الجهاد”، فتروح تثبت بالأدلة صحة هذا المسلك ! ثم يتأرجح المؤشر ويهب إلى المنطقة الخضراء “العلمانية المتوحشة”، فتروح تقول إن الطريق هو الدعوة إلى الله، والعودة إلى المساجد والمرحلة المكية !!
وهذا الاهتزاز الفكري غاية في الخطورة.. ومن أعقد وأصعب الأمور التي يمكن أن يفهمها المتابع والمهتم، فضلاً عن عوام المسلمين !!
وهذه الشخصية تؤدي خدمة جليلة للجهاز.. فمجرد اهتزاز القناعات لدى الناس، يجعلها تتشكك في كل شيء، ويجعلها تعجز عن الاستقرار على أمر أو فكرة أو تحديد طريق ! ويجعلها تمل – في النهاية – وتفقد القدرة على فهم الواقع المحيط حولها، أو اتخاذ فعل إيجابي عن اطمئنان ويقين !
* * *

المجتمع المخترق فكرياً:

ولا يسعنا هنا التحليل الاجتماعي أو التفصيل، ولكن يكفي القول أنه في حال الاختراق الفكري للرؤوس، ويكون المجتمع مرتبطاً بهذه الرؤوس ارتباط عاطفي ومعنوي.. فإن الاختراق سينتقل إليه بالتبع، ويعجز المجتمع الذي يعيش فترات طويلة من الاستبداد والقهر، أن يستقل فكرياً.. بل يبحث عن “المخلص المعجزة” ويكون في حالة التكاسل العقلي، والترهل النفسي.. في البحث عن الحقيقة في هذا العالم المعقد، فيُسلّم نفسه للرؤوس..
ولذا فالجهاز يوالي اهتماماً بالغاً بهم، لأنهم محرك المجتمع، وأما بالنسبة للمجتمع فيشغله الجهاز بأمور أخرى: مثل: الإباحية، فضيحة جنسية، فتوى شاذة، أخبار الفن والكرة… إلخ؛ لاستهلاك طاقته، واشغال عقله باستمرار، ومن ينتبه منهم.. فسيجد رؤوس القوم مخترقة أصلاً، فيصبح كل شيء تحت “السيطرة والتحكم”!
وعندما يقود المجتمع “نخباً مزيفة” – غير المخترفة فكرياً – وهذه النخب يصنعها الجهاز على عينه، ولا يدفع بها إلا عندما يتأكد أن قلوبها وعقولها تشرّبت العلمانية تشرباً تاماً عن اختيار وقناعة.. فيدفعها إلى المجتمع، لتكون هي: أهل السياسة والفن والثقافة والعلم والأدب والمال والأعمال… إلخ؛ وعندها يتحول المجتمع إلى مجموعة من “المهابيل العاطفيين”!!
ولا يتركونهم “مهابيلاً” فحسب بل تعمل وسائل الإعلام من خلال مناقشة القضايا، ومن خلال التدفق المعلوماتي المهول إلى شل قدرة العقل – إن كان ثمة عقل – في الحكم على الأشياء، والتمسك بالظواهر، وتسطيح الأمور.. ثم تفكيك هذه الظواهر، ثم تفتيت جزئية كل ظاهرة من صورة، حتى تكون الرؤية شديدة الضبابية، عظيمة التشتت.. غارقة في عمق التيه البعيد !!

الأمراض الفكرية :

إضافة إلى كل ما سبق، فهناك أمراض فكرية قائمة بالفعل – حتى من دون اختراق الجهاز- منها: التعميم، والنظرة الأحادية، والجزئية، والتعصب، والانتصار للذات، والتفكير المادي، والبرجماتي، والتوافقي، والديمقراطي، والاستبدادي، والعلماني… إلخ..
وعندما يحدث الاختراق الفكري سواء للشخص أو المجتمع، مقرونة به هذه الأمراض.. تنشأ صحراء من النتوءات الفكرية، وعدم الاتساق، ومقدمات لا تفضي إلى نتائجها، وانتظار نتائج لم تؤدى مُقدماتها..!!
حالة من “الجنون والعبث الفكري” في أشخاص يُفترض أنهم من العقلاء !!

* * *
الشخصية المخترقة فكرياً:
باستثناء كهنة الطواغيت والعملاء، فإن الشخصية المخترقة فكرياً لا يُقال لها أو يُعرض عليها أن تبيع دينها، ومبادئها، وضميرها.. بل هي تعتبر نفسها في حالة من “الدعوة والجهاد” ويجب – بالنسبة لأجهزة الاستخبارات – أن تظل الشخصية المخترقة شاعرة بأنها ثابتة على المبدأ، وتؤدي الرسالة، وتعمل من أجل الدين.. بل ولا تمنع أجهزة الاستخبارات من “اعتقال” و”تعذيب” بعض الشخصيات المخترقة فكرياً؛ لتحقيق أهداف عدة منها:
(1) أن يعتقد الاتباع أن الشخصية المخترقة فكرياً، ليست على علاقة مع الأمن الفكري والاستخباراتي، وأنها تجاهد من أجل قضيتها.
(2) أن يعتقد الشخص المعتقل والمسجون في نفسه، أنه على عداوة مع الأنظمة، وأنه لم يفرط في دينه أو منهجه، بل هو مسجون من أجل الحق، ومقاومة الظلم.
(3) في أثناء فترة الاعتقال تتم عملية تشريح نفسي وفكري دقيقة للغاية – وكل شخصية حسب مستواها – حتى تكون عملية “الاختراق” – أو الاغتصاب – الفكري تتم عن قناعة، وبسلاسة، لأنهم يخافون من يقظة الضمير والانقلاب العكسي عليهم.. في حال إذا اجبروا المخترق فكرياً على شيء لا يُقره عقله، إذن.. فلنخترق العقل ذاته، وعندها يتم تطويعه كيفما نشاء !!
هذه بالإضافة إلى أن الشخصية المخترقة.. تعاني بالفعل – كما يعاني أبناء الأمة – من أمراض الاستبداد، ومن اضطراب طرق التفكير بفعل نظم التعليم الفاسدة، وبفعل الأسلوب التربوي الذي لم يعالج هذه الأمراض.. بل زادها ورسخها !!
* * *
أتباع الشخصية المخترقة:

غالباً ما يكون اختراق الاتباع أكثر سهولة، لأن الغالبية تتبع على أساس “حزبي” أو “تعصب” أو “هوى” أو “أيديولوجية” أو “برجماتية”.. والاختراق للاتباع يكون جماعياً ! وبصورة عامة.. ويكون اعتماد الاتباع – في الغالب – على الثقة في الرأس وتاريخه ونضاله، وأنه ليس عليه شبهة، وفي الحقيقة لا يكون عليه شبهة في الظاهر، وأنه – كما سبق الذكر – يكون الجهاز حريصاً على أن يكون الاختراق باقتناعه، بل ودون أن يشعر..
فلما يخرج على أتباعه تسهل عملية الاختراق الجماعي للاتباع، وتزداد سهولته مع شدة تعصبهم للقائد والشيخ والداعية ! ويتشكل “العقل الجمعي” لهم بسهولة.. وفق ما تريد أجهزة الاستخبارات الفكرية !
هذه بالإضافة إلى الفتن القائمة، والشبهات المستمرة، والحيرة الدائمة من فهم الأمور على حقيقتها.. فكل يركن إلى شيخه، ولا يكلف نفسه عناء البحث عن الحق – من جديد – في ظلمات بعضها فوق بعض !!
* * *
ولنتأمل هذه المشهد المعقد لأجهزة الاستخبارات الفكرية بين “الحد الأدنى من المنطقة الخضراء” حيث العلمانية المحضة، وبين “الحد الأدنى من المنطقة الحمراء” حيث الجهاد !!
الحد الأدنى من المنطقة الخضراء تعني: ( علمانية خالصة – إباحية – إلحاد – اندثار معالم الدين – حرب الشعائر – منع الصلوات – منع الحجاب – اضطهاد المتدينين – الاستهزاء بالله وشرعه ودينه – انسلاخ كامل من الهوية…إلخ ) !
الحد الأدنى من المنطقة الحمراء تعني: (قتال محلي – ادعاء تحكيم الشرع – الكفر بالطاغوت – لحية – صلاة – نقاب – علماء – مفكرين – دعاة – أسماء لامعة – إجماع علماء مشهورين ومعارضين ومجاهدين “على جهاد محلي مستأنس” – تمويل – دعم – تأييد إقليمي أو دولي!)..
ولكن بعد هذا الحد الأدنى من المنطقة الحمراء ليس ثمة اختراق، بل هو دخول “منطقة الفاعلية القصوى”.. التي لا عودة بعدها، والتي تعني انهيار المنظومة العالمية !!
ولنا أن نتخيل مدى تعقيد هذه الجهاز الفكري الذي يدير كل هذه المشاهد، فبينما هو الذي يريد العلمانية المحضة المتوحشة، والإباحية المطلقة.. نجده في لحظة ما مضطراً لأن يسمح بـ “جهاد محدود تحت السيطرة والتحكم” ويسمح بـ “الحديث عن الشرع والتحاكم إليه” ويسمح بـ “الكفر بالطاغوت” فهو يتحرك طبقاً لظهور الإسلام وإنجازه الحقيقي على الأرض، فيفعل أي شيء لاحتواء وابتلاع هذا الإنجاز..
فإذا انهزم الإسلام – لا قدر الله – كان هذا هو المبتغى ودفعوا بالعلمانية المحضة، وإذا انتصر الإسلام، وارتسم الطريق نحو: الخلافة، وإزالة حكم الطواغيت وإسرائيل، وتوحيد الأمة، والاجتماع على الشرع، والكفر بالقومية، وإزالة النفوذ الغربي والتحكم في إمدادات النفط” دفعوا بأشكال مختلفة من “الجهاد والمقاومة” لتكون بديلاً عن “الطريق الحقيقي والفاعلية المؤثرة” التي تهدد الجهاز، وحضارته !
ويتحول كثير من أبناء الإسلام – بل وأبناء الحركة الإسلامية والجهاد – جنوداً للجهاز، وللعلمانية.. من حيث لا يشعرون، ويُهلكون أنفسهم.. ويعادون دينهم من حيث هم يظنون أنهم ينصرونه !!
هذه الصورة المعقدة يصعب رصدها بالنسبة للمسلم الغافل عن مكر العدو ! وإن الصورة تزداد تعقيداً، لأن هذا الجهاز يتمتع بمرونة عالية، ولا يقف مؤشره عند “محدد” واحد.. ولا في منطقة واحدة بل قد يتغير يومياً، وما قد يُسمح به اليوم لا يسمح به غداً، وما كان ممنوعاً بالأمس مسموح به اليوم، وما هو مُحرم في بلد، مأذون به في بلد آخر !!
وعندما يتم الخلط بين المحددات، والانتقال السريع بين محددات المنطقة الخضراء، والرمادية، والصفراء، والحمراء.. في توقيت واحد، دون فهم طبيعة وآلية العمل بالجهاز.. فإن المتابع لهذه الأحوال يكاد يُصاب بالجنون، وتضيع منه الحقيقة..
بل إن ضياع الحقيقة – في حد ذاتها – أحد أهم أهداف الجهاز، فإن المتابع بمجرد أن يشعر بضياع الحقيقة، يظل على ما هو عليه.. إما الحياد أو السلبية، وهذا هو المطلوب.

ضرب الحد الأقصى من المنطقة الحمراء

وبعد أن يتم اختراق الحد الأدنى من المنطقة الحمراء “الجهاد المحلي المستأنس” سيتم توجيهه لضرب “الحد الأقصى” من المنطقة الحمراء “الجهاد العالمي.. الخلافة، والشرع، وزوال إسرائيل، وطرد النفوذ الغربي”..
وعند المواجهة تقع فتن كبرى، ويكاد يصاب الناس بالجنون.. كيف يقتل مجاهد أخاه المجاهد ؟ كيف يتم تحويل السلاح من مواجهة الإعداء إلى مواجهة المسلمين ؟!!
وفي هذه اللحظة تنطلق جميع أجهزة الاستخبارات الفكرية، والإعلامية، والأمنية.. لاستثمار الحدث من جميع زواياه.. لتشويه الجهاد والمجاهدين، وللطعن بالأخص في أهل “الحد الأقصى” من المنطقة الحمراء..
وإطلاق أجهزة الاستخبارات كبار مشايخها من عقالهم تنبح على المجاهدين بتهم “التكفير والغلو والخوارج”..
وتنطلق الأبواق الإعلامية لتختلق الأكاذيب، لسحب الحاضنة الشعبية من الجهاد والمجاهدين، واعتباره عمل غير مجدي، وغير نافع، وسفك للدماء دون نتيجة، ومصير أسود على من صار فيه..
وتنطلق المشايخ الغير رسميين – على وجه الخصوص- والذين يمثلون معارضة شكلية ضد أنظمة الطاغوت؛ لتطعن هي الأخرى..
وتُطلق من تم اختراقهم من مشايخ الجهاد للطعن في أهل “الحد الأقصى” لحساب “الحد الأدنى” وأن أهل الحد الأدنى من المنطقة الحمراء هم “أهل الجهاد” وحدهم وغيرهم “خوارج تكفيرين” !
صورة معقدة.. شديدة التعقيد، شديدة التداخل والتشابك – حتى قبل قيام حرب عالمية – فإذا بالحرب الإعلامية عالمية ومن كل اتجاه.. تجعل الناس في حالة من العمى عن رؤية الحقيقية، ورؤية كيد ومكر تكاد من شدته تزول الجبال..
وهنا: من لم يجعل الله له نوراً، فما له من نور؛ يبصر به في ظلمات بعضها فوق بعض.

* * *
وغالباً من سيكون في “الحد الأقصى” من أي منطقة يغلب ما هو دونه، وينتصر عليه.. ولذا عندما نصل إلى المرحلة الأخيرة وهي “المنطقة الحمراء” ونصل إلى “الحد الأقصى” فيها تدرك أجهزة الاستخبارات أن الأمر بدأ – أو على وشك – التفلّت منها !!
وهنا “تعجز” عن وضع “استراتيجية” المواجهة فأجهزة الاستخبارات ليست على وشك الابتلاع فحسب، بل الحضارة الغربية وديانتها “العلمانية” هي الأخرى على المحك !!
ويصبح عمل الأجهزة منصباً على “تعطيل” و”تأجيل” الخروج من “المنطقة الحمراء” لأجهزة الاستخبارات إلى “المنطقة الخضراء” لرسالة الإسلام وحضارته !!
وعند الوصول إلى “نقطة الفاعلية القصوى” تعجز أجهزة الاستخبارات عن اختراق هذه المنطقة، ويبقى أمامها محاولتين أخرتين: (1) التشويش. (2) التعطيل.
تأتي محاولة التشويش: عن طريق رسم “صورة كاذبة” ومتوهمة لعودة الخلافة، وسيادة الشريعة، ومشروع أمة! وطرد المحتل والنفوذ الغربي أو ادعاء محاربته! وطرح “صورة مزيفة” للفكرة.. وذلك لخلق بديل عن “الصورة الحقيقية”! لزيادة الالتباس على الناس، وتشتيت الطاقات، ووقوع الاختلافات، وضرب الحاضنة والنصرة، وضياع الحق، وبث الفتن.. وإرباك المشهد للتعجيز عن القدرة على التمييز بين الحق والباطل.. بين “الصورة الحقيقية” و”الصورة المزيفة”.
وتأتي محاولة التعطيل: في ضربات عسكرية، في تحالفات إقليمية، في جيوش بالوكالة، في تشويه إعلامي، في طعن من داخل الصفوف.. ولكن من وصل إلى “النقطة القصوى” من الفاعلية؛ لن تهلكه هذه الضربات، ومن وصل لهذه النقطة فلن يعود دونها، وسيبقى عند هذه القمة، فهي قمة فوق أشلاء ودماء خيرة من حملت الأرض من رجال.. ولن يصلها إلا المخلصون !!
ولكن كيف نُميز الصورة الصحيحة من المزيفة ؟
الصورة الصحيحة والصراط المستقيم هو الذي:
(1) تتحزب عليه “ملل الكفر مجتمعة” (سنة الأحزاب).
(2) لا يدخله أي شبهة من “البرجماتية” أو تقاطع المصالح مع الصليب أو وكلاءه أو خدمه، (دعوة الرسل).
(3) يُعلن عليه الصليب الدولي وخدمه “حرب استئصال”.. ويشعر بالخطر الداهم هو وخدمه من طواغيت العرب؛ ويرتبك المشهد العالمي والسياسة العالمية والتحالفات الدولية بسببه.
(4) يحدث عنده التغيير المفاجئ لمحددات ومؤشرات أجهزة الاستخبارات الفكرية، وترتبك، وتضطرب.. وتدفع بكل أدواتها ومحدداتها؛ لاحتواء صعود الإسلام لمنطقة الفاعلية القصوى.
إذن “نقطة الفاعلية القصوى” هي: آخر مُحدد للخروج من أسر النظام الدولي الصليبي وفيها.. ( الخلافة – الاجتماع على الشرع والانتساب للإسلام وإزالة الحدود – زوال أنظمة الطواغيت وإسرائيل – طرد النفوذ الغربي وعودة الثروة للأمة ) وعند الخروج من آخر محدد للمنطقة الحمراء إلى عتبة “المنطقة الخضراء” لرسالة الإسلام وحضارته.. ستحدث حرباً عالمية على كل الأصعدة، وسيعود الناس إلى فسطاطين: “فسطاط إيمان لا نفاق فيه”، و”فسطاط نفاق لا إيمان فيه” ! وستقع الفتن والملاحم الكبرى..
وإننا حين نتأمل معنى “فسطاط إيمان لا نفاق فيه” فإنه يعني النقاء، والتطهر من الخبث.. إنه يعني سقوط كافة الرموز، وذوي الكلمة المسموعة.. وسيبقى العلماء الربانيين وعوام المسلمين من أصحاب القلوب الطاهرة.. وسيسقط كل من في قلبه خبث !
* * *
إن أجهزة الاستخبارات الفكرية قامت على أنقاض الخلافة؛ لتمنع – بفروعها الأمنية والعسكرية – قيامها من جديد ! وستعود – بإذن الله – الخلافة مرة أخرى فوق أنقاض “أجهزة الاستخبارات الفكرية” بفروعها ورجالها وشيوخها وكهنتها وخدمها وعبيدها.. ستعود الخلافة، وسيعود الاجتماع على الإسلام، وسيحكم شرع الله أرض الله، وسيزول النفوذ والهيمنة الصليبية على بلادنا، وستزول إسرائيل، ويعود بيت المقدس.. هذا وعد الله: ﴿وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ♂ [يوسف : 21]
وإن الأحداث الجثام القادمة تتطلب منا شيء واحد فقط هو “الإخلاص التام الكامل” لله ▐.. فهو طريق نجاة.. وفي فتن كقطع الليل المظلم لن ينجو العالم بعلمه، ولا المجاهد بجهاده.. إنما المخلص بإخلاصه لله.. فاخلصوا دينكم لله، واعتصموا به، نعم المولى، ونعم النصير.
﴿ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ♂ [البقرة : 217]
* * *

المحددات والمعايير الصحيحة للعمل الإسلامي

(1) العمل في “منطقة الفاعلية القصوى من المنطقة الحمراء” لأجهزة الاستخبارات الفكرية، فهذه المنطقة التي لا تستطيع أجهزة الاستخبارات الاختراق أو التوظيف فيها ضد الإسلام.. وما دونها؛ فأنت عرضة للتوظيف، والاختراق.. وعرضة لأن تكون أداة من أدوات العلمانية لهدم الإسلام دون أن تشعر، حتى ولو كان فيما تفعله يبدو خيراً، فهو خير لضرب الإسلام واحتواءه!!
(2) الكفر بالفكر البرجماتي، وعدم العبث بمصطلح “السياسة الشرعية”.. والتمسك الحقيقي بسنة “دعوة الرسل”، وقول النبي  : ” يا عم ، والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله ، أو أهلك فيه ، ما تركته”.. هذا هو المنهج، وهذا هو الطريق.
(3) أي إدخال للفكر البرجماتي باسم “مصلحة الدعوة” أو “السياسة الشرعية – بينما الشرع منبوذ جملة وتفصيلاً – أو “فقه الاستضعاف” كلها دعوات باطلة.. وأوسع باب وأسهله لدخول أجهزة الاستخبارات الفكرية للاختراق والعبث كما تشاء.
(4) إعادة دولة الخلافة على منهاج النبوة من حدود الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً.. والجهاد العالمي لإعلاء كلمة الله، وشرعه، ونظامه في “كل” أرضه.
(5) الجهاد في سبيل الله في “كل” الأرض.. لتحرير الإنسان “كل” الإنسان من عبادة الطاغوت لعبادة الله وحده لا شريك له، وليس مجرد “جهاد محلي مستأنس” على حدود قطعة أرض، يسمح بها الصليب، ولا تزعج الطواغيت.
(6) الجهاد من أجل زوال دولة إسرائيل، وتحرير بيت المقدس.. فلا احترام لاتفاقات أو مواثيق دولية صليبية بل تحرير كل بلاد الإسلام، وعلى رأسها بيت المقدس.
(7) تحكيم وإقامة شرع الله بحدوده ومقاصده كاملاً.. وإقامة الدين، وتوحيد أمة محمد .
(8) طرد النفوذ الغربي من كل بلاد المسلمين، وعدم السماح لهم بالتحكم في إمدادات نفط الأمة، والعمل على تسعير النفط بعملة إسلامية غير الدولار أو أي عملة أخرى.
(9) عدم المشاركة في أي حكومات توافقية أو وطنية أو غيرها من العبث الحارق لطاقات الشباب، والمضيع للجهاد.. وهؤلاء هم أهل “المنطقة الصفراء” الذين يتم اختراقهم فكرياً ! فالقضية قضية عقيدة أصلاً وفصلاً.. وليست قضية سياسية أو استحقاقات ديمقراطية أو مشاركة وطنية! بل صراع بين الإسلام والكفر، وبين الشرع والعلمانية.. وليست ثمة أي مساحات مشتركة أو تلاقي في أول الطريق أو في منتصفه أو في نهايته.
(10) استعلان البراءة من الطاغوت، والكفر به، والكفر بالفكر العلماني والوضعي والديمقراطي.. والبراءة منه.
(11) الراية التي تقاتل تحتها راية “تحكيم شرع الله” و”إعلاء كلمته وحكمه” و”إقامة دولة الإسلام.. الانتساب فيها للإسلام.. والاجتماع فيها على الشرع” وتوحيد أمة محمد .. لا رايات علمانية أو قومية أو وطنية أو مختلطة.. قتال للخروج من هيمنة النظام الدولي الصليبي، وجهاد لا يعترف بالحدود، ولا يسالم اليهود، ولا يؤمن الطواغيت.
(12) أن يخرج المجاهد من كل حظ للرياسة أو الإمارة أو السلطان.. فهذا باب هلكة للإنسان يضيع عليه الدنيا والآخرة.
(13) التبرأ من الطاغوت علناً.. فلا يصح إنكار ذلك قلباً فقط، بل يجب استعلانه، فالمجاهد عدو كل الطواغيت.. والأمة يجب أن تكون على بيّنة تامة واضحة من أمر دينها.. فلا توافق مع الطواغيت، ولا استعانة بالمشركين.. فهم فخ ولن ينفعوه بشيء.
(14) عدم قبول أي دعم خارجي من أي دولة – لا سيما الدول التي تعيش تحت حماية الصليب من خلال قواعده العسكرية – فلا تقبل أي دعم رسمي أو غير رسمي مهما بلغ، وذلك لأنه ما من دولار واحد يُجمع لدعم المجاهدين إلا تحت عين ورقابة أجهزة الاستخبارات، وما من دولار واحد يُرسل في أي مكان إلا تحت عين ورقابة الاستخبارات العالمية.. وطالما أنه تحت أعينهم؛ فهو يذهب حيث يريدون، وحيث تكون الفتنة، وحيث يكون الإفساد في الأرض.
(15) الرزق تحت ظلال الرماح.. والله ﷻ هو الرزاق ذو القوة المتين.
(16) الكفر بالطاغوت.. كل الطاغوت، وإعلان العداوة صراحة للأنظمة التي تعيش تحت حماية الصليب، والتي تدفع بثروات الأمة كلها لحماية عروشها.. وتفعل كل الحيل الشيطانية من أجل حماية “حدودها”!!
(17) عدم وجود أدنى علاقة بالنظام الدولي الصليبي أو مؤسساته أو وكلاءه أو عملائه.. أو مخاطبة وده، فضلاً عن أن تطلب وصايته أو حمايته.. أو دعمه سواء بالمال أو السلاح أو الإعلام أو القرارات.. سواء علاقة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق وكلائه وخدمه.
(18) الجهاد من أجل إقامة دولة الإسلام: يكون الاجتماع فيها على أساس “الإسلام” لا على أساس “القوم”، والانتساب فيها لـ “الشرع” لا لـ “رأي الأغلبية” أو “سلطة الاستبداد”.. وخارجة عن “هيمنة الصليب”.. جهادها من أجل ذلك وحده، وليس من أجل مجرد “إسقاط نظام” أو مجرد “عدالة اجتماعية” أو مجرد “إحقاق حقوق”.. جهاد من أجل أن تكون “كلمة الله هي العليا” و”كلمة الذين كفروا السفلى”.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × 5 =